كيف أجهضت التحركات التركية المخططات السعودية الإماراتية بالشمال السوري؟
"يجب أن نعمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية؛ لأن من شأن ذلك أن يخفف من المطامع التركية والإيرانية والعراقية، وستقتطع دولة كردستان الكبرى كل من ثلث إيران وثلث تركيا وثلث العراق."
قد يتفهم البعض هذه الكلمات الصادرة عن اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي الذي يرأس حاليًّا مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية بمدينة جدة، كونها تعبر عن رأي الرجل الذي لا يشغل حاليًّا أي منصب حكومي، إلا أن تقييم الكلمات ومعناها يختلف عندما تُوضع في الإطار الأكبر الذي ذُكرت فيه.
لكن تركيا تتعامل مع سوريا بوصفها قضية أمن قومي بالدرجة الأولى، وعمقًا إستراتيجيًا لها، خاصة مع التطورات التي جاءت بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى الواجهة كرقم جديد في المشهدين الميداني والسياسي، فإلى أين وصل التحول السعودي الإماراتي تجاه الأكراد نكاية في تركيا؟ وكيف اصطدمت النزاعات الإمبراطورية للبلدين بالعمليات العسكرية التركية في شمال سوريا؟
السعودية والإمارات بالشمال السوري.. يد للأكراد وعين على تركيا
في خضم التغييرات العاصفة في السياسة الإقليمية للمملكة مع صعود القيادة الجديدة فيها، برز في التناول الإعلامي موقف سعودي جديد، وهو الإعلان بشكل صريح وعلني لدعم قضية الأكراد، وعلى الرغم من أن مثل هذه المواقف جاءت عبر أشخاص أو وسائل إعلام مقرّبة من السلطات السعودية، من المؤكد أنها تعبر عن موقف رسمي.
الدعم السعودي للأكراد يأتي في وقت ترفض فيه تركيا أي تدخل دولي لدعم قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، وتعده دعمًا لمنظمة إرهابية، وخطأ كبيرًا كما هو الحال مع الأمريكيين والفرنسيين الذين قدموا مساعدات لتلك القوات في منبج، وترى أنقرة أن تلك الوحدات هي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردًا داميًا على الأراضي التركية منذ عام 1984.
الدعم السعودي للأكراد يأتي في وقت ترفض فيه تركيا أي تدخل دولي لدعم قوات سوريا الديمقراطية
وفي سبيل الحد من محاولات العبث السعودية والإماراتية بحديقة تركيا الخلفية، عملت الأخيرة على إفشال التنسيقات واللقاءات السعودية والإماراتية المتتالية وغير المعلنة مع أكراد وعشائر عربية بالشمال السوري، فالرياض كانت تعمل على إقامة كيان كردي في المنطقة خلافًا لموقعها المعلن.
لكن رغم التحذيرات التركية المتكررة، واصلت السعودية والإمارات العبث مع تركيا بشأن موضوع الأكراد، ففي 18 من أكتوبر 2017، التقى وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان قادة عسكريين أكراد، في مدينة الرقة التي يسيطر عليها حزب سوريا الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي.
واستضافت وسائل إعلام سعودية شخصيات كردية ذات توجه معادٍ لتركيا على رأسها رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم الذي أصدرت أنقرة مذكرة اعتقال بحقه العام الماضي لاتهامه بالوقوف خلف تفجير وقع في فبراير 2016 أودى بحياة 30 شخصًا، وتبنته ما تسمى حركة صقور حرية كردستان المقربة من حزب العمال الكردستاني.
نشرت صحيفة "يني شفق" التركية تقرير تحدثت فيه عن تنسيق سعودي أمريكي إماراتي لدعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD" في المناطق التي يوجد فيها بسوريا
وفي ديسمبر 2017، أفردت صحيفة "عكاظ" السعودية صفحاتها للقيادي بحزب العمال الكردستاني رضا آلتون ووصفته بوزير خارجية الحرب، معلنًا أن الوضع الآن مع أنقرة هو الحرب، وردًا على ذلك هاجم موقع صحيفة "ترك برس" المملكة السعودية في تقرير بعنوان "عكاظ السعودية تروج للإرهاب الكردستاني في تركيا".
ويأتي الظهور الكردي المناوئ لأنقرة على وسائل إعلام سعودية، بالتزامن مع تقرير نشرته صحيفة "يني شفق" التركية، تحدثت فيه عن تنسيق سعودي أمريكي إماراتي لدعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "PYD" في المناطق التي يوجد فيها بسوريا بعد الانتهاء من محاربة تنظيم الدولة.
وكشفت الصحيفة أن الاجتماع جاء لـ"تحديد إستراتيجية مشتركة لمستقبل النفط السوري"، وقد تم اختيار ممثلي العشائر العربية من الداخل السوري من الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا المحسوب على أبو ظبي، بينما اختار القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان الشخصيات السورية من الخارج يقيم بعضهم في القاهرة وبعضهم الآخر في إسطنبول.
ويأتي نشر الصحيفة التركية للخبر الذي يربط مستقبل النفط السوري بـ"إسرائيل" في وقت ترتفع فيه وتيرة العلاقات السعودية من جهة، وتركيا وقطر من جهة أخرى، الأمر الذي يبدو أن الأكراد يستثمرونه عن طريق استقدام المزيد من الدعم السعودي للأكراد الذين يشكلون أحد أبرز عناصر الضغط على تركيا.
الأجندة السعودية الإماراتية لتأسيس وحدات عربية اصطدمت بالتحركات التركية العسكرية
شيطنة الأكراد.. محاولات المال الخليجي لم تعد مجدية
في وقت سابق، ترددت أنباء عن أن الرياض وأبو ظبي تدعمان الأكراد في سوريا والعراق نكاية بتركيا، وأن السعودية والإمارات وقفتا خلف استفتاء الانفصال الذي أجراه كردستان العراق العام الماضي، ونقلت وكالة الأناضول عن مصادر محلية أن السعودية أرسلت مساعدات في أبريل/نيسان الماضي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا.
كما أكدت صحيفة"Nizavisimaya" الروسية وجود أدلة تثبت تورط السعودية والإمارات في دعم المشروع الكردي بشمال سوريا، وبحسب الصحيفة، زودت الإمارات، في وقت سابق، كردستان السورية بجملة من الأسلحة في إطار التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.
وأشار موقع سوبر خبر التركي إلى أن حزب العامل الكردستاني تلقى دعمًا ماليًا سعوديًا يقدر بنحو مليون دولار، وأكد الموقع أن السعودية والبحرين والإمارات رصدوا مليار دولار للإنفاق على مشروعها بشمال سوريا، فيما اعتبرت الصحف السعودية ذلك دعمًا لمعاناة الشعب السوري.
وفي 25 من مايو 2018، جرت تحركات جديدة من بوابة دول خليجية لم تخف يومًا دعمها لأكراد شمال سوريا نكاية في تركيا، حيث التقى مستشارون عسكريون سعوديون وإماراتيون وأردنيون مسؤولين أكراد في القاعدة الأمريكية بمنطقة "خراب عشق" بريف عين العرب كوباني شمالي سوري، أقر اجتماع كوباني بتشكيل ما يسمى "قوات حرس الحدود" بتمويل سعودي، تشرف على هذه القوات وحدات حماية الشعب وميليشيا "قوات الصناديد" العربية.
وسبق أن تسربت أنباء عن بدء مليشيات "وحدات الحماية الكردية" بتلقي طلبات الانتساب لمليشيا جديدة تحت اسم "قوات حرس الحدود" في سوريا، تعمل على تأسيسها بتمويل من السعودية، وبالتعاون مع مليشيا "قوات الصناديد" التي يتزعمها حميد الدهام الجربا، أحد أقرباء رئيس الائتلاف السوري السابق أحمد الجربا.
نجاح العمليات العسكرية التركية في تأمين حدودها وطرد المليشيات الكردية التي تتلقى دعمها المالي واللوجيستي من أمريكا، أحرج حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، خصوصًا السعودية والإمارات
ونقلت صحيفة "الوطن" السورية عن مدير شبكة "الخابور" المحلية المعارضة إبراهيم حبش، أن مقرات "الصناديد" والوحدات الكردية في مدينة اليعربية، التابعة إداريًا لمحافظة الحسكة، والواقعة بالقرب من الحدود السورية العراقية، افتتحت باب الانتساب لقوات حرس الحدود الجديدة، بعقد مدته عامين، وبراتب شهري مقداره 200 دولار أمريكي، منوهًا بإقبال الشبان على التطوع في القوات الجديدة، في ظل الظروف المعيشية السيئة التي يعيشها السكان هناك.
وتحمل زيارة العسكريين الإماراتيين والسعوديين إلى مناطق وحدات حماية الشعب الكردية دلالات كثيرة، أبرزها سعي الرياض وأبو ظبي لمضايقة أنقرة من خلال سيطرتهما على ورقة الأكراد بحيث يمكن الضغط بها على تركيا.
لكن الأجندة السعودية الإماراتية لتأسيس وحدات عربية اصطدمت بالتحركات التركية العسكرية، فالمعارك التي دامت قرابة شهرين، وسقط فيها الآلاف من عناصر قوات وحدات حماية الشعب الكردية ومقاتلي الجيش الحر، تكللت بإعلان إتمام عملية "غصن الزيتون" بنجاح، وسيطرة القوات التركية الكاملة رسميًا على مدينة عفرين (شمال سوريا).
واستنادًا إلى محللين، يأتي السعي الإماراتي السعودي الجديد من أجل تشكيل قوة حدودية من العشائر العربية شمال شرقي سوريا من أجل توفير غطاء جديد لوحدات حماية الشعب الكردي في المنطقة خصوصًا بعد إعلان واشنطن نيتها الانسحاب من سوريا وفشل الوساطة الفرنسية بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية.
ويرى مراقبون أن نجاح العمليات العسكرية التركية (درع الفرات وغصن الزيتون) في تأمين حدودها وطرد المليشيات الكردية التي تتلقى دعمها المالي واللوجيستي من أمريكا، أحرج حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، خصوصًا السعودية والإمارات الذين يرون أن نجاح أي اختراق أو نفوذ تركي جديد في المنطقة يكون على حساب مصالح محور واشنطن - الرياض - أبو ظبي.
أوشك الوجود العسكري الكردي في منطقة غربي الفرات السورية على الزوال آخذًا معه أحلام دول خليجية مناوئة لتركيا
اتفاق منبج.. بداية النهاية للمشروع السعودي الإماراتي
وكان محور واشنطن وحلفتيها أبوظبي والرياض قد سعى من خلال تقديم الدعم للمليشيات الكردية شمالي سوريا وإبقاء القوات الأجنبية، إلى سد الأبواب أمام العملية العسكرية التي اعتزمت تركيا إطلاقها ضد المليشيات الكردية و"داعش" في منطقة منبج التي تُمثل دفعة قوية بالنسبة لأنقرة في إنهاء صراع القوات التركية مع حزب العمال الكردستاني وأجنحته قرب الحدود العراقية والسورية.
لكن الأمريكيين والأتراك وجهوا ضربة قاسمة لمحور الرياض أبو ظبي، فقد استأنفوا مفاوضاتهم وتوصلوا لقرار بشأن هذه المدينة التي تسكنها أغلبية عربية ويديرها الأكراد، يقضي بسحب بداية القوات القوات الكردية من منبج بريف حلب الشرقي، حتى أوشك الوجود العسكري الكردي في منطقة غربي الفرات السورية على الزوال، آخذًا معه أحلام دول خليجية مناوئة لتركيا، الأمر الذي يعد مقدمة لتفاهم أكبر يخص منطقة شرقي الفرات التي لا تزال تحت سيطرة الوحدات الكردية.
وقبل ذلك الاتفاق الذي قضى على آمال السعودية والإمارات في سوريا، كانت مساعي الرياض وأبو ظبي لإحباط المشروع الكردي واضحة، فقد أفادتمصادر كردية بوصول دفعة من الأسلحة إلى مدينة منبج السورية، معظمها مقدّم من السعودية، وتشير إلى أن التحالف الدولي بقيادة واشنطن ينشئ مركزًا للتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في منبج لحمايتها من هجمات الجيش التركي.
الأمريكيون والأتراك وجهوا ضربة قاسمة لمحور الرياض أبو ظبي، فقد استأنفوا مفاوضاتهم وتوصلوا لقرار بشأن هذه المدينة التي تسكنها أغلبية عربية ويديرها الأكراد
لكن تداعيات التفاهم الأمريكي التركي بشأن مدينة منبج الواقعة شمال شرقي حلب، لا تقف عند خروج القوات الكردية من المدينة الواقعة غربي الفرات، وخصوصًا أن تركيا تطمح إلى تعميم التجربة على مناطق أخرى في سورية، تحديدًا في منطقة شرقي الفرات، في إطار جهودها للحفاظ على ما تقول إنه أمنها القومي وضمان إجهاض مشروع قومي كردي بدعم سعودي إماراتي، وهو ما يبدو أنه قد بدأ يتحقق.
ولعل ما يثير التساؤل هو طبيعة الموقف الجديد للسعودية والإمارات من الثورة السورية، فقد توجهتا معًا إلى دعم أطراف لا تقاتل النظام السوري المدعوم من إيران العدو الأول والأخطر بالنسبة لهما، وهنا يفسر الكاتب التركي إبراهيم قراغول ذلك بأن دعم المليشيات الكردية في مناطق شمالي سوريا هو "مخطط غربي لدعم التنظيمات الإرهابية، ولا علاقة له بمواجهة نفوذ إيران، وقد يؤدي لحرب عربية - تركية".
وبالعودة إلى ما يجري بين السعودية وتركيا، يمكننا التكهن بأن السعودية تعمل على شيطنة الأكراد ليكونوا حجر عثرة في وجه مخططات أردوغان، وفي نفس الوقت يكسبون رضا الأمريكي، فالاقتراب من ملف الأكراد ودعمهم خط أحمر لتركيا، فكيف إذا ما كان الأمر هو تشكيل وحدات عربية في المناطق الكردية؟ يبدو الأمر الآن أنه ذهب مع الريح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق