أهلاً بكم في دولة البلطجة!
شريف عبدالغني
عصر الأحد 6 أكتوبر الماضي، بينما كان المشهد طبلا وزمرا ورقصا وتحرشا وتقبيل بيادات في ميدان التحرير، احتفالا بالعبور العظيم، كان الأمر مختلفا في شوارع حي «الدقي». الرقص كان موجودا لكنه رقص الرصاص الذي انهمر على المتظاهرين. يومها مرت المظاهرة من أمامنا.حشود لا تنتهي من البشر. شباب وبنات في عمر الزهور. رجال محترمون ونساء فضليات.
إنهم أشرف مَن في مصر. الوقت يمضي والطوفان لا ينتهي والهتافات تهز السماء. مع مرور الوجوه على ناظريك تفخر أنك مصري. ربما هم مصدر الفخر الوحيد لنا في هذه الأيام السوداء. اقترح عليّ زميل أن نحدد زمن المسيرة.
استمرت 55 دقيقة كاملة حتى غابت عن أنظارنا. بعد دقائق سمعنا الرصاص يلعلع في السماء. الأمن اعترض المسيرة في شارع التحرير..
ممنوع المرور يا إرهابيين إلى ميدان الثورة. «25 يناير» الله يرحمها». «30 يونيو» هي رمز التحرير حاليا ومستقبلا وكل وقت وحين.
تفرق من نزلوا طلبا للحرية بين الشوارع الجانبية. لكن كان في انتظارهم «البلطجية». من يمسكون به مصيره المحتوم: الموت أو الضرب المبرح ثم تسليمه للشرطة.
تفرق من نزلوا طلبا للحرية بين الشوارع الجانبية. لكن كان في انتظارهم «البلطجية». من يمسكون به مصيره المحتوم: الموت أو الضرب المبرح ثم تسليمه للشرطة.
الشارع سيطر عليه خريجو السجون وكلاب البشر الذين تحركهم وتستخدمهم الشرطة. أحدهم يحمل سلاحا آليا ومن حوله مسلحون بالسيوف. كنا نرقب المشهد من النافذة دون أن يستطيع أحد النزول. من يملك قوة مواجهة هذا الفريق؟! حضروا بصحبة مدرعتي شرطة. أحدهم يشير لقائد إحدى المدرعتين: «خش من هنا يا باشا». كان يوجههم نحو شوارع المتظاهرين.
من بعيد رأيناهم يأتون بشاب من شارع جانبي، والدماء تنهمر منه. ألقوه على الأرض. بعدها ركنوه تحت شجرة جثة هامدة. ثم أمسكوا بآخر، وتقدم نحوه أحدهم وبيده «شومة» ليضربه على رأسه. لم أستطع تحمل المنظر. ابتعدت قبل أن أرى هذه البشاعة. قال لي أحد الزملاء إن بلطجيا طعن الشاب المسكين بـ «سنجة». من ينزل إلى الشارع ليفعل أي شيء سيكون هذا مصيره.
ألهذه الدرجة وصل عجزنا عن الفعل؟! أبرياء يموتون أمامك ولا تستطيع إنقاذهم. هكذا حولونا في مصر إلى أشباه بشر بلا قيمة. روى بعض من في الشارع من أصحاب المحال أن نحو 20 متظاهرا قتلوا بنفس الطريقة.
لا تظن أن البلطجية بعيدون عنك. إذا هربت منهم اليوم سيلاحقونك غدا. فعلوها معي ثاني أيام عيد الفطر الأربعاء الماضي. ذهبت بأسرتي من القاهرة إلى قريتنا ليقضوا يومين هناك. جلست 5 دقائق فقط، ثم عدت مسرعا للعاصمة لظروف العمل. في الطريق الزراعي جاءني اتصال هاتفي. ركنت على جانب الطريق لأرد. فجأة وجدت «موتوسيكل» ينزل منه شابان في العشرين من العمر. أحدهما جاء من نافذة الباب الأيسر حيث أجلس، والثاني من نافذة الباب الأيمن. ذهلت من الموقف. شلّ تفكيري لما رأيت كلا منهما يفتح مطواة قرن غزال. من كان على يساري ملامحه قاسية. سحنته وما بها من ندبات تدل على مشروع مجرم.
سألني: «انت منين». أجبته. ثم قال: طلع اللي معاك من السُكات.
في لحظة تذكرت سائق ميكروباص من قريتنا، خرجوا عليه في موقف مماثل. طلبوا منه ينزل من السيارة وتركها. لما رفض ذبحوه وألقوه في الطريق وفروا بالسيارة.
استسلمت. أخرجت كل ما في جيبي من نقود. الثاني فتح «تابلوه» السيارة، وجد ساعة ثمينة. هي معي من 15 سنة وتحمل قيمة معنوية كبيرة عندي. أخذها طبعا. تذكرت أن ابني مصطفى يحبها جدا ويأخذها يلعب بها حينما يكون معي في السيارة، ثم يضعها في «التابلوه» حتى تنام حسبما يعتقد.
لم يتبق من الغنيمة سوى «الآي فون». كان أكثر ما أخاف عليه. فيه أرقام مصادر وزملاء وصور أولادي وأشياء كثيرة تخصني. بمجرد ما رفضت طلبهما حتى أمر أحدهما الآخر «اضربه وخد التلفون عشان نخلص». لم أجد مهربا. أعطيتهما الهاتف. لم يكتفيا. شدّ الواقف على يساري مفتاح السيارة وأخذه ثم انطلقا بالموتوسيكل. نزلت من السيارة غير مستوعب ما حدث. أفقت لنفسي واستوقفت «توك توك». استأذنت صاحبه في الاتصال من تلفون. كلمت بعض الأقارب لإنقاذي فقد خشيت أن يعود البلطجية مرة أخرى لسرقة السيارة بصحبة من يستطيع قيادتها خصوصا وأن المفتاح معهما.
حضر بعض أقاربي. ظلوا بجانب السيارة. ذهبت أنا إلى منزلي بالقاهرة، لأحضر مفتاح السيارة الاحتياطي. أكثر من 3 ساعات ذهابا وعودة، حدث خلالها ما توقعته، حضر البلطجية بصحبة ثالث لسرقة السيارة، لكنهم تراجعوا بعدما وجدوا أقاربي أمام السيارة بعكسي أنا، فقد كنت صيدا ثمينا داخلها.
من بعيد رأيناهم يأتون بشاب من شارع جانبي، والدماء تنهمر منه. ألقوه على الأرض. بعدها ركنوه تحت شجرة جثة هامدة. ثم أمسكوا بآخر، وتقدم نحوه أحدهم وبيده «شومة» ليضربه على رأسه. لم أستطع تحمل المنظر. ابتعدت قبل أن أرى هذه البشاعة. قال لي أحد الزملاء إن بلطجيا طعن الشاب المسكين بـ «سنجة». من ينزل إلى الشارع ليفعل أي شيء سيكون هذا مصيره.
ألهذه الدرجة وصل عجزنا عن الفعل؟! أبرياء يموتون أمامك ولا تستطيع إنقاذهم. هكذا حولونا في مصر إلى أشباه بشر بلا قيمة. روى بعض من في الشارع من أصحاب المحال أن نحو 20 متظاهرا قتلوا بنفس الطريقة.
لا تظن أن البلطجية بعيدون عنك. إذا هربت منهم اليوم سيلاحقونك غدا. فعلوها معي ثاني أيام عيد الفطر الأربعاء الماضي. ذهبت بأسرتي من القاهرة إلى قريتنا ليقضوا يومين هناك. جلست 5 دقائق فقط، ثم عدت مسرعا للعاصمة لظروف العمل. في الطريق الزراعي جاءني اتصال هاتفي. ركنت على جانب الطريق لأرد. فجأة وجدت «موتوسيكل» ينزل منه شابان في العشرين من العمر. أحدهما جاء من نافذة الباب الأيسر حيث أجلس، والثاني من نافذة الباب الأيمن. ذهلت من الموقف. شلّ تفكيري لما رأيت كلا منهما يفتح مطواة قرن غزال. من كان على يساري ملامحه قاسية. سحنته وما بها من ندبات تدل على مشروع مجرم.
سألني: «انت منين». أجبته. ثم قال: طلع اللي معاك من السُكات.
في لحظة تذكرت سائق ميكروباص من قريتنا، خرجوا عليه في موقف مماثل. طلبوا منه ينزل من السيارة وتركها. لما رفض ذبحوه وألقوه في الطريق وفروا بالسيارة.
استسلمت. أخرجت كل ما في جيبي من نقود. الثاني فتح «تابلوه» السيارة، وجد ساعة ثمينة. هي معي من 15 سنة وتحمل قيمة معنوية كبيرة عندي. أخذها طبعا. تذكرت أن ابني مصطفى يحبها جدا ويأخذها يلعب بها حينما يكون معي في السيارة، ثم يضعها في «التابلوه» حتى تنام حسبما يعتقد.
لم يتبق من الغنيمة سوى «الآي فون». كان أكثر ما أخاف عليه. فيه أرقام مصادر وزملاء وصور أولادي وأشياء كثيرة تخصني. بمجرد ما رفضت طلبهما حتى أمر أحدهما الآخر «اضربه وخد التلفون عشان نخلص». لم أجد مهربا. أعطيتهما الهاتف. لم يكتفيا. شدّ الواقف على يساري مفتاح السيارة وأخذه ثم انطلقا بالموتوسيكل. نزلت من السيارة غير مستوعب ما حدث. أفقت لنفسي واستوقفت «توك توك». استأذنت صاحبه في الاتصال من تلفون. كلمت بعض الأقارب لإنقاذي فقد خشيت أن يعود البلطجية مرة أخرى لسرقة السيارة بصحبة من يستطيع قيادتها خصوصا وأن المفتاح معهما.
حضر بعض أقاربي. ظلوا بجانب السيارة. ذهبت أنا إلى منزلي بالقاهرة، لأحضر مفتاح السيارة الاحتياطي. أكثر من 3 ساعات ذهابا وعودة، حدث خلالها ما توقعته، حضر البلطجية بصحبة ثالث لسرقة السيارة، لكنهم تراجعوا بعدما وجدوا أقاربي أمام السيارة بعكسي أنا، فقد كنت صيدا ثمينا داخلها.
المفارقة أن سيارة شرطة مرت على الأقارب. سألوهم عن سبب وجودهم هكذا. حكوا للشرطة الأمر، فقال لهما الضابط: «شدوا حيلكوا.. لو شفتوا العيال دول قطعوهم». قالها ثم انصرف، وكأن القبض على الخارجين عن القانون ليست شغلته!
انتهت الأزمة لكن بقي الجرح النفسي صعبا على الاندمال. أن تشعر بالعجز لعدم استطاعتك الدفاع عن ذاتك. أن تؤنب نفسك كونك لم تنفذ ما جاء في الحديث الشريف وتدافع عن مالك ضد أي معتد، فلو قتلت تكون شهيدا ولو قتلته يكون في النار.
رغم كل شيء، أنا أعذر البلطجية. من حقهم أن يبرطعوا في الأرض».
انتهت الأزمة لكن بقي الجرح النفسي صعبا على الاندمال. أن تشعر بالعجز لعدم استطاعتك الدفاع عن ذاتك. أن تؤنب نفسك كونك لم تنفذ ما جاء في الحديث الشريف وتدافع عن مالك ضد أي معتد، فلو قتلت تكون شهيدا ولو قتلته يكون في النار.
رغم كل شيء، أنا أعذر البلطجية. من حقهم أن يبرطعوا في الأرض».
مصر الجديدة «تحتفي بأمثالهم وتضعهم في ننّ العين. تستعين بهم لمواجهة «القلة المندسة». الإعلام خلع عليهم لقب الأهالي، بينما البيانات الرسمية تدلعهم بـ «المواطنين الشرفاء».
من كثرة عددهم تظن أن مصر كلها أصبحت «شريفة» و«عفيفة»!
من كثرة عددهم تظن أن مصر كلها أصبحت «شريفة» و«عفيفة»!
شريف عبدالغني
shrief.abdelghany@gmail.com
http://twitter.com/shrief_ghany
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق