الاثنين، 9 فبراير 2015

الثابت والمتغير في المشهد الإقليمي

الثابت والمتغير في المشهد الإقليمي

خليل العناني


تمر المنطقة العربية بتغيرات إقليمية، لا تخطئها العين، وقد تكون لها تداعيات جوهرية على الترتيبات المحلية والإقليمية، في الشهور المقبلة. وابتداءً، تجدر الإشارة إلى أننا نعيش منذ أكثر من أربع سنوات مرحلة، يمكن أن نسميها "اللانظام الإقليمي" Regional disorder.
وهي بدأت مع الموجة الأولى "للربيع العربي" التي قلبت المنطقة رأساً على عقب، وأعادت تشكيل ورسم أوزان القوى المحلية والإقليمية، على نحو غير مسبوق، ولا تزال تداعياتها قائمة.
أول هذه التغيرات ما يتعلق بالوضع في السعودية. وبدون مبالغة، يمكن القول إن السعودية تعيش، الآن، مرحلة استثنائية، ليس فقط داخليّاً، وإنما أيضاً خارجيّاً. فمن جهة، يحاول قاطن القصر الملكي الجديد تثبيت أركان حكمه، بشكل يضمن سيطرته على مفاصل الدولة، وضمان نفوذه، خصوصاً في ظل محاولات أطراف قديمة الإبقاء على أدواتها ونفوذها، بعد رحيل الملك عبدالله. ومن جهة ثانية، كشفت التغيرات التي أجراها الملك الجديد أنه لم يكن راضيّاً، بشكل أو بآخر، عن طريقة أداء المؤسسات السعودية، خصوصاً في ملفات خارجية حساسة، كالملف المصري، وملف العلاقة مع بعض دول الجوار، مثل قطر واليمن. ومن جهة ثالثة، من الواضح أن الملك الجديد يبدو أكثر انشغالاً بالداخل، وإعادة ترتيب أوراق الحكم، أكثر من
انشغاله بالملفات الخارجية، وهو أمر قد يبدو طبيعيّاً في ظل حجم التحديات والصعوبات التي قد تواجه المملكة، خصوصاً بعد الانخفاض المفاجئ لأسعار النفط، فضلاً عن التململ الداخلي من طريقة إدارة المواقف الخارجية للمملكة، طوال الأعوام الأخيرة. وتشي هذه التغيرات بأن المملكة قد تعود إلى سياستها القديمة التي تقوم على الحذر والاحتواء، بدلاً من التصعيد والمواجهة. كما أنها سوف تعيد ترتيب الأولويات التي سوف يستأثر الوضع الداخلي منها بالجزء الأكبر، يليه الوضع في اليمن، ثم إيران.
ثاني التغيرات ما يتعلق بالوضع فى اليمن، الذي سقط في بئر سحيقة من الانقسامات والخلافات، لن ينجو منها من دون تدخل إقليمي، وربما دولي.
 وتنبع خطورة الوضع في اليمن ليس فقط من تداعياته الإقليمية (إيران والسعودية، تعميق الصراع الطائفي، زيادة نشاط القاعدة)، وإنما أيضاً من إمكانية تفكك البلد فعليّاً إلى دويلات صغيرة، إحداها في الشمال، وأخرى في الجنوب، مثلما حدث في السودان، قبل سنوات قليلة.
 يؤكد الوضع في اليمن أن الدولة العربية فشلت فشلاً ذريعاً في احتواء ودمج مواطنيها وتوزيع مواردها بشكل عادل. وما حدث في اليمن قد ينتقل وفق نظرية "الدومينو" إلى مناطق وجماعات أخرى، في أكثر من بلد عربي، يعانون من التهميش والإقصاء.

أما ثالث التغيرات فيتعلق بفشل الثورة الإقليمية المضادة في تحقيق أهدافها، وأهمها إقصاء قوى الإسلام السياسي. فعلى الرغم من حملات القمع والتضييق والإقصاء والتشويه التي تعرض لها الإسلاميون، طوال العامين الماضيين، فإنهم لا يزالون موجودين ومؤثرين، ويمثلون رقماً صعباً فى المعادلات الداخلية والإقليمية. وربما تشهد الفترة المقبلة إعادة النظر في التعاطي مع ملف الإسلاميين لدى بعض الدول، كالسعودية والأردن.
فالأولى بحاجة للإسلاميين في اليمن (وخصوصاً التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على حركة الإخوان المسلمين)، من أجل التصدي للصعود الحوثي، ووقف التمدد الإيراني في فنائها الخلفي. كما أن الثانية بحاجة للإخوان، من أجل التصدي لتوحش "داعش" من جهة، وضمان التأييد الداخلي للنظام الأردني، من جهة أخرى، خصوصاً بعد أزمة معاذ الكساسبة التي هزّت العرش الملكي.

آخر المتغيرات هو الارتباط الشديد بين الداخل والخارج، وبين ما هو محلي وما هو إقليمي، في ظل حالة من التداخل والتشابك السياسي، لم تحدث من قبل في تاريخ المنطقة. فالصراعات المحلية باتت متقاطعة مع صراعات أخرى، إقليمية ومتداخلة معها. ولا يمكن فك الارتباط بين الاثنين، من دون تمثيل كل الأطراف في عملية التفاوض، كما الحال في اليمن وسورية وليبيا ومصر.

إذن، لم تعد هناك ثوابت في المشهد الإقليمي الذي تعصف به التحولات، بشكل لم يحدث منذ أكثر من نصف قرن. يصاحب هذه التغيرات تراجع أميركي واضح، ومخاوف من التورط في المنطقة، بما قد يؤدي إلى ارتداداتٍ، غير مضمونة العواقب على الوضع الداخلي فى أميركا.
ولعل إحدى نتائج حالة السيولة واللايقين في المنطقة العربية عدم وجود تحالفات دائمة، وإنما تكتيكية ومؤقتة.
وقد شهدنا ذلك في الفترة الماضية في أكثر من بلد، وهو ما يعني أن مزيداً من التحولات والتغيرات هي قيد التشكيل الآن، وقد تتضح نتائجها في الشهور المقبلة.

الثابت الوحيد، الآن، في المنطقة العربية هو عدم الاستقرار الذي يصل، أحياناً، إلى درجة الفوضى والتخبط. وأغلب الظن أن المنطقة ستظل كذلك فترة ليست قصيرة، وعلى الجميع الاستعداد لما هو قادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق