روائع الرسائل ..
تابع الخلفاء الراشدون أمراء جندهم وعمالهم على الأمصار، وكتبوا إليهم يحثونهم على تقوى الله، والجهاد في سبيله، والعدل في الرعية وحماية الثغور.
روائع رسائل الخلفاء الراشدين
لمَّا مَرِضَ رسول الله مرضه الذي تُوُفِّيَ فيه قال: "أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ"[1]. فقُبِضَ رسول الله وأسامة بالجُرْفِ[2]، فكتب أسامة إلى أبي بكر:
"إنَّه قد حدث أعظم الحدث، وما أرى العرب إلاَّ ستكفر، ومعي وجوه أصحاب رسول الله وحدهم، فإن رأيتَ أن نقيم". فكتب إليه أبو بكر فقال:
"ما كنتُ لأستفتح بشيء أوَّل من ردٍّ أمر رسول الله ، ولأنْ تَخْطِفَني الطيرُ أحبُّ إليَّ من ذلك، ولكن إنْ رأيتَ أنْ تأذن لعمر فأذن له". ومضى أسامة لوجهه[3].
رسالة أبي بكر الصديق إلى خالد بن الوليد
لما فرغ خالد من أمر اليمامة، كتب إليه أبو بكر الصديق ، وخالد مقيم باليمامة أنْ: "سِرْ إلى العراق حتَّى تدخلها، وابدأ بفرج الهند، وهي الأُبُلَّة[4]، وتألَّف أهل فارس، ومَن كان في ملكهم من الأمم"[5].
رسالة أبي بكر الصديق إلى أهل اليمن
"بسم الله الرحمن الرحيم، من خليفة رسول الله إلى مَن قُرِئَ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن، سلام عليكم، فإنِّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أمَّا بَعْدُ، فإنَّ الله كتب على المؤمنين الجهاد، وأمرهم أن ينفروا خفافًا وثقالاً، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والجهاد فريضة مفروضة، والثواب عند الله عظيم.
وقد استنفرنا المسلمين إلى جهاد الروم بالشام، وقد سارعوا إلى ذلك، وقد حَسُنَتْ في ذلك نيَّتهم، وعَظُمت حسنتهم، فسارعوا عبادَ الله إلى ما سارعوا إليه، ولتحسن نيتكم فيه، فإنَّكم إلى إحدى الحُسْنَيَيْنِ: إمَّا الشهادة، وإما الفتح والغنيمة، فإنَّ الله لم يرضَ من عباده بالقول دون العمل، ولا يزال الجهاد لأهل عداوته حتى يدينوا بدين الحقِّ، ويُقِرُّوا بحكم الكتاب، حفظ الله لكم دينكم، وهدى قلوبكم، وزكَّى أعمالكم، ورزقكم أجر المجاهدين الصابرين"[6].
رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى بعض عماله
"خذ الصدقة من المسلمين طُهْرة لأعمالهم، وزكاة لأموالهم، وحُكْمًا من أحكام الله، العداءُ فيها حَيْف[7] وظلم للمسلمين، والتقصير عنها مداهنة[8] في الحقِّ وخيانة للأمانة، فَادْعُ الناس بأموالهم إلى أرفق المجامع وأقربها إلى مصالحهم، ولا تحبس الناس أوَّلهم لآخرهم، فإنَّ الرجن[9] للماشية عليها شديد لها مُهْلِك، ولا تَسُقْهَا مَسَاقًا يَبْعُدُ بها الكلأ وردها، فإذا أوقف الرجل عليك غنمه فلا تُعْتَمْ[10] من غنمه، ولا تأخذ من أدناها.
وخذ الصدقة من أوسطها، ولا تأخذ من رَجُلٍ إنْ لم تجد في إبله السنَّ التي عليه إلاَّ تلك السن من شَرْوَى[11] إبله، أو قيمة عَدْلٍ، وانظر ذوات الدرِّ[12] والمخاض[13] ممَّا تجب منه الصدقة، فتنكَّب[14] عنها عن مصالح المسلمين؛ فإنها ثِمَال[15] حاضرهم، وزاد مغربهم أو معديهم، وذخيرة زمانهم، ثم اقسم للفقراء، وابدأ بضعفة[16] المسكنة، والأيتام، والأرامل، والشيوخ، فمَنِ اجتمع لك من المساكين فكانوا أهل بيت يتعاقبون ويتحاملون فاقسم لهم ما كان من الإبل يتعاقبوه حملهم، وإن كان من الغنم امنحهم، ومَن كان فذًّا فلا تنقص كل خمسة منهم من فريضة أو عشر شيئًا إلى خمس عشرة من الغنم"[17].
رسالة عمر بن الخطاب إلى عامله أبي موسى الأشعري
"بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين، إلى عبد الله بن قيس ( أبي موسى الأشعري)، سلام عليك، أمَّا بَعْدُ، فإنَّ القضاء فريضة محكمة وسُنَّة مُتَّبَعة، فافهم إذا أُدْلِيَ إليك، فإنَّه لا ينفع تكلُّم بحقٍّ لا نَفَاذَ له، آسِ بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك؛ حتى لا يطمع شريف في حَيْفِك، ولا يخاف ضعيف جَوْرَك، البيِّنَة على مَنِ ادَّعى، واليمين على من أنكر، الصلح جائز بين المسلمين إلاَّ صلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالاً، لا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس راجعتَ فيه نفسك وهُدِيتَ فيه لرشدك أنْ تُرَاجع الحقَّ، فإنَّ الحقَّ قديم، وإنَّ الحقَّ لا يبطله شيء، ومراجعة الحقِّ خير من التمادي في الباطل.
الفهمَ الفهمَ فيما يختلج في صدرك مما يبلغك في القرآن والسنة، اعرف الأمثال والأشباه ثُمَّ قِسِ الأمور عند ذلك، فاعْمِد إلى أحبِّها إلى الله وأشبهها بالحقِّ فيما ترى، واجعل للمدَّعي أمدًا ينتهي إليه، فإنْ أحضر بيِّنَة وإلاَّ وجَّهت عليه القضاء، فإنَّ ذلك أجلى للعمى، وأبلغ في العذر، المسلمون عدول بينهم، بعضهم على بعض، إلاَّ مجلودًا في حدٍّ أو مجرَّبًا في شهادة زور، أو ظَنِينًا[18] في ولاء أو قرابة، فإنَّ الله تولَّى منكم السرائر، ودرأ عنكم بالبيِّنات، ثم إيَّاك والضجر والقلق، والتأذي بالناس، والتنكر للخصوم في مواطن الحقِّ التي يُوجِبُ الله بها الأجر، ويحسن بها الذكر، فإنه مَن يُخْلِص نيَّته فيما بينه وبين الله يُكْفِه الله ما بينه وبين الناس، ومَن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شانه الله"[19].
رسالة أمير المؤمنين عثمان بن عفان إلى عماله
كان أوَّل كتاب كتبه عثمان بن عفان إلى عمَّاله:
"أمَّا بَعْدُ، فإنَّ الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدَّم إليهم أن يكونوا جُبَاة[20]، وإنَّ صدر هذه الأُمَّة خُلِقُوا رُعَاة، ولم يُخْلَقُوا جُبَاة، ولَيُوشِكَنَّ أئمتكم أنْ يصيروا جُبَاة ولا يكونوا رعاة، فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء، أَلاَ وإنَّ أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين وفيما عليهم، فتعطوهم مالهم وتأخذوهم بما عليهم، ثم تُثَنُّوا بالذِّمَّة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم، ثم العدوَّ الذي تنتابون فاستفتحوا عليهم بالوفاء"[21].
رسالة أمير المؤمنين عثمان بن عفان لعامة الرعية
"أمَّا بَعْدُ، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتِّباع، فلا تلفتنَّكم الدنيا عن أمركم، فإنَّ أمر هذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن، فإنَّ رسول الله قال: "الْكُفْرُ فِي الْعُجْمَةِ". فإذا استعجم عليهم أمر تكلَّفوا وابتدعوا"[22].
رسالة علي بن أبي طالب لعامة المسلمين عند استخلافه
أرسل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لعامَّة المسلمين عند استخلافه، قائلاً:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عليٍّ أمير المؤمنين إلى مَن بلغه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.
أمَّا بَعْدُ، فإنَّ الله بحُسْنِ صُنْعِه وتقديره وتدبيره اختار الإسلام دينًا لنفسه وملائكته ورسله، وبعث به الرُّسل عليهم السلام إلى عباده، وخصَّ به مَن انْتَخَب مِن خَلْقِه، فكان ممَّا أكرم الله به هذه الأُمَّة، وخصَّهم به من الفضيلة أنْ بعث إليهم محمدًا ، فعلَّمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسُّنَّة، لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرَّقوا، وزكَّاهم لكيما يتطهُّروا، ورفَّههم لكيما لا يجوروا، فلمَّا قضى من ذلك ما عليه قبضه الله صلوات الله عليه ورحمته وبركاته.
ثم إنَّ المسلمين استخلفوا به أميرين صالحين، عَمِلا بالكتاب والسُّنَّة، وأَحْسَنَا السيرة، ولم يَعْدُوا السُّنَّة، ثم توفَّاهما الله ، ثم وُلِّيَ بعدهما والٍ فأحدث أحداثًا، فوجدت الأُمَّة عليه مقالاً فقالوا، ثم نَقِمُوا عليه فغيَّروا، ثم جاءوني فبايعوني، فأستهدي الله بالهدى، وأستعينه على التقوى، ألا وإنَّ لكم علينا العملَ بكتاب الله وسُنَّة رسوله ، والقيام عليكم بحقِّه والتنفيذ لسُنَّته، والنُّصح لكم بالغيب، والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وقد بعثت إليكم قيس بن سعد بن عُبَادة أميرًا، فوازروه[23] وكانفوه[24]، وأعينوه على الحقِّ، وقد أَمَرْتُه بالإحسان إلى محسنكم، والشدَّة على مريبكم[25]، والرِّفق بعوامِّكم وخواصِّكم، وهو ممَّن أرضى هديَه، وأرجو صلاحه ونصيحته. أسأل الله لنا ولكم عملاً زاكيًّا، وثوابًا جزيلاً، ورحمة واسعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"[26].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق