الثلاثاء، 27 فبراير 2024

لدي حلمٌ للأمة…فمن أنصاري إلى الله؟

لدي حلمٌ للأمة…فمن أنصاري إلى الله؟

إحسان الفقيه 


لسنا والله أمة فقيرة كما يدعون، لكن أموال المسلمين ضائعة بين حكومات تبددها في مصالحها السياسية وألوان الترف الذي يخدّر الشعوب، وبين أفراد لا يقدرون قيمة المال ولا وظيفته، فهم جهلاء في إنفاقه، وجهلاء في استثماره.

لا أجحد قطعا عطاءات أهل البر والإحسان، لكن مع الأسف الشديد هناك قلة فقه بالواقع وبأولويات الإنفاق، فجُلّ ما يشغلهم هو تحصيل الثواب، وهذا حسن، لكن هناك من أوجه الإنفاق ما يتعدى نفعه للأمة بأسرها، ويحصد المنفق فيه أضعاف أضعاف ما يحصله من ثواب النفقة المعتادة.

أين المشروعات الكبيرة التي تغير مسار الأمة الإسلامية؟ أين الأعمال ذات النفع العام الذي يتجاوز الأشخاص والبيوت؟

أبو بكر كرّس أمواله لمبدأ الحرية فحرّر عبيدا صاروا سادة التاريخ..

 عثمان بن عفان غفر له بتجهيز جيش العسرة….

 وأسماء شاركت بنطاقيها في إمضاء هجرة الرسول لتأسيس نواة دولة الإسلام فخلدها التاريخ باسم ذات النطاقين….

 فإلى أين تتجه أموالكم يا أهل الإسلام؟

أين مشروع الدراما الهادفة التي يمكنها صياغة جيل جديد واعٍ يحمل هموم أمته ويأخذ بحُجُزِها إلى موقع الريادة والسيادة من جديد؟

إن جميع المسلمين المحافظين لا ينقطعون عن بث شكواهم من المواد الدرامية الهابطة والعفن الفني الذي يجتاح عقول الأطفال والشباب، وفي الوقت نفسه لا يستطيعون منعهم من الجلوس أمام الشاشات، لأنهم فاعلون لا محالة، أمام أعينهم أو من وراء ظهورهم.

 فما الذي روج صورة البطل أنه ذلك السكّير المدخن زير النساء؟

 ما الذي روج صورة البنت المتحررة أنها الخارجة عن طوع أهلها لتعيش حياتها الخاصة مع العشيق؟

ما الذي جرّأ الوالد على ولده والزوجة على زوجها باسم الشخصية المستقلة؟

ما الذي علم المراهقين حمل الأسلحة البيضاء واستخدامها في كل شجار؟

 ما الذي هوّن الخيانة الزوجية لدى الزوجين؟

 ما الذي علم البنات التعري؟

ما الذي جرّأ الناس على الخوض في الدين والاستهزاء بشعائره؟

أليس من القوم من يبذل أمواله من أجل مشروع إنتاج للدراما الهادفة يخلصنا من هذا الوباء؟

نتحدث ليلا ونهارا عن قناة إم بي سي وما تعرضه من مواد تشوه رموزنا الإسلامية وتميع قضايا الأمة وتدعو إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، فهل سنظل نكتفي بالنقد؟ لماذا لا تتحرك رؤوس الأموال باتجاه مثل هذه المشروعات.

لطالما حلمت بمؤسسة فنية ضخمة لإنتاج الأفلام والمسلسلات الهادفة، التي يعتمد محتواها ومضمونها على القيم الإسلامية المحافظة، يقدم المواد التي تجتمع عليها الأمة بلا اختلاف، يعالج القضايا والأمراض الاجتماعية بوعي ديني وحضاري، بعيدًا عن الإسفاف والعري والانزلاق الأخلاقي، يقدم جوانب القدوة في شخصيات عمالقة ورموز أمتنا في شتى المجالات قديمًا وحديثًا، في قوالب درامية قوية تستعين بأحدث التقنيات والوسائل التكنولوجية الحديثة، وتصحح الأخطاء التاريخية التي أُشربتها الأجيال، تركز على القيم الإيجابية البناءة وأدوات صناعة النهضة، تربط الدنيا بالدين، وتعلي من شأن القيم والتقاليد المجتمعية التي تتماشى مع الإسلام، تنأى عن مواطن الخلاف والجدال، وتركز على الأرضية المشتركة لأبناء الأمة.

هل عزّ على المسلمين أن يحققوا لنا ذلك الحلم؟

يا قوم إننا لا نتحدث عن مشروع للتسلية والترفيه، إنه العمل الذي سيصنع في ألف رجل ما لا يفعله قول ألف رجل لرجل، نتحدث عن تربية أجيال في عقر دارها أمام الشاشات، نتكلم عن إخراج جيل جديد تقوم على أكتافه نهضة الأمة، إنه قول جد ما هو بالهزل، فمن أنصاري إلى الله؟

وأين أموال المسلمين من المنابر الإعلامية المحافظة غير المسيسة؟

لماذا نرى كل المنابر الإعلامية تعبر عن سياسات الحكومات؟ ومضامينها لا تتعدى كونها رأس حربة في الصراعات السياسية؟

هل نتجاوز سقف الواقع إن حلمنا بمنبر إعلامي ينطلق من المبادئ الإسلامية العامة، وبعيدا عن السياسة المكيافيللية، يطرح مواده في شفافية وموضوعية بعيدا عن حسابات المصالح السياسية.

لا أطالب بمؤسسة إعلامية صدامية مع الأنظمة، بل تقدم للناس ما ينمي وعيهم ويوقفهم على حقائق ما يدور في العالم.

وأعلم أن هناك من سيقول إن الحيادية في الإعلام كذبة، وأنا أوافقه الرأي، وماذا علينا لو كان لنا منابر إعلامية منحازة لقضايا الأمة، هذا حق مشروع لنا لا ريب، لكنها تختلف من حيث أنها ليست بوقا لدولة بعينها، بل هي بوق للأمة بأسرها، تتجنب الخصومات السياسية بين الدول الإسلامية والعربية، وتركز على الصراع السياسي والفكري مع أعداء الأمة الأصليين.

أيها المسلمون، إنما المال مال الله، وأنتم مستخلفون عليه، وإنكم سوف تُخلّفونه من وراء ظهوركم لورثتكم، بيْد أنكم ستحاسبون عليه، فانظروا أين تضعون مال الله، فإنكم عما قريب ستدخلون قبوركم وليس معكم من متاع الدنيا شيء.

تلك أحلام مشروعة، ويا لها من أحلام.. لو أن لها رجالا.. فمن أنصاري إلى الله؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق