تعدّدت الصبات والمصلحة ليست واحدة
علمونا في التاريخ أن عمر الدولة المصرية أكثر من سبعة آلاف سنة، حتى جاء عبد الفتاح السيسي ليعلن أن التاريخ كله غلط، وأن الدولة لم تولد إلا الآن، بعد خمس سنوات من عمر انقلابه.
هذه معادلة السيسي وجمهوره طوال الوقت: لابد من قتل المواطن حتى تحيا الدولة، وهو جمهور بات محدوداً للغاية، في ظل اكتواء غالبية المجتمع المصري بنار الحقائق المؤلمة.
يمكنك أن تطلق عليهم "شعب السيسي المختار"، المكون من أثرياء صندوق النقد الدولي، ونادي أصدقاء الفساد، وجمعية منتفعي الاستبداد، وهؤلاء يمثلون ما تبقى من"إنسان 30 يونيو" الذي يصحو ليجد نفسه بمواجهة لحظة الحقيقة: هذا نظامٌ ينفذ مهمة واحدة، قتل أي فرصةٍ لحياةٍ كريمةٍ في وطن محترم.
وهي لحظةٌ تفرض على الجميع وقفة تأمل ومراجعة للذات، بعد سنواتٍ من منح مجموعة من السفاحين المحترفين تفويضاً بالقتل والقمع والبطش لبناء الدولة المصرية. وعلى ذلك، لم يكن غريباً أو مفاجئاً أن يستعيد السيسي وجهه العكاشي، ضمن ثلاثة أشياء فعلها قبل الإقدام على الخطوة الأعنف في القرارات الاقتصادية المدمرة للسواد الأعظم من المصريين:
أولا، اعتقال عدد كبير من الناشطين السياسيين.
ثانيا، استدعاء خبير الشعوذة الإعلامية توفيق عكاشة من المخازن، لينهال على البسطاء بمقدّمات مخابراتية، تتحدث عن حتمية إلغاء الدعم ورفع أسعار الغاز والوقود.
ثالثا، تعيين وزير دفاع، أهم ما في سيرته الذاتية أنه منفذ المذبحة الكبيرة الأولى في افتتاح عصر السيسي، ووزير داخلية من جهاز أمن الدولة رأساً.
ثانيا، استدعاء خبير الشعوذة الإعلامية توفيق عكاشة من المخازن، لينهال على البسطاء بمقدّمات مخابراتية، تتحدث عن حتمية إلغاء الدعم ورفع أسعار الغاز والوقود.
ثالثا، تعيين وزير دفاع، أهم ما في سيرته الذاتية أنه منفذ المذبحة الكبيرة الأولى في افتتاح عصر السيسي، ووزير داخلية من جهاز أمن الدولة رأساً.
أول ما فعله توفيق عكاشة هو الكلام عن سعر أسطوانة البوتاغاز الذي يجب أن يتضاعف، لكي لا تسقط الدولة، وهو ما تحقق بعد ساعات.
إذن، لم يكن المذيع يتكلم من عندياته، بل كان معبراً ومتحدثاً معتمداً باسم نظام السيسي. وهنا عليك أن تعود بالذاكرة إلى فبراير/ شباط 2016، حين أسقط البرلمان عضوية النائب المذيع توفيق عكاشة، بعد اتهامه بالخيانة والعمالة والجاسوسية، في أعقاب فضيحة ذهابه إلى بيت السفير الصهيوني.
في ذلك الوقت، ضربه النائب الناصري المخضرم، كمال أحمد، بالحذاء فور دخوله القاعة الرئيسة للمجلس، معلنا إنه جاء برسالة من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر للنائب الخائن العميل، وهو مضمون كلامٍ ورد بعباراتٍ مشابهةٍ، على لسان ناصري محترف آخر، هو النائب مصطفى بكري.
سواء فعلها السيسي، كما وردت في القاموس العكاشي، أو نقلها عكاشة من دفتر السيسي، فإنه في الحالتين تنطق الصورة بالتطابق التام بين الجنرال وذلك الكائن الموصوف بالخيانة والعمالة للكيان الصهيوني، الأمر الذي يكشف بوضوح أين تقع المرجعية وأين تنبع وتصب قرارات وإجراءات سحق المصريين.
من المهم هنا ألا ننظر إلى جمهور انقلاب السيسي باعتباره كتلة واحدة، فالحاصل أننا بصدد ثلاثة قطاعات، أولها يتكون من مجموعة المستفيدين من كل هذا الخراب، رجال الأعمال من أبناء صندوق النقد، وسياسيين يحملون من الكراهية لثورة يناير وقيمها، ما يكفي لحرق مصر على من فيها.
ثم مجموعات "مواطنين شرفاء"، لا تجد نفسها إلا في هذا المناخ المسموم، ممن ارتضوا، منذ البداية، أن تكون قطرة البنزين أقدس من قطر دم الأخ والجار.
والقطاع الثالث، وهو الأهم والأوسع، بما لا يقارن، هم ضحايا أكبر عملية خداع وغسيل مخ، مارسها عليهم سياسيون ومثقفون، ساقوهم إلى محرقة لم تخمد حتى الآن.
وهؤلاء الآن يصرخون، فلا يجدون من يغيثهم، أو يخاطبهم أو يتحدّث إليهم، كانوا حاضرين حتى شهور مضت، في قضية جزيرتي تيران وصنافير، لكن الذين مارسوا كل أشكال التضليل لكي يخرجوا في يونيو/ حزيران 2013، عادوا ومارسوا نوعاً من التدجين والتسكين عليهم في 2016، فامتصوهم من الشوارع والميادين، واقتادوهم إلى أضابير المحكمة، ثم سلموهم إلى اليأس والإحباط والإحساس باللاجدوى من أي شيء.
ومنذ ذلك الوقت، لم يعد السيسي يرى أي شكل من المعارضة الجادة المسؤولة هناك، إذ كان ينتقي تدريجياً، وبعناية ودقة فائقتين، من ينبغي إضافتهم إلى تعداد الزنازين، في مقابل ترك مجموعةٍ من المهرجين يمضون الوقت في تقييم دراما مسلسلات رمضان، والتنافس في عبادة منتخب كرة القدم، ثم يتهمون الشعب بالغياب.. وآخرين يبدأون مبكّراً تخليق مواقف بطولية وهمية لوزير الدفاع المقال، وزميله وزير الداخلية، عبر فقراتٍ معلوماتيةٍ لا تخلو من طرافة ألعاب السيرك وأشغال الحواة عن مناوأتهما اندفاع السيسي نحو استكمال تنفيذ محرقة الأسعار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق