الخميس، 12 سبتمبر 2019

دحلان.. محسن أم مدبر سيئ السمعة

دحلان.. محسن أم مدبر سيئ السمعة

ديفيد هيرست 

عندما رفع محمد دحلان دعوى قضائية ضد "ميدل إيست آي"، قال محاموه إنه سياسي ورجل أعمال ومحسن له صلات عادية تماماً بالإمارات العربية المتحدة. نترك الحكم على ذلك للقارئ.

بعد مرور حوالي أسبوعين على المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في يوليو/ تموز 2016، كتبت مقالاً نقلت فيه مزاعم مصادر أمنية تركية رفيعة المستوى بما يفيد بأن الإمارات العربية المتحدة تعاونت مع الانقلابيين وأنها استخدمت القيادي الفتحاوي محمد دحلان كوسيط.   

وأوردت في مقالي المزاعم التركية بأن دحلان كان قد نقل أموالاً خلال الأسابيع التي سبقت المحاولة الانقلابية وأنه تواصل مع فتح الله غولن، رجل الدين الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، عبر رجل أعمال فلسطيني يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له. 

كانت مصادري حول هذا الموضوع فوق الشبهات ولا يرقى إليها الشك – مصدر أمني تركي رفيع المستوى ومصادر أخرى على ارتباط بدولة الإمارات العربية المتحدة. تمسكت بالرواية حينذاك ولا زلت متمسكاً بها الآن. وبقي المقال المذكور منشوراً في موقعنا منذ ذلك الوقت.

وبعد عام من النشر رفع دحلان دعوى قضائية ضدي وضد ميدل إيست آي. احتوت دعواه القضائية ضدنا عدة عناصر لافتة للنظر. 

أما الأول فكان مسعى دحلان لتقديم نفسه على أنه "سياسي ورجل أعمال ومحسن".

وأما الثاني فتمثل في الفكرة التي صرح بها محاموه في مراسلات ما قبل المحاكمة من أن موكلهم كانت لديه "صلة عادية تماماً بدولة الإمارات العربية المتحدة".

فقد صرح محاموه بما يلي: "بينما لا يعتبر موكلنا سراً حقيقة أنه صديق لدولة الإمارات العربية المتحدة إلا أنه لا يعمل موظفاً لديها ولا توجد لديه أي ارتباطات رسمية أو ولاءات بهذا الصدد".

فمضينا قدماً عازمين على الدفاع عن أنفسنا، وقلنا من البداية إن الدعوى نفسها تمثل مصلحة كبرى للجمهور، وذلك لأنها تتعلق، كما تبين، بمحاولات من قبل بلد ما للعبث بشؤون بلد آخر. 

ثم قلنا إن الكلمات محل الشكوى لم تكن تشهيرية لأن دحلان لم تكن لديه سمعة تستحق الدفاع عنها سواء في هذا البلد أو في مجمل بلدان الشرق الأوسط. 

لو قدر لهذه القضية أن تُنظر أمام المحكمة لبادر محامونا باستجواب دحلان لو وافق على الحضور شخصياً ولسألوه عن وصفه لنفسه بأنه "سياسي ورجل أعمال ومحسن".

"وله يد في كل شيء"

ليس سراً أن دحلان كان قد أدين غيابياً في محكمة فلسطينية في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول بتهمة اختلاس ستة عشر مليون دولار وصدر عليه حكم بالسجن ثلاث سنين. 

ومن باب التذكير لا أكثر، هناك أيضاً الادعاءات التي صدرت عن مسؤول دحلان السابق في العمل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بخصوص وفاة ياسر عرفات ووفاة عدد من الفلسطينيين الآخرين. 

نفى دحلان كل هذه المزاعم وما لبث أن عارضها بمزاعم مضادة، ولكنها تشكل مجتمعة، وبلا منازع، صيتاً سيئاً لا ينسجم مع صفة الإحسان. 

فعلى سبيل المثال، لماذا جرى التحقيق في أمر دحلان من قبل المحكمة الجنائية الدولية بشأن ضلوعه في نشاطات سيف الإسلام القذافي، الابن الثاني للزعيم الليبي المخلوع؟

وأكثر ما يدفع على الفضول ادعاء دحلان بأنه لم تكن لديه أي ارتباطات رسمية بالبلد الذي يوفر له الملاذ الآمن الآن، بكونه فلسطينياً منفياً. 

لو كان ذلك صحيحاً، فبم نفسر الفيديو الذي يظهر فيه دحلان مرافقاً لمحمد بن زايد أثناء زيارته لنادي كرة قدم صربي في عام 2013، وقد تم تصويره وهو يستلم من ولي عهد أبوظبي الهدايا التي قدمت له لتكون في عهدته؟

ولماذا قال محمد دحلان في مقابلة مع إذاعة مونت كارلو الدولية في فبراير/ شباط من عام 2015 إنه على "علاقة شخصية" مع القيادة في الإمارات العربية المتحدة؟ ولماذا يا ترى وصف دحلان ولي عهد أبوظبي في مقابلة مع اليوم السابع نشرت في الأول من سبتمبر/ أيلول بأنه "أخ وصديق" له؟

والأهم من ذلك، لماذا تبادل سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة رسائل الإيميل التالية مع فادي السلامين في الأول من يوليو/ تموز من عام 2014؟

"كل ما يجري الآن بين إثيوبيا ومصر هو من العمل الجيد الذي تقوم به أبوظبي. فنحن من رتب تلك القناة الخلفية. بإمكاني أن أزودك بالتفاصيل لو أحببت (نحن هنا تعني أنا ودحلان ورجل أعمال مقيم في واشنطن لم تتعرف عليه بعد)".

كان رد العتيبة على ذلك على النحو التالي: "أعرف دحلان وأعرف أن له يداً في كل شيء تقريباً".

وعلى هذا النحو تستمر المراسلات. 

كانت مرافعتنا وثيقة طويلة للغاية لدرجة أن المحامين المترافعين عن دحلان وصفوها بالمستفيضة والمسهبة. ولكنها كانت في نفس الوقت ماحقة. ومن المؤسف أنه لن يكتب لها أن تبث أمام المحكمة، وإن كانت هي وكل متعلقات القضية باتت الآن متاحة لمن يرغب من الجمهور الاطلاع عليها. 

واحد من الأسباب التي جعلتني أخلص إلى أن العلاقة بين دحلان وابن زايد ذات أهمية دولية وإقليمية بالغة هو عدد المعارك السرية التي يخوضها الرجلان – في فلسطين وفي مصر والانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي، والحروب الأهلية في ليبيا وفي اليمن والحملة الدولية التي تشن ضد جماعة الإخوان المسلمين. 

في معرض رده على سؤال عما إذا كان ضالعاً في الانقلاب ضد مرسي، قال دحلان في مقابلة مع المونيتور في الثالث من يناير/ كانون الثاني من عام 2016 ما نصه: "لقد لعبت دوراً نشطاً كفلسطيني في مساندة الشعب المصري. إنه دور بسيط ومحدود، ولكنني قمت به لأن مصر لديها مصالح في مساعدة الشعب الفلسطيني.".

انقلاب تركيا

وبالطبع هنالك تركيا.. 

في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني تحدث دحلان أمام رابطة حلف الأطلسي في بروكسيل قائلا: "كل حركة الإرهاب التي في سوريا جاءت عبر تركيا. أنتم تعلمون ذلك. ولكنكم لا تعبئون. وذلك لأن لديكم مصالح سياسية. أو ليس لدي تفسير لماذا يحدث ذلك. أنا لست ضد تركيا. ولكنني ضد عدم الكشف عن الحقائق بشأن أولئك الذين لا يواجهون داعش، أولئك الذين يوفرون لها المرافق المالية، والذين يتاجرون معها في النفط أو يهربون لها السلاح."

لعدة ساعات بعد بدء المحاولة الانقلابية في تركيا يوم الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016، ظل مكان تواجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجهولاً. 

في تلك الأثناء، كانت وسائل الإعلام التي يهيمن عليها الإماراتيون والسعوديون تنشر أنباء تفيد بأن الانقلاب قد نجح وأن أردوغان هرب أو لقي حتفه. ثم لما ظهر أردوغان في مطار إسطنبول حياً يرزق، قالت إحدى مقدمات البرامج في قناة العربية على الهواء إنه من المؤسف أن الانقلاب لم ينجح، ثم تداركت سريعاً وتراجعت عما قالته. 

بالنسبة للمراقبين من أمثالي، كان مذهلاً مدى الاستعداد الذي أظهرته وسائل الإعلام الخليجية في تغطية حدث كانت فصوله تتوالى طوال الليل في تركيا. 

ثم تجلى كل شيء بوضوح بعد أسبوعين عندما تلقيت مكالمة من ضابط رفيع المستوى في الأجهزة الأمنية التركية. وعندما تأكدت من صحة المعلومات التي زودني بها عبر مصادر مقربة من أبوظبي قررت النشر.

وبعد أن أخفقت المحاولة الانقلابية خشي الإماراتيون من رد فعل أردوغان، والذي تشكلت لديهم قناعة عنه بأنه من النوع الذي "ينزع نحو الانتقام"، وكانوا محقين في ذلك. ولذلك حاولوا، مؤقتاً، النأي بأنفسهم عن دحلان. 

ثم ما لبث أردوغان نفسه في يونيو/ حزيران من عام 2017 أن أكد المعلومة التي تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة كانت ضالعة في المحاولة الانقلابية، حيث قال: 
"نعلم جيداً جداً من كان سعيداً في الخليج أثناء المحاولة الانقلابية في تركيا. إذا كانت لديهم أجهزة مخابرات، فإن لدينا أجهزتنا أيضاً."

ثم أيد وزير الخارجية مولود شاوش أوغلو ذلك عندما قال بعد أسبوعين: "نعلم أن أحد البلدان دفع ثلاثة مليارات دولار كدعم مالي للمحاولة الانقلابية في تركيا وبذل جهوداً لإسقاط الحكومة بطرق غير مشروعة. وفوق ذلك كله، إنه بلد مسلم."

لم يسم شاوش أوغلو ذلك البلد على الملأ، ولكن مصادر من داخل وزارته أكدت لصحيفة صباح اليومية التي تهيمن عليها الحكومة بأن البلد المعني هو الإمارات العربية المتحدة. 

في مايو/ أيار من عام 2018 ذهب شاوش أوغلو إلى أبعد من ذلك، حينما قال في لقاء مغلق مع الصحفيين العرب في إسطنبول إن دحلان كان مسؤولاً عن نقل الأموال من الإمارات العربية المتحدة إلى جماعة فتح الله غولن في تركيا لاستخدامها في الانقلاب الفاشل. 

المضي ببطء

لم تكن محاولة إظهار دحلان في صورة المحسن الجريح الشيء الوحيد الشاذ في هذه القضية. 

كانت المحاولة قد انطلقت بعد عام كامل تقريباً من النشر، ثم ماتت لما يقرب من عشرة شهور. خلال تلك الفترة، وجدنا أنفسنا نحن المدعى علينا في وضع عجيب إذ انتهى بنا الأمر إلى الضغط على أصحاب الدعوى لكي يأتوا إلى المحكمة بدلاً من أن يحدث العكس. 

وقبل ثلاث ساعات من الموعد المقرر لتبادل وثائقنا وموادنا الإلكترونية بموجب قواعد الإفصاح المعمول بها، جبن دحلان وسحب دعوى القذف التي كان قد رفعها ضدنا. 

ثم ادعى بعد ذلك في بيان صحفي عبر حسابه في موقع تويتر بأنه قد حصل على ما كان يريد من المحاكم الإنجليزية. حقا؟؟؟

يتوجب على دحلان الآن دفع فاتورة ضخمة، وهي النفقات القضائية التي تكبدتها شخصياً وتكبدها موقع ميدل إيست آي بالإضافة إلى النفقات التي تكبدها هو. وتقدر القيمة الإجمالية لكل ذلك بما يزيد على نصف مليون جنيه إسترليني، ولا تزال المقالة الأصلية التي من أجلها أراد مقاضاتنا منشورة في موقع ميدل إيست آي كما هي. 

وبذلك تمت تبرئة العمل الصحفي الذي قمنا به، وثبت بدون أدنى شك أن قرارنا نشر تلك المزاعم كان فعلاً في الصالح العام. 

والآن، أترك للقارئ أن يقرر بنفسه ما إذا كان دحلان فعلاً محسناً على "علاقة عادية تماماً بدولة الإمارات العربية المتحدة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق