الأربعاء، 3 أغسطس 2016

ألقاب ليبرالية في غير موضعها!


ألقاب ليبرالية في غير موضعها!



ماذا تحتاج لتكون ليبرالياً عربياً؟ 
الوصفة بسيطة وإن كانت مضحكة وشديدة الغرابة. 
صفّق للخط الرسمي أو من تشعر أنه محسوب عليه، وإن كنت تتمتع بفطنة أكبر، فكن ملكياً أكثر من الملك، واستبق القرارات الرسمية بما يبررها وقد يمهّد لإعلانها. 
لا تدافع عن حريات مدنية تتعرض للتقييد، بل كن جاهزاً، من أجل مصالحك الحزبية وحساباتك الإيديولوجية، للوقوف ضدّها.
 لا تكترث لشيء اسمه حقوق الإنسان في المشرق والمغرب إن كان هذا الإنسان ينتمي إلى الحضارة الإسلامية السنيّة، وافعل العكس تماماً إن كان ينتمي إلى أي ملّة أخرى بما في ذلك الشيعية والإيزيدية والهندوسية والبوذية، فضلاً عن اليهو-مسيحية. 
كن انقلابياً بامتياز على كل خيار شعبي ديموقراطي يأتي بإسلاميين سنّة إلى السلطة، واتخذ لذلك حججاً شتى: المزج بين الدين والسياسة، ادعاء «الحقيقة المطلقة»، الرؤية الأممية والطموح إلى إعادة الخلافة، خطر نشوء دولة دينية، تقسيم المجتمع واندلاع حرب أهلية، العدوان على الحريات الفردية والاجتماعية، الافتقار إلى البراغماتية في مقاربة القضايا السياسية المعقدة، إثارة النعرات الطائفية والعرقية-مجرد أمثلة لذرائع «ليبرالية» يُقصد منها الانقضاض على الحريّة التي أتت بما لا تشتهي سفن ذلك «الليبرالي» المتيّم بالحريّة!

في هذا السياق، يمكن فهم مواقف كتاب سعوديين (وعرب آخرين) من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. 
لقد وقفوا من قبل ضد تجربة حزب العدالة والتنمية بكل إنجازاتها الباهرة لمجرد أنها تستلهم الإسلام وتعتز بالموروث العثماني، وقد وجدوا في محاولة الانقلاب فرصة لطيّ صفحة الحزب ومحو مكتسباته، فأظهروا في البداية الحزن على فشله، أو صمتوا «والصمت علامة الرضا»، ثم طفقوا يتهمون الرئيس التركي، أردوغان، بتلفيق الانقلاب، ثم هاجموا الإجراءات الأمنية التي اتخذها لتطهير مؤسسات الدولة من العناصر الانقلابية أو «الكيان الموازي». 
ولمّا لم يستمع أحد إلى زعيقهم، شرعوا في ربط جماعة فتح الله غولن بالإخوان المسلمين.
هكذا كتب «الليبرالي» عبد الرحمن الراشد في جريدة «الشرق الأوسط»: « انقلابيو تركيا جماعة إخوانية...مسيّسة تشبه تنظيم الإخوان المسلمين العربي». 
يقول الراشد ذلك بلا حياء، بالرغم أنه طالما ردّد (وغيره من «الليبراليين») أن أردوغان إخواني، وطالما لاموه على رفض انقلاب صيف 2013 في مصر الذي أطاح بالرئيس الإخواني، مرسي، وعلى إيواء المضطهدين من جماعته بعد الانقلاب. 

ولا ننسى أن الليبرالي السعودي، والعربي عموماً، أيّد انقلاب السيسي في مصر، بل حرّض على المذابح التي ارتكبها لتثبيت حكمه، كل ذلك وهو يقدّم لنا مرافعات مملّة عن خطر الاستبداد، ومواعظ لا تنتهي عن فضيلة الحكم الرشيد (السعودي طارق الحميد، كتب إبّان كان محرراً لجريدة الشرق الأوسط، يهاجم الرئيس مرسي آنذاك لعجزه عن «فصل السلطات»)! 

آخر ما أبدعته «الليبرالية» السعودية هو التصفيق لزيارة مجموعة من المهرولين السعوديين للكيان الصهيوني، ووضع ذلك في سياق محاربة الخطر الإيراني، و «التطرف» الديني.
 وهكذا يصبح التماهي مع الصهيونية الكولونيالية ضرباً من الليبرالية.
 لا ننسى أن «»ليبراليين» سعوديين (وعرباً آخرين) هلّلوا للحروب الإسرائيلية على غزة بوصفها «دفاعاً عن النفس»، ووسيلة مشروعة للقضاء على «إمارة» إخوانية أو إسلامية في القطاع.

الليبرالية ليست درجة علمية من جامعة، ولا هِبَةً من دولة، إنها رؤية وممارسة. لا يمكن أن تشجع سحق الديموقراطية تحت أحذية العسكر وتزعم أنك ليبرالي.
لقب «الليبرالي» حينها لن يجعلك سوى أفّاك يستبطن الكذب والدجل.
المخاتلة اللفظية لن تمنحك الصورة التي تشتهيها لاسيما في عصر الوسائط الاجتماعية وصحافة المواطن التي وسّعت آفاق الجماهير، وجعلت الدعايات والشعارات لأول مرة في التاريخ تحت المجهر. الليبرالية في أدبيّاتها ليست معادية للدين، والليبرالي الحق هو ذلك الذي يؤمن بالحريّة حتى لخصومه، لكن «الليبراليين» في بلداننا مستعدون للذهاب إلى آخر مدى في خصومتهم مع الإسلاميين. لقد كانوا وما زالوا أحذية للطغاة. انقلابات العسكر فقط أكّدت ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق