الأحد، 28 أغسطس 2016

الثورات تُعيد المستعمرين إلى بلادنا لحماية أدواتهم

الثورات تُعيد المستعمرين إلى بلادنا لحماية أدواتهم


د.فيصل القاسم

عندما نراجع شريط ذكريات الثورة السورية على مدى أكثر من خمس سنوات، تصبح الصورة أكثر وضوحا. ويصبح المشهد عاريا بلا رتوش. 
لقد سمعنا كثيرا في الماضي أن الاستعمار خرج من الباب، لكنه عاد من النافذة. ومازلنا نسمع أن الكثير من الأنظمة العربية الحاكمة ليست سوى واجهات إما للمستعمر القديم، أو للقوى الكبرى. 
وقد كان المفكر التونسي هشام جعيط قد وصف الكثير من الحكومات العربية بأنها ليست حكومات وطنية تمثل شعوبها أو تعمل من أجل بلادها، بل هي مجرد وكلاء لقوى خارجية في بلادها، فكما أن الشركات لها مندوبون ووكلاء عامون في كل بلدان العالم كشركات السيارات والساعات والكحول والألبسة، فإن القوى الكبرى لها وكلاء في بلادنا يسمونهم حكاما. 
لقد ظللنا نسمع عن هذه الأمور، وكنا نعتقد أنها مجرد فذلكات مثقفين ويساريين، لكن الثورة السورية أثبتت ذلك بشكل صارخ.

لقد كان النظام السوري تحديدا ينعت كل الدول العربية التي تعارضه بأنها مجرد توابع لأمريكا وأنها لا تمتلك قرارها، بل هي مجرد وكالات غربية. وقد ظننا لكثرة ما سمعنا الإعلام السوري وهو يقوم بتخوين العرب الآخرين واعتبارهم مجرد عملاء للغرب، ظننا أن النظام صاحب قراره، وأن القرار الوطني المستقل الوحيد الموجود في العالم العربي هو في سوريا فقط. 
لكن كما هو معروف فإن حبل الكذب قصير جدا مهما طال. 
لقد جاءت الثورة السورية لتكشف بما لا يدع مجالا للشك أن النظام السوري مثله مثل بقية الأنظمة مجرد وكيل، وهو لا يختلف أبدا عن الوكلاء التجاريين الذين ذكرهم هشام جعيط.

بدأت تبعية النظام لروسيا تظهر في السنوات الأولى من الثورة عبر الموقف الروسي في مجلس الأمن، فكلما كان هناك محاولة لإدانة النظام أو اتخاذ إجراءات معينة ضده عقابا له على ما يفعله بسوريا والسوريين، كانت روسيا ومعها الصين تلجأ فورا إلى استخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار دولي يستهدف النظام. 

طبعا كانت روسيا دائما تبرر استخدامها للفيتو لحماية النظام بأنها ضد التدخل الدولي في شؤون الدول، وأنها بذلك تحمي القانون الدولي بالدرجة الأولى، لكن مع مرور الأيام بدأنا نكتشف أن روسيا تحترم القانون الدولي كما تحترمه أمريكا تماما، فعندما يكون في مصلحتها ترفع من شأنه، وتعتمده وثيقة قانونية، وعندما يقف عائقا في طريق تحقيق مشاريعها تدوسه بأرجلها غير مأسوف عليه كما فعلت عندما غزت سوريا عسكريا. ما الفرق بين الغزو الأمريكي للعراق والغزو الروسي لسوريا؟

لم يكن استخدام الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي حماية للقانون الدولي أبدا، بل كان دفاعا مفضوحا عن محميتها السورية وعميلها في دمشق. كما تحمي أمريكا توابعها، فإن روسيا تحمي تابعها. 
لقد كان الفيتو الروسي المرحلة الأولى لحماية النظام، لكن عندما بدأت الأمور تفلت من يديها، وبدأ النظام يفقد قدرته على مواجهة الثوار، لم تعد تكتفي روسيا بالفيتو، بل كان لا بد من التدخل المباشر.
وقد بدأت تباشير التدخل المباشر عندما لعبت روسيا دور الوسيط بين النظام وأمريكا لتجريد سوريا من سلاحها الكيماوي الاستراتيجي. 
لقد كانت روسيا تعلم أنه لو بدأ الناتو بقصف النظام لربما خسرت روسيا مستعمرتها السورية إلى الأبد، فكان إذا لا بد من التوسط للحيلولة دون انهيار تابعها في دمشق.

وبعد ذلك حاولت روسيا تزويد النظام بكل أنواع السلاح والخبراء، لا بل إنها دعمت كل حلفائه كالإيرانيين وغيرهم عسكريا وسياسيا لحماية النظام، لكن ذلك لم يحم النظام، وعندما أصبح الثوار على تخوم الساحل السوري معقل النظام، سمعنا فجأة عن زيارة مفاجئة للرئيس السوري إلى موسكو. 
وقد بدأت مفاعيل تلك الزيارة تظهر بعد أسابيع عندما بدأت روسيا تغزو سوريا غزوا عسكريا حقيقيا، من خلال إقامة القواعد العسكرية المفضوحة في حميميم واستباحة كل الأجواء والأراضي السورية من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها.

إن ما يحصل في سوريا يذكرنا بفرق المصارعة تماما، فعندما ينهار مصارع يخرج من الحلبة، ويصعد محله مصارع جديد لمواجهة الخصم. 
لقد خرج النظام من الحلبة منذ زمن، وتحول جيشه إلى مجرد مليشيا تقاتل إلى جانب المليشيات الأجنبية التي استجلبها لحمايته، وعندما انهارت المليشيات الإيرانية وتوابعها، جاء دور روسيا المدير الحقيقي للعبة السورية لعلها تفوز بالجولة الأخيرة وتحسم الأمر لصالحها، فتدخلت، في الحلبة كما يتدخل المصارع عندما يجد أن شريكه قد انهزم. 

وقد صدق المعارض السوري المحسوب على النظام لؤي حسين عندما قال لجمهور النظام: إياكم أن تظنوا أنكم انتصرتم، فأنتم مجرد توابع. 
وأضاف حسين حرفيا: "من دون أدنى شك لم ينتصر النظام إطلاقا إلا ببقاء قياداته على كراسيهم. وهذا الأمر لا يحتاج لكبير جهد للتأكد منه. فالقوات العسكرية الضاربة في أغلب المناطق هي قوات غير سورية، هي "حلفاء الجيش السوري" كما يسميهم الإعلام الموالي.
النظام باع نفسه وقراره وأرضه وسماءه لأي غريب مستعد أن يحفظ لقياداته كراسيهم، حتى لو تحولت هذه الكراسي إلى كراسي كرتونية لا يحق لها إصدار أي قرار عسكري أو سيادي، ويبقى لها قرارات أسعار البندورة والفجل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق