الأحد، 28 أغسطس 2016

سيد قطب الصحوة الاسلامية … حسان الصحوة الأمنية


سيد قطب الصحوة الاسلامية … حسان الصحوة الأمنية

آيات عرابي

خمسون عاماً مرت على استشهاد الشيخ سيد قطب, خمسون عاماً مرت على تلك الصورة الباهتة للرجل وهو يخطو مهيباً نحو المشنقة والتي تبدو فيها السماء مكفهرة تلعن العسكر وتشتكي إلى ربها سفك دم الرجل لأنه قال ربي الله.

لم يكن سيد قطب رجلاً عادياً, ملامحه الهادئة لم تكن تكشف العواصف الفكرية التي تعتمل في داخله.
خطورة سيد قطب على العسكر والعلمانيين في نظري تنبع من أنه يمثل حالة قابلة للتكرار, لغم قابل للانفجار في أي لحظة, فالرجل تحول في امريكا من النقيض إلى النقيض, من رجل مؤمن بأفكار حزب الوفد (وهو حزب صنعه الاحتلال البريطاني وصنع أفكاره الليبرالية المتصالحة مع الاحتلال ليصبح بديلاً عن أي كيان اسلامي وهو ما يشبه نزع رصاصات المسدس ووضع رصاصات فشنك مكانها) إلى مؤمن بالخلافة ومصلح يرى الجاهلية التي يحاولون فرضها على المجتمع.
أن تكتشف ذاتك فجأة, من جملة من مشهد, من صورة, من حوار مع احدهم.
وإن كان الشهيد حسن البنا هو من أيقظ المسلمين في مصر ورصهم صفوفاً وحارب بهم الكيان الصهيوني ومثل أول تهديد حقيقي على مخططاتهم, فالشهيد سيد قطب كان أول من ضرب بمعوله صنم الدولة القومية بكتاباته.

قبل حسن البنا لم يكن امام المسلمين سوى حزب الوفد الذي صنعه الاحتلال البريطاني, فإذا بهم أمام واقع جديد تشكل في بضع سنين وتحول إلى جيش يحقق الانتصارات على العصابات الصهيونية في فلسطين, ثم جاء سيد قطب ليكشف بكتاباته المتعمقة أن انتكاسة المسلمين في فلسطين ونجاح النقراشي نسبياً في سحب الاخوان المسلمين من فلسطين واحتواءهم نسبياً عن طريق الاعتقالات وحل الجماعة, انما جاء نتيجة لبقاء تلك المؤسسات الصنمية التي اسسها الاحتلال في مصر.

كان الشهيد سيد قطب يمتلك بصيرة حادة, فتنبأ قبل انقلاب 2013, وقبل طلعات الطيران شبه اليومية التي تُحرق فيها منازل سيناء ويُقتل فيها المصريون هناك وقبل أن يتحول جيش النظام السوري إلى بندقية تُصوب نحو مسلمي سوريا, بأن هذه الجيوش ليست للدفاع عن المسلمين بل للدفاع عن اليهود وقتل المسلمين.

تنبه سيد قطب مبكراً إلى ضرورة إزالة ذلك الورم السرطاني حتى تتحرر مصر, وهو الدرس الذي استوعبه قبله صلاح الدين الأيوبي فعمل على تدمير وتفكيكه جيش العبيديين في مصر قبل أن يتجه لتحرير بيت المقدس.

حسن البنا كان الجراح الذي تحرك بمشرطه نحو الجزء الظاهر من الورم في فلسطين وسيد قطب كان الطبيب الذي شخص أصل الورم. الرجلان كانا ولا يزالا السيفين المتقاطعين الذين تحتاجهما الحركة الاسلامية الآن. التنظيمي والتنظيري, الحركي والفكري.
وبعد أن تمكن المقبور عبد الناصر (بتخطيط أمريكي صهيوني) من امتصاص قوة جماعة الإخوان المسلمين واكمل المقبور فيصل عملية الاحتواء وجعل من الخليج داراً للنقاهة لمن تبقى من جماعة الإخوان بعد المحارق التي ارتكبها المقبور عبد الناصر في حقهم, كانت أفكار الرجل قادرة على التأثير في الحركة الاسلامية, فكان لابد من تدشين جيل من الدعاة المُدجنين المصنوعين في مكاتب أمن الدولة وسلالم المخابرات, تم استيراد كتالوجهم من آل سعود ليعتلوا موجة الصحوة الاسلامية التي واكبت انتصارات المسلمين في افغانستان على الاحتلال السوفييتي ومزج ذلك الأسلوب مع أسلوب التعامل الأمني, فخرجت أكاديمية أمن الدولة لفنون الدعوة الاسلامية طابوراً من الدعاة الأمنيين كحسان ومحمود المصري وغيرهم, ليحاصروا الدين في ركن ضيق وليمتصوا جانباً كبيراً من الصحوة الاسلامية.

كان حسن البنا وسيد قطب يمثلان الصحوة الاسلامية بينما كان حسان ومحمود المصري واشباههم يمثلون الصحوة الأمنية, يمثلون اسلاماً لا يحدثك الا عن نواقض الوضوء والاستنجاء وتهذيب اللحية, ويتعامى عن عمالة مؤسسات العسكر لاعداء الدين.
والآن وبعد خمسين عاماً من استشهاد سيد قطب وبعد 67 عاماً من استشهاد حسن البنا رحمة الله عليهما, ما تزال الثورة تحتاج إلى سيفين متقاطعين مثلهما.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق