الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

في ذكرى 11 سبتمبر.. يبدو لم تجر مياه أفغانية كثيرة

في ذكرى 11 سبتمبر.. يبدو لم تجر مياه أفغانية كثيرة

د.احمدموفق زيدان
ثمانية عشر عاماً على غزوتي نيويورك و واشنطن كما أطلق عليها مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن صاحب الزلزال العالمي الذي لا نزال ندفع ثمنه إلى اليوم، فكان أول من دفع الثمن باهظاً حركة طالبان الأفغانية التي آوت واحتضنت تنظيم القاعدة، حيث أطيح بها بعد شهر واحد على العملية، فكانت بحق سابقة فريدة في التاريخ البشري أن تضحي إمارة أو دولة أو حكومة بحكمها وعرشها مقابل عملية لأجانب استضافتهم فاستهدفت مصالح دولة كبرى لا تقوى هي ولا غيرها على مواجهتها، ومع هذا آثر زعيم حركة طالبان الأفغانية يومها الملا محمد عمر على المضي قدماً في حماية أسامة بن لادن رافضاً تسليمه على الرغم من أن الكتابات على الجدران كانت واضحة جلية بأن عرشه إلى زوال، فقال قولته المشهورة والتي أصبحت علماً من أعلام تلك المرحلة: " وعدهم بوش بالنصر، و وعدنا الله به، وسنرى أي الوعدين أصدق.".
    
يومها بدأت الحرب فاستعان بوش الابن بتسع وثلاثين دولة للقضاء على الحركة وتنصيب التحالف الشمالي الأفغاني محلها، فكانت أول خديعة للحكومة الباكستانية التي آثرت الانضمام للتحالف ضد من كانت تصفهم بعمقها الاستراتيجي الطالباني، كان الانضمام خشية من التهديدات الأميركية التي كشف عنها الرئيس الباكستاني يومها برفيز مشرف إما الوقوف معنا أو إعادة باكستان للعصر الحجري، فكان حال باكستان كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه للحسين رضي الله عنه عن أهل العراق يومها :" قلوبهم معك وسيوفهم عليك"...


ليس من هدف هذه المدونة الحديث عن الظروف والأخطاء التي وقع بها الجميع في تلك الفترة، وإن كنت شاهداً على أشياء كثيرة ليس محلها هذه المدونة، ولكن الواضح أن الحركة الطالبانية لا تزال على سابق عهدها الذي تركها عليه زعيمها المؤسس الملا محمد عمر من الصلابة والتشدد تجاه الأجنبي بشكل عام، وهي التي تعهدت بحسب الاتفاق الأخير مع الأميركيين ألا يتم استخدام أفغانستان كقاعدة لانطلاق نشاطات معادية ضد الغرب، وهو ما يوحي بأن الأميركيين سلموا بأن أفغانستان المستقبل آيلة إلى الحركة وحكمها، أو على الأقل سيكون لها اليد العليا في ذلك، والثاني أن الحركة نفسها جددت ما كانت تقوله حتى عشية الهجوم الغربي على أفغانستان في اكتوبر/ تشرين أول من عام 2001 من أنها لن تسمح باستخدام أفغانستان كقاعدة انطلاق لنشاطات ضد الغير داعية حتى إلى التحقيق في هجمات 11 سبتمبر ومعرفة المنفذين والتفاصيل بحقها.

جاء وقف ترمب للقاءات مع قادة حركة طالبان الأفغانية المقررة في كامب ديفيد وهي درة التاج الأميركي التفاوضي، لتعيد إلى الذاكرة سجل الخلافات والمفاوضات الشاقة بين الطرفين، إذ إن الحركة التي وافقت على هذه الزيارة بعد تسع جولات تفاوضية شاقة، نسفتها من خلال عملية عسكرية نفذتها وقتلت جندياً أمريكياً وآخر رومانياً و 11 جندياً أفغانياً، لكن الرئيس ترمب الذي عزا وقف المفاوضات لمقتل الجندي الأميركي و11 آخرين لم يأت على ذكر الجندي الروماني، بينما ذهبت مصادر طالبانية إلى عزو الإلغاء لقرار المجلس القيادي للشورى وليس لتغريدة ترمب.

على الفور تدحرجت رؤوس سياسية أمريكية وأفغانية كبيرة مثل جون بولتون مستشار الأمن القومي وأغلب التقديرات أن أفغانستان والتفاوض مع طالبان هو السبب كونه يرفض ذلك، لكن العصبية التي ألغى بها ترمب المفاوضات، قابلها بيان طالباني غريب في هدوء عباراته، ففي الوقت الذي اتهم الإدارة الأميركية بالتعجل وعدم الصبر والتهور، هدد بمزيد من العمليات، وإزهاق مزيد من الأرواح الأميركية وهو الأمر الذي لم تعد الإدارة الأميركية قادرة على تحمله، فصعّدت طالبان بالتالي من عملياتها العسكرية واستهدفت قاعدة بغرام الأميركية الاستراتيجية بعدة صواريخ، بالإضافة إلى استهداف القوات الأفغانية في الشمال والغرب والجنوب، فضلاً عن استهداف مبنى المخابرات الأفغانية بسيارة مفخخة أرغمت رئيس المخابرات على التنحي.

لم تجر مياه كثيرة إذن تحت الجسر الطالباني، فلا تزال الحركة هي ذاتها بعقليتها وإدارتها للصراع، ولذا ربما يكون صحيحاً إلى حد كبير ما تتوقعه بعض الدوائر الدولية من إطلاق اقتتال أفغاني داخلي عنيف مستقبلاً بعد الرحيل الأميركي، تكون فيه الغلبة للحركة، لاسيما ونحن نرى تخلي الأميركي عن عملائه الذين عملوا معه طوال 18 عاماً الماضية فيكون مصيرهم إلقاؤهم بفم الأسد الطالباني كما حصل يوم انسحبت أمريكا من فيتنام، وكذلك يوم انسحبت موسكو من أفغانستان .




















































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق