تلك كانت صيحته الأخيرة"أنا جاهز للاعتقال أو القتل، ولأي شيء، ولن يروا منا ضعفًا أبدًا" فكان لابد من التخلص منه والانتقام من روحه بسيناريوهات قذرة عن ظروف موته.. قذارة السيناريوهات ضد الضحايا صارت منهجًا ثابتًا كما ترى الآن .. رحمك الله يا عبد الله مرسي
تلك كانت صيحته الأخيرة"أنا جاهز للاعتقال أو القتل، ولأي شيء، ولن يروا منا ضعفًا أبدًا" فكان لابد من التخلص منه والانتقام من روحه بسيناريوهات قذرة عن ظروف موته.. قذارة السيناريوهات ضد الضحايا صارت منهجًا ثابتًا كما ترى الآن .. رحمك الله يا عبد الله مرسي
عبد الله مرسي الجاهز للاعتقال أو القتل
عبدالله مرسي في محاكمة "اعتصام رابعة" بأكاديمية الشرطة (10/12/2016)
وائل قنديل
ها هو الابن الصغير عبد الله، يلقى ربه وهو يخوض معركة الدفاع عن الحق، محاربًا جسورًا بالكلمة الصادقة في مواجهة نظامٍ لا سقف لانحطاطه، ولا قاع لتدنيه في الخصومة، فيموت في الرابعة والعشرين من عمره، صامدًا ثابتًا كالأشجار، شهيدًا مثل أبيه الرئيس محمد مرسي، صاعدًا إلى الجنة، تاركًا الأوغاد يهبطون إلى حضيض فسادهم المملوكي، عراةً من أي قيمة إنسانية أو أخلاقية، يتخبّطون في فضائح فساد قصور الأسرة الحاكمة واستراحاتها التي يكشفها أحد الفارّين من جنة فسادهم.
كان عبد الله محمد مرسي في السابعة عشرة من عمره، حين اختار الشعب المصري، بإرادته الحرّة الواعية، لأول مرة في تاريخه، والده رئيسًا للجمهورية، في أول انتخابات حقيقية وسليمة ونزيهة، في تاريخ مصر، وكانت السكاكين والحناجر متوثّبة للنهش في الرئيس وعائلته، فكان الصغير عبد الله الضحية الأولى لحملاتٍ عقور، فلم يتحمّل البذاءات والسفالات الموجهة فقرّر الرد على المتطاولين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
كان رئيس الجمهورية يقطن مع أسرته في شقةٍ بسيطة، هي حصيله كدحه أستاذًا مرموقًا في تخصّص نادر، ولم يفكر في الانتقال بالأسرة إلى حياة القصور. وعلى الرغم من ذلك، انطلقت الآلة المسعورة تنثر الشائعات الكاذبة، و تنشر أخبارًا ملفقة عن حياة أسرة الرئيس. ومن ذلك مثلًا الادعاء القذر، صيف العام 2012، إن أبناء الرئيس أقاموا فى استراحة رسمية مع أصدقائهم، وأن السيدة الفاضلة زوجته تغير فى معمار القصور، وغير ذلك من رواياتٍ يختلط فيها الخيال بالواقع.
كان هذا الكذب المصنوع في ورش الدعاية السوداء مثيرًا للاشمئزاز والاستفزاز، فراح أبناء الرئيس يتصدّون لهذا السيل الجارف من الوضاعة، وكنت من انتقد رد فعلهم، كون المعنى بالرد هنا هو مؤسسة الرئاسة، وليس أبناء الرئيس، لأن الموضوع هنا يتجاوز كونه شأنا عائليا أو أمرا شخصيا، بل يتعلق بأعلى مؤسسات الدولة.
وأذكر أني كتبت، في ذلك الوقت، محذرًا من تكرار حكاية أبناء حسني مبارك، وقلت إن "لدينا رئيسًا ومؤسسة رئاسة ومتحدثًا رسميًا وعشرات المتحدّثين المتطوعين باسم الرئيس والرئاسة.. فلا داعى إذن لأن نطالع تصريحات، بين الحين والآخر، لتصريحات ابن الرئيس الجديد بخصوص أشياء هي من صميم عمل إعلام الرئاسة. والمطلوب من أبناء الرئيس الترشيد في التحدث لوسائل الإعلام بعض الشىء، وإظهار صلابة أكثر فى مواجهة إغواء الإعلام وفخاخه واستدراجاته، خصوصا إذا كان الكلام يتناول مسائل من نوعية تكاليف تذاكر سفر العائلة، أو تقييما للمعالجات الإعلامية لقضايا تخص سياسات الرئيس".
وأشهد بأنه لا الرئيس مرسي أو أحد من أبنائه غضب مما قلت، بل بالفعل أظهر عبد الله وأشقاؤه نبلًا ومناعةً ضد عمليات الاستدراج المستمرّة للاشتباك على مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من ارتفاع منسوب السفالة والانحطاط في تناولهم إلى مستوياتٍ لا تحتمل.
سبع سنوات مرّت بعد ذلك والرئيس وابنه الأكبر أسامة في السجن، وطوفان البذاءة والنهش لم يتوقف، حتى جاءت فاجعة استشهاد الرئيس في سجنه.. سبع سنوات أنضجت عبد الله، فرأينا رجلًا حقيقيًا وضعته الأقدار في مسؤولية التحدّث باسم الأسرة، فتظهر صلابته وقوة بيانه وعمق إدراكه مصيبة الوطن والأسرة، متكلمًا لبقًا ومؤدبًا، يطل أحيانًا عبر وسائل الإعلام، مدافعًا عن حق أبيه الشهيد، من دون هوادة.
وأذكر في هذا الصدد أن شرّفت بالتعليق على استشهاد الرئيس في قناة "الجزيرة مباشر"، فكانت مداخلة من عبد الله تحدث فيها بعزمٍ لا يلين عن أنه مثل أبيه لن ينحني أمام آلة القمع والإرهاب، مطلقًا صيحته الأعلى "إن لآل مرسي خمسين من الرجال لو أزهقت أنفاسهم نفسًا نفسًا، ولو قتلونا رجلًا رجلًا، أو اعتقلونا جميعًا، لن نعطي الدنية أبدًا، سنظل على عهدنا مع والدي، وهذا ما ربانا عليه أبي.. أنا جاهز للاعتقال أو القتل، ولأي شيء، ولن يروا منا ضعفًا أبدًا".
حين بلغ سعار السلطة اعتقال الابن الأكبر أسامة محمد مرسي، قبل أن يرى وليده الأول، قلت إنه عندما يؤرّخ لمآثر الرئيس محمد مرسي، سيكون في مقدمتها أن له من الأبناء والبنات ما يجعله يشعر بالرضا الكامل على أنه أحسن الزرع، ففرح بالحصاد.
أبناء مرسي يشبهونه، يمتلكون الاعتزاز بالنفس ذاته، ويمتلكون أكبر ثروةٍ يمكن أن يُنعم بها الله على البشر، وهي القناعة والتعفّف، والقدرة على استقبال ضربات الأيام الغادرات بثباتٍ ويقين، أظن أنهما يرتبطان بالحالة التي يعيش بها والدهم في محبسه، فتكون هناك تبادليةٌ وجدليةٌ في العلاقة، بحيث يصبح ثبات الأبناء مستمدّاً من ثبات الأب، والعكس أيضاً صحيح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق