الخميس، 28 فبراير 2019

تغطية لردود الفعل على الفيلم الوثائقي " في سبع سنين



تغطية لردود الفعل على الفيلم الوثائقي " في سبع سنين"










وثائقي "في سبع سنين".. كيف وصلنا إلى هنا؟


جاسم سلطان
كاتب ومفكر قطري والمدير العام لمركز الوجدان الحضاري
لم يُثر أيُّ فيلم وثائقي عربي ضجة -من قبل-ُ بالقدر الذي أثاره الفيلم الذي أنتجته وعرضته قناة الجزيرةبعنوان ‏‏"في سبع سنين". وهو فيلم رصد واستعرض حالات لشبابٍ وفتيات من مصر مروا بتجربة ثورة الربيع العربي، ‏فتغيرت حياتهم من مسارٍ إلى مسارٍ آخر مضاد‎.

منهم فتيات بدأن من فكرة سلفية وانتهين إلى الإلحاد، ومنهم شباب بدأ من عضوية جماعة الإخوان وانتهى به الحال ‏إلى الإلحاد. والبعض الآخر ابتدأ من السلمية وانتهى إلى حمل السلاح مع الجماعات المقاتلة في سوريا أو سيناء.‏

شاهدت الفيلم وراودتني أسئلة كبرى، فظاهرة الغلو وحمل السلاح هي نتيجة لغلو استبدادي سياسي كبير في ‏المنطقة، وظاهرة الإلحاد هي ثمرة لحيرةِ مجتمعاتٍ شبابُها يبحث عن إجابات لأسئلة دينية وسياسية واقتصادية ‏حائرة‎.‎

والإلحاد -بشتى مستوياته من الإنكار الصريح إلى الشك وعدم اليقين- يجتاح العالم العربي بقوة، والمناظرات لا ‏تكاد تنقطع في وسائل الإعلام حول ذات الموضوع‎.‎

"شاهدت الفيلم وراودتني أسئلة كبرى، فظاهرة الغلو وحمل السلاح هي نتيجة لغلو استبدادي سياسي كبير في ‏المنطقة، وظاهرة الإلحاد هي ثمرة لحيرةِ مجتمعاتٍ شبابُها يبحث عن إجابات لأسئلة دينية وسياسية واقتصادية ‏حائرة"


والأمر الطبيعي هو أن ينقسم الناس بشأن موضوع السياسة والدين، لأنهما لا يقعان في دائرة البديهيات العقلية ولا ‏التجريبيات الصرفة. وغاية ما يقوله الفيلم هو أنه انتقل من حدس شخصي بوجود ظاهرة ما، إلى قراءة تقرير عن ‏الحالة الدينية في المنطقة، إلى أخذ عينات بعدد أصابع اليد من تلك الحالات، أجرى معهم مقابلات وترك تقدير ‏الموقف للمشاهدين‎.‎

ظهرت في الفيلم دعاوى مهمة، صريحة وضمنية، وهي ما هيج شجون البعض لردود كان حافزها ربما ما يطرحه ‏الفيلم من:‏
‎-‎‏ دور الخطاب الوثوقي التنظيمي التسطيحي لفكرة النصر، والذي كذبه الواقع في كل مكان، وهو خطاب ما زال ‏مسيطرا على الساحة حتى اليوم.‏
- فكرة التنظيم الموازي للدولة في طرحه السلمي، وعجزه -بعد أن اصطدمت به الدولة بقوتها الخشنة- عن الدفاع ‏عمن قام بحشدهم وتعبئتهم.‏
- فكرة الدولة الإسلامية الموعودة في خطاب الإسلاميين حين ترجمتها "داعش"، ومن قبلها ربما إيران والسودان، ‏وما هدمته من طوباوية خلقها الطرح الإسلامي السائد.‏

وأخيرا؛ ارتكزت الردود على التهوين والتهويل من ظاهرة الإلحاد، أو على تسخيف عقول الشباب أو تشخيصهم ‏كمرضى صرف! أو حتى على تسويق ذاتي بامتلاك الإجابات الشافية الكافية، أو استدعاء فكرة إقامة حد الردة ‏عليهم كما طرحه البعض، وامتد الأمر إلى المُخرج وفريق الفيلم والجزيرة و... و... إلخ.‏
- المنطقي أن هؤلاء الشباب جاؤوا من بيئات دينية، وطرحوا أسئلتهم على المؤطرين والمشايخ الذين لقوهم، وجالوا ‏بين مواقع الإنترنت، فبقيت الحيرة رغم الجهد والبحث، فحزموا أمرهم في اتجاه محدد ومضوا فيه‎.‎
- وهم على كل حال في سن صغيرة ومسار التحولات وارد في حياة البشر في كل لحظة‎.‎
كل ذلك ليس هو مربط الفرس فيما أعتقد؛ فالفيلم كشف لنا اختلالات كبرى في الفضاء المحيط بنا، سأجملها في ‏التالي‎:‎
- ما زالت ظاهرة إنكار التحولات الكبرى في العصر -والتي تتجسد في اتساع دائرة الحرية واستحالة سماع ‏الصوت الواحد وسيطرته- تسكن الكثير من العقول، رغم أن الواقع الحي يصرخ بذلك‎.‎
"الفيلم وما أثاره من حوارات بشأن أزمة الاستبداد السياسي، وما كشف عنه من عجز الخطاب الإسلامي الحركي ‏التنظيمي وسطحيته، وهلامية التجسد الواقعي للدولة "الإسلامية‎"‎‏ ومباينته لليوتوبيا الموعودة؛ كل ذلك -رغم ‏مأساويته- مؤشر على قدوم عصر جديد، وإجابات جديدة لواقع استنفد ذخيرته من الأجوبة المعلبة"

- دعوى امتلاك أجوبة قطعية في مسائل من طبيعتها الاحتمالية والترجيحية أمرٌ غريب، ولكنه ما زال واضحا ‏عندنا‎.‎
- ما زالت ظاهرة الوصاية والاستعلاء، وادعاء امتلاك الحق الحصري في فهم النصوص؛ ظاهرةً مؤلمة ومنتشرة ‏ومنفرة‎.‎
- ظاهرة استسهال التكفير قائمة عندنا، رغم الفواجع التي قادت إليها على أرض الواقع‎.‎
- ظاهرة تسخيف وتجهيل المخالف والمختلف ظاهرةٌ تحتاج إلى كثير من الدراسات‎.‎
ها نحن مِن عمَل وثائقي واحد نكتشف جوانب من الشخصيات والأفكار تتجاوز حدود شخصيات الفيلم، إلى المحيط ‏الذي يطوّق شبابنا ويحاورهم، وهو محيط مُفزع أكثر من شخصيات الفيلم، إن كانت مفزعة عند البعض‎.‎

الفيلم وما أثاره من حوارات بشأن أزمة الاستبداد السياسي، وما كشف عنه من عجز الخطاب الإسلامي الحركي ‏التنظيمي وسطحيته، وهلامية التجسد الواقعي للدولة "الإسلامية‎"‎‏ ومباينته لليوتوبيا الموعودة؛ كل ذلك -رغم ‏مأساويته- مؤشر على قدوم عصر جديد، وإجابات جديدة لواقع استنفد ذخيرته من الأجوبة المعلبة.‏

الشكر موصول لفريق الفيلم ولقناة الجزيرة على أن سلطت الضوء ليس على مشكلة الشباب فحسب، بل وأيضاً على ‏أزمة من يحيطون بهم من أفراد ومؤسسات وأفكار، هي في الحقيقة ما يحتاج إلى بحث وتحليل عميق، وليس الشباب ‏وطاقم الفيلم والجزيرة‎.‎

  المصدر : الجزيرة    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق