الاثنين، 9 سبتمبر 2019

من وراء محمد علي؟!


من وراء محمد علي؟!

سليم عزوز
مع هذا الذيوع الذي حققه المقاول والفنان "محمد علي"، ومع هذه الشجاعة التي اتسم بها، كان سؤال الناس في بلدي: من وراء الرجل؟

البعض لم يطرح السؤال، ولكنه قرر من تلقاء نفسه أن هناك من هم في الجيش أو أجهزة المخابرات من يقفون خلفه حتماً. 
تلك أمانِيُّهُم، وهي حالة أنتجتها "الأماني العريضة"، من الذين ينطلقون من قاعدة العجز، فاستكانوا لفكرة أن هناك من هم أقوى يخططون للاطاحة بعبد الفتاح السيسي، و"محمد علي" ليس أكثر من مندوب عنهم في معركة تكسير العظام، وتفتيت الجبهات. والحال كذلك، فليس مطلوبا منا سوى الجلوس وانتظار اللحظة الحاسمة التي يقوم فيها هؤلاء بالانقضاض على السيسي وإزاحته خارج الحكم أو إلى داخل السجن!

وهناك من ينطلقون في تصوراتهم من أن شجاعة "محمد علي" ليست من فراغ؛ فلا بد أن يكون هناك من يقف خلفه، ووجود من يحميه هو سر شجاعته وسر إقدامه على هذه الخطوة الجسورة، فمن يمكنه مجابهة هذا السلطة الغاشمة، إلا إذا كان هناك من يحمي ظهره ويستر عوراته.. فمن يحمي محمد علي؟!

هناك من ينطلقون في تصوراتهم من أن شجاعة "محمد علي" ليست من فراغ؛ فلا بد أن يكون هناك من يقف خلفه، ووجود من يحميه هو سر شجاعته وسر إقدامه على هذه الخطوة الجسورة

الوصي على الرئيس:

الاعتقاد بأن هناك من يقف وراء "محمد علي"، ينتجه تصور خاطئ بأن مؤسسة الحكم فيها من التنوع لدرجة أن هناك من يمكن أن يثيروا أزمة، أو يقفوا وراء أزمة، وأن الجيش مؤسسة أكبر من الرئيس، فيوجد داخل قياداته العليا من يرفض إدارة السيسي للبلاد، وهناك اعتقاد بأن الجيش وصي على الحكم، وهي حالة أنتجها خيال خصيب، هو نتاج ما تردد بعد الثورة، عن أن الجيش هو من أمر مبارك بالتنحي. ورغم أن المشير محمد حسين طنطاوي نفى في شهادة سرية، نشرت بعد ذلك، أن يكون الجيش قد طلب منه التنحي، إلا أن إيمان الناس بهذه الدعاية استقر في الوجدان، وصار من الصعب إزاحته، وهو ينطلق من الاعتقاد بأن الشعب أقل من أن يسقط الحاكم، وأن يدفع مبارك للتنحي!

وقد عزز من صدق هذه الدعاية، قيام الجيش بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وهو أمر فيه كلام كثير، فهذا التحرك كان تحت عنوان استدعاء الشعب لجيشه، ولم يُعلن إلى الآن أن قيادة الجيش اجتمعت في أي مرحلة من المراحل، وعقدت العزم على الإطاحة بالرئيس المنتخب. فهذا انقلاب قاده اثنان داخل المؤسسة العسكرية، هما وزير الدفاع ورئيس الأركان، وليس من سلطة الذين من دونهم أن يكون لهم رأي مخالف لرأي القيادة الأعلى، فهم ليسوا في مواقعهم بالانتخاب، كما أن الجيش ليس حزباً سياسياً تثار بداخله الآراء، وتقر القرارات المهمة داخل هيئته العليا بالتصويت. فقد تربوا على السمع والطاعة: "نفذ الأوامر ثم تظلّم"!

وكل حركات التمرد داخل الجيش المصري، ومنذ انقلاب سنة 1952، إلى قتل السادات، قام بها صغار الضباط، وفي حدود رتبة الرائد. فعبد الناصر كان بكباشي، وعبود الزمر كان يحمل رتبة المقدم، أما خالد الإسلامبولي، فهو ملازم أول!

بالتأكيد أن هناك حالة من عدم الرضا على أداء السيسي، على النحو الذي ذكره "محمد علي" في فيديوهاته، وهو أمر مسلّم به، فعبد الفتاح السيسي في التصور العام "يخرب البلد"، وهو ما قاله "محمد علي" نقلا عن بعض الضباط، لكن هذا الاعتقاد (من وجهة نظري) لا ينتج موقفاً، ولا ينتقل من التصور إلى العمل، ومن مجرد الاعتقاد إلى مساندة من شق عصا الطاعة، وخرج على عبد الفتاح السيسي! لا سيما إذا علمنا أن قيمة العسكري وإن كانت مستمدة من موقعه الوظيفي، فإن بيد الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يُنهي هذه القيمة بجرة قلم. ولنا أن نتذكر عندما سئل عبد الفتاح السيسي في مقابلة تلفزيونية، أجرتها معه لميس الحديدي وإبراهيم عيسي، حول تصرفه إن اتخذ الرئيس محمد مرسي قراراً بعزله قبل 3 تموز/ يوليو، ومع أنه يتحدث في الفراغ، وكان مطلوباً منه من باب الدعاية أن يقول إنه لن يلتزم، أو أنه سيواجه، أو أن الجيش سيعلن رفضه للقرار، لكن الشاهد أنه التفت يمينا ويساراً، وقلب يديه، تعبيراً عن أنه لم يكن بامكانه أن يفعل شيئا!

مرسي ليس وحده:
وليس الرئيس محمد مرسي هو وحده من تمرد عليه وزير الدفاع، فقد كان وزير الحربية الفريق محمد فوزي ضمن من أطلق عليهم مراكز القوى، وهم قادة الدولة المصرية الذين تمردوا على السادات، وكان من بين الذين قدموا استقالاتهم من الوزراء لإحداث فراغ دستوري، لكن السادات قبل الاستقالة، وقد اتصل الوزير في هذه اللحظة برئيس الأركان ليطلب منه تحركاً معيناً، ليجد الرد: لا توجد لك صفة لتصدر بها لي التعليمات.

وهناك نقطة أخرى، فمن يمكنه أن يدفع بالمقاول الفنان لهذه الحرب الضروس، بعد أن رأى برهان ربه، ورأى رئيس أركان الجيش المصري السابق يُزج به في السجن، ويرى الفريق أحمد شفيق وقد جيء به من دولة الإمارات أقرب إلى المختطف، ثم يفرض عليه داخل مصر الصمت التام، ويجري سجن العقيد أحمد قنصوة لأنه أبدى رغبة في الترشح للانتخابات الرئاسية!

ما هو ثمن هذه الخطوة؟ وما هو الضمان بألا ينتج هذا الموقف مخاطر كبرى، مثل اغتياله في الخارج، أو عقد صفقة مع الحكومة الإسبانية لتسليمه بعد صدور حكم قضائي؟

وعليه، ففي تقديري أنه لا توجد جهة أو أفراد يقفون وراء "محمد علي"؛ لأننا إذا تصورنا أنه قرر المغامرة تنفيذاً، لاتجاه داخل معسكر السلطة، فيكون السؤال: وما هو ثمن هذه الخطوة؟ وما هو الضمان بألا ينتج هذا الموقف مخاطر كبرى، مثل اغتياله في الخارج، أو عقد صفقة مع الحكومة الإسبانية لتسليمه بعد صدور حكم قضائي؟ والسيسي يجيد لعبة شراء القادة الغربيين، وقد اشترى الموقف الألماني بصفقة شركة سيمنز، واشترى الموقف الفرنسي بصفقة طائرات، وقد حول كلا من الرئيسين الفرنسيين السابق والحالي بجانب ميركل إلى سماسرة يبحثون عن العمولة.

إذن من الذي دفع "محمد علي" إلى هذه الخطوة الجريئة؟!

من خلال تلمس ما بين السطور في فيديوهات "المقاول الفنان"، يمكن لنا أن نفهم أنه قد يواجه السجن؛ لأنه محال للمحاكمة العسكرية، وتبدو هناك محاولة لتدميره على مستوى نشاطه التجاري، وباستدعاء من يعملون في شركته لتأسيس شركات خاصة بهم في نفس المجال، ثم إبرام صفقات معه، وهو من قال إنه اكتشف انتماءهم للإخوان. وهذا اتجاه لا يأتي إلا من باب "المكايدة" له، ومحاولة تدميره تماماً. ثم إنه لم يحصل على مستحقاته المالية، ومدين للبنوك. صحيح أن حجم ممتلكاته التي قام بتصفيتها قبل سفره لإسبانيا يؤكد قدرته على السداد، وكان هناك باب مفتوح للمفاوضات وإنهاء المشكلة كما جاء على لسان أحد أصدقائه، وأحد الذين تطوعوا لحل هذه الخلافات، لكن على ما يبدو أنه كان قد اتخذ قراره، فلم يألُ على شيء!

تعرض "محمد علي" إلى ما هو أكبر من الظلم، فربما تعرض للإهانة، ومن الناس من لا يمكن تصور رد فعلهم إذا أهين، لا سيما وأنه رغم صعود الطبقي، فإنه لا يزال يحمل بداخله سمات ابن البلد، الذي تربى في منطقة العجوزة الشعبية

لقد تعرض "محمد علي" إلى ما هو أكبر من الظلم، فربما تعرض للإهانة، ومن الناس من لا يمكن تصور رد فعلهم إذا أهين، لا سيما وأنه رغم صعوده الطبقي، فإنه لا يزال يحمل بداخله سمات ابن البلد، الذي تربى في منطقة العجوزة الشعبية. ثم إنه يملك وعياً سياسياً ناشئاً، دعك من محاولة تصوير نفسه على أنه "جاهل" لأنه لم يكمل تعليمه، فكثير من أساتذة الجامعات يكشفون عن جهل فاضح إذا تكلموا في السياسة، وقد كان أستاذهم المعلم في مرحلة بعد الثورة هو "توفيق عكاشة"، وجارته بالجنب السيدة "حياة الدرديري"!

مع سبق الإصرار والترصد:
قراءة خطاب "محمد علي" سياسياً ليس مجاله الآن، ولعل رصده كواع بما يقول، يدفع بالبعض للاعتقاد بأن هناك من يتولى أمره بالتوجيه والرعاية، لكن فاتهم أنه يملك وعياً عاما، لا يحتاج الى أن يكون قد تتلمذ على يد الدكتور حامد ربيع مثلا. ولا تنسَ أن الثورة ثقفت كثيرا من الناس سياسياً.

بطبيعة الحال، فإن "محمد علي" لم يندفع إلى هذا الموقف بدون تفكير، فكانت القطيعة قراره في اللحظة التي كان يطلق فيها بثه الأول. فقد عقد العزم، ثم بدأ في التخلص من ممتلكاته بالبيع، وسافر لإسبانيا للاستقرار والإقامة، وبدأ نواة لمشروع هناك، تحدث عنه الإعلام في إسبانيا في شهر حزيران/ يونيو الماضي، ثم انتظر حتى التحقت أسرته به، فقد اتخذ قراره بعد أن فكر وقدّر، وهو وإن اتخذه مع سبق الإصرار والترصد انتقاماً لنفسه، تأتي عوامل أخرى؛ مثل شعوره كمصري أن مصر يجري تدميرها، على يد هذا الجنرال الذي يهدر أموالها لاشباع فقره الداخلي.

إنها دوافع عدة متداخلة ومتشابكة وتجمع بين ما هو شخصي وما هو عام، وربما لو جلس مع نفسه ليجدد الدافع الأقوى لاختلط عليه الأمر ولما تمكن من الإجابة على هذا السؤال البسيط: ما هو الدافع الرئيس لقيامه بهذه العملية، التي تبدو انتحارية؟ وكونها كذلك، فهذا يبعد عنها شبهة القيام بها لصالح الغير، وقد ينجح في مهمته وقد يفشل. ولا أحد يموت تنفيذا لأهداف آخرين!

قد يكون "محمد علي" جسراً للآخرين المترددين، يربطهم بالجماهير، وقد يمدوه بالمزيد من المعلومات، أو يثبتون فؤاده، أو يمثلون دعماً معنوياً له. وقد نجح في أن يكشف عن السيسي غطاءه
ومع ذلك، فقد يكون "محمد علي" جسراً للآخرين المترددين، يربطهم بالجماهير، وقد يمدوه بالمزيد من المعلومات، أو يثبتون فؤاده، أو يمثلون دعماً معنوياً له. وقد نجح في أن يكشف عن السيسي غطاءه، فتكون المحاولات الفاشلة لجذب الناس بعيداً، وعلى الطريقة العقيمة التي عرف بها حكم العسكر، بقضايا الجنس والاثارة، ثم كان التبشير بحوار تلفزيوني مع من قالوا إنه منشق عن جماعة الإخوان المسلمين!

وقد غاب السيسي حتى كتابة هذه السطور، فلم يظهر للناس منذ أول فيديو لمحمد علي، وقد تم كشفه في محيطه، وفشلت كل محاولات صرف الأنظار بعيداً.

إن هناك عامل آخر في هذا الظهور شديد النجاح لمحمد علي، قد لا يلقي له أحد بالاً، وهو أنه عطاء رباني، ضد من رفع عنه الستر الإلهي، ولتثبيت فؤاد المظلومين، وإعادة الأمل من جديد في القدرة على إسقاط هذا النظام المجرم، مع قلة الحيلة والهوان عليه، بعد أن أسكت أهل السياسة، فإذا بمن يتكلم يخرج من بيته ومن جدران الصمت، وإذا به يُنهي تماما على هذا النظام الانقلابي الفاشستي، وإذا بالآمال تعود من جديد في القدرة على إسقاط هذا النظام، فساعة الجد سيكون من ضده هم كل الشعب المصري، وربما لن يقف بجانبه إلا أهل بيته فقط! ولن تجد أجهزة القوة نفسه مطالبة بحماية من أهدر المليارات ليعيش إمبراطوراً مع شعب يزداد فقراً على يديه.

إن القيمة الحقيقة في فيديوهات "محمد علي" أنها أثبتت أن مصر ليست بلداً فقيراً، فلن يخاف الناس من البديل، فلا يوجد أسوأ من "الحالي"، وأي حاكم آخر بدرجة معقولة من الرشد، يمكنه أن يغير حال الناس إلى الأفضل.

نعم نحن نستطيع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق