نهب «الديمقراطية»!
د. مولاي المصطفى البرجاوي
في العصر الحديث صرح رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل قائلاً: الديمقراطية هي أسوأ نظام ما لم يطبّق على الجميع.. ولعل هذا المبدأ أنصع مقال في حق التجربة المصرية التي أعقبت الثورة التي أطاحت بأعتى نظام ديكتاتوري يخدم الكيان الصهيوني، وخلالها أفرزت نتائج انتخاباتها الرئاسية فوز مرشح الإخوان المسلمين، الدكتور محمد مرسي.
لكن منذ تلك اللحظة وثقافة الاعتراض - وليس المعارضة البنّاءة - هي السائدة في المشهد السياسي المصري الذي حمل لواءها مدمر العراق - البرادعي - بدعوى القضاء على أسلحة الدمار الشامل، والجيش الذي انقلب على الشرعية، وبعض الدول العربية، والكيان الصهيوني، والأزهر البوق الداعم للنظام الفاسد.
ويؤكد ذلك ما جاء في افتتاحية جريدة «الغارديان» البريطانية التي كتبت: «إذا كان للانقلاب الذي حدث ضد الرئيس المنتخب من رمزية واحدة، فإنه صار واضحاً للعيان في أي خندق يقف كل طرف: الليبراليون والوطنيون ورئيس الكنيسة والأزهر إلى جانب دولة مصر العميقة التي لم تشهد أي إصلاح، وربما أنها غير قابلة للإصلاح، وفي المقابل هناك حركة الإخوان المسلمين المطاح بها وهي تدافع عن الديمقراطية الدستورية.. لقد صار الإخوان ضحايا الأمن والعسكر...».
وقد يكون للتدبير السياسي للإخوان أخطاء، لكن من أسهم بشكل كبير في تأزيم وإفشال مشروعهم السياسي هم متزعّمو ”المسرحية الديمقراطية البهلوانية” التي تتكون من أطراف متعددة ومتكاملة الأركان:
أولاً: الكيان الصهيوني: أما الموقف الصهيوني فتمثل في صحيفة ”معاريف” التي ذكرت أن انتخاب مرسي زاد الإنفاق الأمني الصهيوني خمسة مليارات دولار كدفعة أولى.
كما أشاد ”تسفي مزال”، سفير الكيان الصهيوني الأسبق في القاهرة، بالدول العربية التي رفضت مساعدة مصر اقتصادياً لإفشال مرسي. وفي نفس الشأن قالت الإذاعة الصهيونية إن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أجرى اتصالات شخصية بعدد كبير من قادة الكونغرس لتأمين دعم أمريكي غير متحفظ للانقلاب على مرسي ومساندة العسكر.
ثانياً: الدول العربية: التي رفضت – كما جاء على لسان سفير الكيان الصهيوني في القاهرة - مساعدة مصر اقتصادياً؛ سعياً منها لإفشال تجربة الإسلاميين في الحكم من أجل بيان فشلها الذريع، ليتوهم الرأي العام العربي الإسلامي أنها لا تصلح للتدبير السياسي، بل الأكثر من ذلك ضربها في العمق لئلا تنتقل عدوى الثورات إليها!
ثالثاً: النظام البائد: إذ إن المناطق الحساسة من الجيش والقضاء والمخابرات والأزهر؛ هي أركان أساسية في منظومة نظام حسني مبارك، الذي أسهم في دعم ما يسمى ”جبهة الإنقاذ”، التي تحولت بعد فشلها في الانتخابات الرئاسية إلى الاستعانة بالفلول من أجل إسقاط شرعية الدكتور محمد مرسي.
رابعاً: الغرب: رغم تبجّحه بالديمقراطية، إلا أنه يعمل حريصاً على ضمان أمن ”إسرائيل”، وقد تم اختبار التجربة الديمقراطية في مصر بقيادة الإخوان إبان العدوان على غزة، فتبيّن له بالملموس أن الديمقراطية لا تصلح لبلد مجاور ”للطفل المدلل للولايات المتحدة الأمريكية” (الكيان الصهيوني)، لهذا استخدم أجهزته المتنوعة من أجل إجهاض هذه التجربة في مهدها، بل التجارب الإسلامية في البلدان التي شهدت الثورات العربية.
خامساً: الإعلام: شنت القنوات الإعلامية التي تناسلت كالفطر على القمر الاصطناعي ”نايل سات”، حملة شعواء على نظام الدكتور محمد مرسي، والتي كان لها بالفعل الأثر الكبير على المجتمع المصري الأمي.. يقول أحد المفكرين اليهود: «في عهد الميركانتيلية من يملك الذهب يملك العالم، وحالياً من يملك الإعلام يملك العالم».. وبعد التآمر عليه وعزله تم إغلاق القنوات الدينية (الناس، الرحمة، والحافظ...)؛ ليخلو الجو للانقلابيين والعلمانيين كي يمارسوا التعتيم على الرأي العام.
وعموماً، الديمقراطية من الآن فصاعداً أكذوبة يتاجر بها العلمانيون والديكتاتوريون والغرب إذا كانت تخدم مصالحهم، أما إذا كان العكس، خاصة إذا ما وصل الإسلاميون إلى الحكم عن طريق الانتخابات النزيهة - تحت الضغط طبعاً -؛ يتم استخدام كل الوسائل الظاهرة والباطنة لإفشال تجربتهم - الجزائر، والعراق، والسودان، ومصر حالياً -.
الديمقراطية - كما يقال - أصنام من حلوى يتسلى بها أصحابها ويبيعونها للناس عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإذا ما جاعوا أكلوها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق