الثلاثاء، 27 فبراير 2024

مدرسة غزَّة!

 مدرسة غزَّة!

أدهم شرقاوي



غزَّة اليوم أكبر من مدينة، إنَّها أُستاذة العالم، والكلُّ يطوي رُكبتيه في حضرتها ليتعلَّم منها! 

غزّة علَّمتِ العَالمَ أنَّ من يُرِيدُ يستطيع، وأنَّ الأمر لا يتعلق بالإمكانيّات وإنما بالإرادة، فمتى ما وُجِدتْ تحقّقت المعجزات!

غزّة علَّمتِ العَالمَ أن الشدَّة تُربِّي، والأيام الصعبة تصقُل، والأطفالُ يكبرون قبل أوانهم، فقد سمعنا منهم أقوال الرجال الخارجة من أجسادهم الغضّة الطريّة! والنِّساءُ يمكن أن يُصبحنَ خنساواتٍ يُشبهنَ الصحابيات صبراً وفداءً وتقديماً لله! والرِّجال حين تطحنهم الأيام يصبحون جبالاً، من ذا يستطيع أن يهدم جبلا!

غزّة علَّمتِ العَالمَ أن لا ينخدعَ بعد اليوم بهذا الغرب الكاذب الذي يُنادي بحقوق الطفل ويُصفِّقُ لقتلِ أطفالها! وأن لا ينتشي فرحاً بشعارات تحرير المرأة البرّاقة فهم لم يُدافعُوا عن حقِّ نساء غزَّة في الحياة! الغربُ الموجوع والمكلوم على حقوق النّساء في أفغانستان هو الذي يستخدم حقّ النقض الفيتو ضد إيقاف قتل نساء غزَّة! غزّة التي علّمتنا أنّ كل هذه أقنعة ليهدموا الأُسرة عندنا، فهي آخر قلاعنا!

‏غزّة علَّمتِ العَالمَ أن الجنود الحقيقيين يتخرجون من سورة الأنفال، ومن حلقات تحفيظ القرآن الكريم، لا من الكليات الحربية! بثَّتْ صورَ جنودها بلا بدلات أنيقة، ولا نجوم على الأكتاف، ولا نياشين على الصدور، ولكنهم جنرالات!

غزّة علَّمتَ العَالمَ أن هذا الكوكب غابة لا يُحترم فيها إلا القوي، فالمغول الجُدُد لم يردعهم مجلس الأمن، ولا هيئة الأمم، ولا ميثاق حقوق الإنسان، لقد ردعتهم قذائف الياسين، اللغة الوحيدة التي يستمعون إليها ويفهمونها جيداً!

‏غزّة علَّمتِ العالمَ أن السُمَّ يمكن دسُّه في العسل، أولئك الذين أساؤوا لنبيّنا صلى الله عليه وسلم بحجة حرية التعبير قيدوا حساباتنا، وحذفوا منشوراتنا حين عبَّرنا عن آرائنا ونحن ندافع عنها! وأولئك الذين دعونا إلى دين واحد إنساني شفيق ورحيم، لمَّا رأوها تُذبح خلعوا إنسانيتهم، واستدلوا على ضرورة قتلها بالتلمود ومُحرَّف الإنجيل! فصرنا الآن نردِّد بصوت أعلى: لكم دينكم ولي دين!

‏غزّة علَّمتِ العَالمَ أن في صدور الرجال أُسوداً رابضة، وأنه متى ما تهيأت لها الظروف أعادتْ أمجاد الصحابة.. فشكرا لسْعدٍ عند الراجمة، أبدع في رميه - بأبي هو وأمي- وشكرا لقوات النُّخبة على ما رأينا من بسالتها، ذكّرتْنا -والله- بيوم أُحد إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ رجلٌ يبيع لنا نفسه؟

فوثب زياد بن السَّكن فباعها!

غزَة علَّمتِ العَالمَ أن هذه الأمّة تحيا بالدماء.. كنّا ننظر في هذه الملايين الغفيرة تروح وتجيء ولكن ثمّة روح تنقصها، ثم جاء دمُ غزَّة فنفخ فيها الروح! والآن من ورائها أمّة تغلي رغم أنها مخنوقة، ومارد مقيَّد اقتربَ أوان فكاكه!‏

‏شكراً غزّة علَّمتِ العَالمَ أن الأزمات تُسقِط الأقنعة، وتكشف الوجوه على حقيقتها، فكم من كتف حسبناه صالحا للاتكاء فإذا هو هشٌّ! وكم من شجاع في كلامه صار جبانا لا فعل له! وكم من عالِم حسبناه ربّانيًّا فإذا هو يُباع ويُشترى!

‏أرادتْها غزَّة معركة، وأرادها الله فاضحةً ومنقِّيةً للصفوف، فما هي الآن إلا جولة تساقط فيها كثيرون، وهذا أفضل من أن ينْسلُّوا من بين أظهُرِنا إذا ما حانت المعركة الحاسمة!

غزَّة علَّمتَ العَالمَ أبلغَ درسٍ في التَّاريخ المعاصر، علَّمته أنَّ هناك إسلاما قادما سيقلبُ الدُّنيا رأساً على عقب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق