30 يونيو.. من يتذكّر الرئيس مرسي؟
وائل قنديل
خمس سنوات من الثرثرة والسفسطة، حول الفصل بين الثلاثين من يونيو، والثالث من يوليو 2013 في مصر، ماذا أنتجت، وماذا أضافت لذلك الوهم الكبير، المسمّى مشروع اصطفاف ثوري، يقفز على الحقائق، ويزيف الوقائع، ويقدم فقرات مضحكة حد الأسى، من حركات الدونية الثورية، والتسوّل ممن أحرقوا وطناً وثورةً، ثم حين ألقاهم قائد حافلة الانقلاب في عرض الطريق، باتت الثورة أن تنتنفض من أجلهم، وإياك أن تذكر، أو تتذكّر، الرئيس الذي وقع الانقلاب عليه، وإياك أن تذكر اسم معتقل أو مسجون منذ خمس سنوات، من دون أن تضع قبله عشرة أسماء على الأقل، من المعتقلين حديثاً.
في العام الخامس لذكرى جريمة العصر 30 يونيو/ حزيران 2013، وفي كل ذاكرة قادمة لها، لا تتنازل عن حقك في سرد الرواية كما حدثت، لا كما زيّفت، وابدأ حكايتك من سطرها الأول، وشخصها الأول، ولا تلتفت إلى ابتزاز دكاكين الاصطفاف التي لا تزال تمضغ العبارات والحواديت ذاتها التي لم تتوقف عن "فرقعتها" في وجوه الجميع منذ مفتتح العام 2014.
في السطر الأول من السردية أن انقلاباً عسكرياً على رئيسٍ مدنيٍّ منتخب وقع بناءً على طلب مجموعة من السياسيين والمثقفين والثوريين، ألحّوا على المؤسسة العسكرية لكي تنتزع السلطة من الرئيس المنتخب..
أزعم هنا، مرة أخرى، أنه لو انتهى زمن انقلاب السيسي، ووقف في قفص المحاكمة، فإنه ربما يحصل على البراءة، أو يلقى حكماً مخففاً، لأنه ببساطة سيقول: نفذت الانقلاب استجابةً لمطالب النخب السياسية والحزبية التي رفعتها الجماهير على الأعناق بعد ثورة يناير.
ولو حاكموه على قتل الجماهير، فليس مستبعدا أن يدافع عن نفسه بالقول: قتلت الجماهير بناءً على رغبة الجماهير التي أقنعتها تلك النخب السياسية بأنه لا مستقبل لمصر من دون القضاء على وجود المعارضة الإخوانية.
السطر الأول، إن لم ينص صراحةً على أن رئيساً اسمه محمد مرسي انتخب بعد ثورة شعبية فرضت على الكل مساراً ديمقراطياً، حلمت به البلاد طوال تاريخها، سيكون مفتتحاً لتزوير التاريخ، والبقاء في هذا الفراغ السياسي، الممتلئ بفراغ أخلاقي، تماماً كما تبدأ حكاية فلسطين من صفقة القرن، أو أوسلو، أو مدريد، مسقطاً الخرائط الأصلية، ومتنازلاً عن جوهر الحكاية كما حدثت وتطورت.
مؤسفٌ أن يكون المنطق واحداً في الحالتين: صفقة القرن، أو سمّها طبخة القرن، أو خارطة المستقبل، سمّها ما شئت، وبين مشاريع الاصطفاف الفاشل التي تُطرح ثم تُسحب من الأسواق، على مدار خمس سنوات، لم يفكّر أحدٌ في تجربة الحقيقة المجردة، كما وقعت، بعد أن جرب كل أنواع التلفيق والتحايل والمواءمات والصفقات، من دون أن يصل إلى شيء، ومن دون أن يفتح عينيه على الحقيقة.
أظهرت خمس سنوات من الخواء السياسي الكامل أن الاصطفاف لا يُباع في الصيدليات، ولا يشترى من البقالات، فمن يريد الاصطفاف سيبحث عنه حتى يعثر عليه، ولن يشتريه اضطراراً وقسراً، تحت الإلحاح والتهديد والإغراء، من بائعٍ لزجٍ يلقي عبوات مجهولة المصدر منه على الزبائن في عربة مترو مزدحمة. .. فما بالك إن كان بعض من تعتبرهم زبائن عاديين ليسوا سوى نشّالين، يمارسون نشاطهم في الزحام!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق