السبت، 9 فبراير 2019

لقاء الساخر بالدكتور محمد عباس - الجزء الثاني

لقاء الساخر بالدكتور محمد عباس 
الجزء الثاني

تكملة أسئلة اللقاء مع د. محمد عباس :


"الساخر" : في الآونة الأخيرة ومع ظهور كثير من الروايات التي تتعرض للذات الإلهية والضجة الإعلامية حولها هنا أسئلة تتبادر من خلالها:
· ما الهدف من وراء مثل هذه الكتابات غير السوية ..؟؟
· هل المفكرون الإسلاميون بحملتهم ضد هذه الروايات ساهموا بطريقة غير معتمدة في ترويجها وانتشارها..؟؟

الهدف هو الإسلام. ليس الإسلام كديانة من الديانات، بل لأنه الدين، نعم هو الدين ولا دين سواه، الدين الوحيد والقادر على مواجهة انحراف التاريخ ومنعه.
لقد حكيت لك في إجابة سابقة عن نماذج الأدب – أو على الأحرى قلة الأدب والعهر والفجور- الذي يروجون له ويريدون أن يسود.
إن أفدح الأخطاء التى يمكن أن نقع فيها أن نتصور أمر هذه الكتابات التى وصفتها أنت بأنها غير سوية هي أمر اختلافات رؤى ومذاهب. أو حتى مجرد انحراف في الأدب والفكر.
الأمر أخطر من هذا بكثير .. ولقد علق عليه أستاذنا العلامة محمود شاكر رحمه الله بأن هذا الانحراف إنما يرفع اللثام عن أخطر ميدان من ميادين الصراع الحضارى والعسكرى والدينى بيننا وبين الغرب، وهو ميدان الثقافة والأدب والفكر جميعا، ويزيده خطرا : أن الذين تولوا كير هذا الصراع ، والذين ورثوهم من خلفهم ، إنما هم رجال منا، من بنى جلدتنا ، من أنفسنا، ينطقون بلساننا، وينظرون بأعيننا. ويسيرون بيننا آمنين بميثاق الأخوة فى الأرض أو فى الدين، أو فى اللغة أو فى الجنس ويزيد الأمر بشاعة : أن الذين هم هدف للتدمير والتمزيق والنفس لا يكادون يتوهمون أن ميدان الثقافة والأدب والفكر أخطر ميادين هذه الحرب الخسيسة الدائرة على أرضنا من مشرق الشمس إلى مغربها ، ولا أن هذه المعارك ليست فى حقيقتها أدبية أو فكرية أو ثقافية، بل هى معارك سياسية، تتخذ الثقافة والأدب والفكر سلاحا ناسفا لقوى متجمعة، أو لقوى هى فى طريقها إلى التجمع ، ولا أن أمضى سلاح فى يد عدونا هو سلاح الكلمة الذى يحمله رجال من أنفسنا ينبثون فى كل ناحية ، ويعملون فى كل ميدان وينفثون سمومهم بكل سبيل.

إن أبسط كتاب فى علم السياسة والاجتماع يقول أنك لكى تهدم مجتمعا عليك أن تدمر إيمانه بالله كخطوة أولى.. وتلك تمهد الطريق للخطوة الثانية وهى نشر الفاحشة والعهر.. وتلك تمهد للخطوة الثالثة: وهى انهيار ذلك المجتمع..
ليست مجرد " كتابات غير سوية " بل إنه المنهج.. منهج متعمد مقصود.. منهج أخطبوطى ينفذ بالضبط تعاليم المستشرقين والمبشرين والاستعمار فى صورته الحديثة.. منهج يدرك أن أخطر ما فى الإسلام والقرآن هو ذلك الإيمان اليقينى الذى يجعل من المسلمين بشرا يمكن أن يتفوقوا حتى على الملائكة ويجعل من المنافقين أشبه بالخنازير والقردة.. وتلك هى النقطة التى تثير عجب وحنق المنافقين عندما يلاحظون استعلاءنا عليهم مهما أدبرت عنا الدنيا وأقبلت عليهم.. استعلاء البشر على الخنازير.. ولقد أدرك الغرب منذ قرون أنه هزم فى المواجهة المسلحة مع الحضارة الإسلامية.. وأنه لا سبيل أمامه إلا إفراغ الإسلام من محتواه.. ولقد استعان على ذلك حينا بالاستعمار حتى اطمأن إلى أنه ربى بيننا نخبة فاسدة مفسدة فتركها لتنوب عنه.. وهم منا لكن قلوبهم قلوب ذئاب..
ليس مجرد انحراف فكرى.. بل مخطط شامل جعل الثقافة فى بلدنا تهدف إلى ثلاثة أشياء لا تنسوها:
أن تكون حرية التفكير مرادفة للكفر..
وأن تكون حقوق المرأة مرادفة للعهر..
وأنه بعد نشر الكفر والعهر سيكون المجتمع الإسلامى قد غرق فى غيبوبة فقد معها كل مناعة.. ليسهل التطبيع بعد ذلك مع إسرائيل والانسحاق أمام الغرب..
لا تنسوا يا قراء الاختراق الذى حدث للثقافة فى بلادنا فعكس اتجاهها ليتلخص فى تلك النقاط : التكفير.. والتعهير.. والتطبيع..
ولكى يصل الاختراق الثقافى إلى مبتغاه كان عليه أن يميط القداسة عما هو مقدس و أن يستعمل أشد الألفاظ سوقية وفحشا.. وأن يمد هذا الاستعمال إلى الألفاظ التى أحاطتها هالات القداسة استعمالا فاجرا يميط عنها القداسة..
أولئك الكتاب الذين تربوا فى أحضان الفكر الغربى الاستشراقى الاستعمارى التبشيرى الذى يحمل للإسلام كل الحقد والازدراء.. غيلان يُروّج لفكرها بالأبناط الضخمة والأبواق الضخمة … وفى نفس الوقت يُحاصر أو يُصادر كل فكر آخر … فهؤلاء الكتاب الكبار يلعبون بالنسبة لفكر التغريب دورا أشبه بدور "البودى جارد" أو البلطجى… إنهم لا ينتمون بالضرورة ولا بالطبيعة إلى العالم الذى يدافعون عنه … لكنهم يتكفلون بحمايته وفتح الطريق أمامه وبمنع الآخرين من الاحتكاك به … ثم أنهم مأجورون …!!.
منذ قرنين فضح نابليون العلاقة بين حملة المشروع العلماني في الوطن العربي والدول الإستعمارية في رسالته إلى كليبر حيث قال : ( اجتهد في جمع 500 أو 600 شخص من المماليك أو من العرب ومشايخ البلدان لنأخذهم إلى فرنسا فنحتجزهم فيها مدة سنة أو سنتين يشاهدون فيها عظمة الأمة الفرنسية ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا ، وعندما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب ينضم إليه غيرهم ) ، ويضيف نابليون ( كنت قد طلبت مرارا جوقة تمثيلية وسأهتم اهتماما خاصا بإرسالها إليك ، لأنها ضرورة للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد ) . منذ ذلك الحين ، ومسلسل العلاقات المنحرفة لا ينقطع ،كل الأسماء التى تم تلميعها وتضخيمها كانت خادمة لأغراضهم عدوة لله وللأمة، من رفاعة الطهطاوى إلى قاسم أمين إلى سلامة موسي إلى بدايات طه حسين مرورا بلويس عوض الذي فضحه العلامه محمود شاكر في كتابه ( أباطيل وأسمار ) وبيّن ارتباطه كعميل بدوائر الاستعمار ، وما فعله جلال كشك من فضح العلاقة المريبة بين الأحزاب الشيوعية المصرية خصاصا والعربية عموما وبين الصهيونية واسرائيل في كتابه ( الحركات السياسية في مصر 1945-1952) . كما اعترف الدكتور رفعت السعيد في كتابه ( ثلاثة لبنايين في القاهرة ) بأن كل من ولي الدين يكن وشبلي شميل وهما من أوائل العلمانيين العرب وكانا موالين للإحتلال البريطاني. وغالي شكري وجماعة مجلة حوار بأكملها تلك المجلة التي تمولها المخابرات الأمريكية كما يقول الإستاذ محمد جلال كشك . كما تمول فورد كونديشن حركة تحرير المرأة ( نوال السعداوي ) وقد افتضح الأمر على يد عضوات هذه الحركة أنفسهن داخل اروقة المؤتمر الذي عقد سنة 1986 حيث تساءلن عن تمويل المؤتمر فاعترفت نوال السعداوي بأن مؤسسة فورد كونديشن الأمريكية وكذا هيئة المعونة الأمريكية بالقاهرة وجمعية نوفيك الهولندية ومكتب اكستوان بالقاهرة هم الذين مولوا المؤتمر . وكان فرج فودة يدعو الغرب جهارا نهارا للتدخل في مصر عسكريا ويدعو إلى التحالف مع إسرائيل وضرب السودان ، وكانت علاقته بالسفير الإسرائيلي أكثر من مشهورة . ومن هنا فإننا لا نستغرب استغاثة الكاتب ( أحمد البغدادي ) بأمريكا للتدخل في شؤون ثقافتنا ، وكذلك طلب الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي ( د. أحمد بشاره ) من الأمم المتحدة أن تتدخل للإشراف على الانتخابات الكويتية . إن العلمانية أصلا نشأت في حضن الاحتلال وهذا الأمر له دلالته ، لأن الاحتلال في حد ذاته اعتداء على الحرية والنهضة والتقدم والعدالة فحري به أن يتخذ له أولياء يواصلون خطة استلاب نهضة الأمم وحريتها وخصوصياتها . ومن الملاحظات المهمة أن العلمانيين في الوطن العربي ، لا يجمعهم إلا أمران فقط : الأمر الأول : وهو الارتباط المشبوه بالأجنبي ، وهم فيما وراء هذا مختلفون أشد الاختلاف ، فمنهم القومي واليساري والليبرالي ويختلفون في تعريف مفهوم التقدم والاصلاح والنهضة وفي تحديد المسار الذي يسعون إلى توجيه المجتمع نحوه . الأمر الثاني : هو رفض الأهداف العامة التي يدعو إليها التيار الإسلامي ويقفون في خندق واحد لمواجهة ما يسمونه الخطر الإسلامي.
خان المثقفون وفقهاء السلطان دورهم..
وأصبحت المشكلة أصعب..
فبدلا من أن ترسم الثقافة للسياسة المعايير والقيم والمثل الأعلى، راحت السياسة، ويا ليتها سياسة سوية، ترسم للثقافة معاييرها ومثلها وقيمها الدنيا .
ليس مجرد انحراف فكرى بل هو امتداد للصهيونية فى عالمنا العربى و الإسلامى، وياله من عار أن ينتقل بعض المثقفين من العداء المطلق لجبروت ووحشية الحضارة الغربية تحت لواء ماركس ولينين إلى العداء المطلق للحضارة الإسلامية تحت لواء بوش وبلير ، تماما كالجوارى الذين ينقلون كل ولائهم ووفائهم من المغلوب إلى الغالب رافعين لواء العداوة المستعرة للاتجاه الإسلامى، دامغين كل فصائله بالإرهاب، ومنكرين أيضا حتى آراء المستنيرين حقا فى أن الإرهاب – إن كان حقا إرهابا وهو ليس ذلك - ليس إلا محصلة طبيعية للفساد السياسى والخلل الاجتماعى، وعجز السلطة، لا عن القمع، بل عن الفهم، لذلك يحاربون كل مخلص ويرفعون كل خئون، لأنهم ينظرون إلى الأمة، بأعين أمريكا و إسرائيل، يشاركون فى هدم الوطن، وحصار قلاعه الشريفة التى مازالت صامدة للحصار رافعة لواء المقاومة.

الجزء الثانى من سؤالك: هل ساهمنا في نشرها بالهجوم عليها؟
لكنها شهرة الخزى والعار، شهرة أبى لهب عندما فضحه القرآن.
الغريب أن من أطلق هذه الدعوة هم المثقفون العلمانيون أنفسهم، وكأنما أصابهم الحزن بسبب الشهرة التى أصابت تلك الأعمال التى يدافعون عنها.
هل تلاحظ هذا التناقض.. منتهى السفه والخسة والقدرة المذهلة على الكذب، على قول الشىء ونقيضه، يدافعون عن الفجر والعهر، ثم يتهموننا بنشرة، وكأن الجريمة ليس ارتكاب الفاحشة بل الحديث عنها!!. وكأنهم – هم الأبرياء الأطهار – يتمنون ألا تشتهر تلك الأعمال وتنتشر.. التى لم تكن تشتهر وتنتشر لولا أننا – نحن الإسلاميون الحمقى – قد لأتينا في وقت غير مناسب وفى تصرف غير عاقل لنهاجمها فنشهرها.. أما هم فعقلاء و أبرياء براءة الذئب.. بل براءة الخنازير.. ولم يسألهم أحد: يا عبدة الشيطان فلماذا دافعتم عن هذه الأعمال منذ البداية..



"الساخر" : يتهم بعض الكتاب المفكرين الإسلاميين بأنهم قاصري النظرة وتسيطر على تفكيرهم نظرية المؤامرة ويتحدثون عن النوايا أكثر من حديثهم عن واقع العمل إلى أي مدى تصدق هذه التهمة وكيف يمكن مناقشتها..؟؟
زوج مخدوع وزوجة خائنة وعاشق داعر ورجل ديوث يستضيف العاهرين لارتكاب الفاحشة في بيته ويحصل على الثمن... وبعد هذا كله وحوله كله : الناس..
من مِن كل هؤلاء سينكر الجريمة ومن سيعترف بها..
ومن الذي سيواجه الزوج المخدوع باتهامه في كل مرة يشك فيها بأنه قاصر الفكر ويتبنى نظرية المؤامرة. من سينكر العلاقة الآثمة؟ من سوى الزوجة الخائنة والعشيق الداعر والديوث.
دعنى أكون صريحا معك.. إننى أرمز بالديوث لكل مفكر ينكر المؤامرة..
فبعد كل هذا الذي يحدث على امتداد ساحة العالم الإسلامي وبعد كل هذا التاريخ لا يمكن أن ينكر فكرة المؤامرة إلا ديوث مشارك في المؤامرة، ومستفيد منها، أو أحمق مأفون لا يؤبه له.
كان يمكن أن أستفيض في الإجابة لأعدد الدلائل على حقيقة المؤامرة وليس عن نظرية المؤامرة. لكنني أعرف أن من ينكرونها هم أشد ثقة بوجودها منا. فهم يروها رأى العين، بل ويشاركون فيها.
مرة أخرى إن إنكارهم ليس سوى صورة من إنكار الزانية أنها تزنى والداعر أنه يدعر والديوث أنه يتستر على كل ذلك.. وبأجر..
إنى آسف لقسوة الكلمات لكنني أسمى الأشياء بأسمائها.


"الساخر" : من بعد الأحداث الأخيرة نقصد أحداث سبتمبر ظهرت أصوات كثيرة تدعو إلى فتح قنوات الحوار مع الآخر ، ومع المذاهب الفكرية داخل الجسد الواحد..وصرح الكثيرون بأن أزمتنا أزمة حوار...
ما موقف الدكتور من هذه القضية ..!!؟؟ وهل من الممكن يراد من هذه الدعوات تذويب قضايانا الفكرية خاصة وأن من المفكرين الإسلاميين من يدعو إلى فتح أبواب الحوار بشكل كبير..!!

أي حوار؟..
أي حوار ونحن لا نمتلك أدواته..
و أدوات الحوار قنابل نووية وصواريخ وسلاح دمار شامل وصناعة متقدمة وزراعة حديثة وحضارة إن لم تتفوق فإنها تنافس..
من أدوات الحوار أيضا أمة تملك إرادتها.. وليس أمة مشرذمة استولى القراصنة على شظاياها وراحوا يأتمرون بأمر الآخر.
مثل هذا لا يسمى حوارا و إنما يسمى مفاوضات استسلام.
والآن.. السلطة في أيديهم.. والثروة مرهونة لديهم وكذلك الإرادة.. فلم يبق ما نتفاوض على تسليمه سوى الإيمان والإسلام والقرآن.. ورفات الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان من مخططاتهم أن ينقلوه إلى متحف اللوفر.
فيم ستحاور؟..
فيم ستحاور هؤلاء الكفار؟..
وعندما أقول الكفار هنا أعنيها تماما.. هؤلاء الناس لا يؤمنون بالوحى ولا بالرسالة ولا بالقرآن.. وهم يصفون الرسول صلى الله عليه وسلم – جل عن الإساءة – بأقبح النعوت والصفات.. ( من المحزن والمفجع أن دعارنا – أقصد بعض مثقفينا – يتفقون معهم في ذلك) .. إنهم يرون كما صرح الخنزير بوش أن الإسلام ديانة زائفة.. وما حوارهم معنا إلا لإقناعنا بذلك..
إن مجرد بداية الحوار على هذه الأرضية خيانة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.



"الساخر" : وأمريكا ( اللعينة ) وقد ألقت قناع ( الإقناع ) .. وبدت بوجهها القبيح .. وتوارت عن ذلكم ( الحياد ) المصطنع .. وبدأت في الزج بكامل ثقلها في خدمة شارون المأفون علانية .. ودون خجل .. أو حتى تقدير لدولنا العربية البائسة .. فهل ترى أن موقفها جاء ردة فعل طبيعية بعد 11 سبتمر .. أم أنها رياح التغيير ...؟لا يا أخى..
قد يختلف معى البعض.. لكنني أرى أن أحداث 11 سبتمبر هي صناعة أمريكية..
أنا لا أكذب اشتراك الأبطال المسلمين الشهداء فيها.. لكنها لو كانت قد تمت بالصورة التى قالها الأمريكيون فقد كان هناك من يعلم من الجهات الأمريكية نفسها وتركتهم يكملون العملية لاستغلالها.
تماما كما أرى أن البطل العظيم الشهيد خالد الإسلامبولى حين قتل السادات فإنه حين فعل ذلك فعله تحت غطاء الموقف السلبى للمخابرات الأمريكية.. علموا ولم يمنعوا.. وذلك بالطبع لا ينقص من بطولة خالد الإسلامبولى..ومثله لا ينقص من بطولة شهداء 11 سبتمبر.
إن القارئ يمكن أن يجد مزيدا من التفاصيل في كتابى: بل هي حرب على الإسلام، والذى صودر في مصر. وأيضا في كتابى: الوعى ينزف من ثقوب الذاكرة، وكلاهما منشور على موقعى على الإنترنت:
www.mohamadabbas.net

دعنا من ذلك كله..
فسواء حدثت أحداث 11 سبتمبر أم لم تحدث فقد كانت أمريكا ستتصرف بنفس الطريقة..
بل وسواء وجد شارون أم لم يوجد.. بل سواء وجدت إسرائيل أم لم توجد لتصرف بوش بنفس الطريقة..
ما تفعله أمريكا هو بالضبط ما كانت تفعله لندن وباريس وبون وروما و مدريد منذ ألف عام.. في مؤامرة مستمرة على الإسلام. والمحزن أن هذه المؤامرة مكتوبة ومنشورة.. وقد نوهت قبل ذلك في مقالاتى المنشورة في صحيفة الشعب المصرية أن الخطة القادمة لضرب العراق قد نوقشت علنا عام 1935!! نعم.. لا يوجد خطأ في التاريخ: عام 1935. قبل ولادة السفاح لدولة إسرائيل.. بل لقد كان إنشاء المملكة الأردنية عام 1922 جزءا من المخطط الكبير الذي راح يتكامل خلال القرن العشرين. فقد أنشئت الأردن عام 1922 لكي تكون درعا ووقاية لإسرائيل التى لم تولد إلا بعد أكثر من ربع قرن. وكان المقصود من خلق الدولة الأردنية أن تكون عازلا بين إسرائيل من جهة، وبين الزخم الدينى للسعودية من جهة، والزخم البشرى للعراق من جهة أخرى. بعد ذلك في عام 1935 تمت مناقشة الأماكن المطروحة للفلسطينيين، وتم اقتراح تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق: شمال كردى وجنوب شيعى ووسط من السنة، ولكى يزرعوا القلاقل في الوسط السنى فقد قرروا أن ينقلوا كل الفلسطينيين إليه. في نفس الوقت ستستولى إسرائيل على أجزاء واسعة من الأردن، وسيضم الباقى إلى سوريا بعد قيام انقلاب عسكرى أمريكى بها، أما الملك عبد الله ، ملك الأردن ، فسوف ينتقل ليحكم الحجاز. وفى السعودية، سيقتصر حكم آل سعود على نجد، أما المنطقة الشرقية فسوف تضم إلى جنوب العراق وسوف تضم إلهما الكويت، كل هذا تم مناقشته منذ سبعين عاما.. وهو منشور في الكتب لا في أضابير المخابرات.
الخطة قديمة إذن.. لكن العميان فينا لا يريدون أن يروا..


"الساخر" : ياسر عرفات .. هل تعتقد أنه قام بدوره كما ينبغي في ( تقبيل ) أيدي سفاكي دماء شعبه .. ؟ أم أنه ( قصر ) ولم يفِ بوعده في تصفية ( ما ) يسمون بالرجال المخلصين في حماس و الجهاد ..؟
لن أقول في ياسر عرفات كلمة واحدة..
إن الجريمة المنسوبة إليه – وأوافقك – هي جريمة التقبيل.. نعم .. جريمته قبله.. فكيف أستطيع أن أتحدث عنه قبل أن أتحدث عن أقرانه من ملوك ورؤساء و أمراء وجريمتهم الزنا واللواط..!!
نعم.. ياسر عرفات سئ جدا.. لكنه أفضل من الباقين جميعا.. على الأقل كان يعانى وهو يمارس جرائمه.. أما حكامنا فقد كانوا يمارسونها باستمتاع.. وفخر.. ونشوة..


"الساخر" : العراق .. خطوة شيطانة العصر القادمة .. هل تعتقد أن ( العرب ) قادرون على انتهاك هذه الخطوة اللعينة ..؟ أم أنهم وكعادتهم لا يرغبون في ( التدخل ) في سياسة القمع النصرانية ..؟
من ناحية أن العرب قادرون فهم بالفعل قادرون.. وهذه هي المصيبة.. فلو أنهم غير قادرين لالتمسنا الأعذار لهم.. بل دعنى أقرأ لك المستقبل لا قراءة عراف بل قراءة مؤمن.. سيقدر العرب ذات يوم وسيجمعون المسلمين على كلمة واحدة وسيهزمون أمريكا و أوروبا و إسرائيل.. نعم يقدرون.. لو أنهم اتحدوا.. إن أمريكا تتردد وتتحسب من مواجهة العراق فقط.. فما بالك لو أن كل الدول العربية اجتمعت على كلمة رجل واحد.. رجل واحد حقيقى كالملا عمر و أسامة بن لادن رضى الله عنهما.. رجل حقيقى وليس مخنثا أو شبه رجل رمت به المؤامرة فصار رئيسا أو ملكا أو أميرا.. لا أقول لك أن العرب يستطيعون التفوق التكنولوجى على أمريكا.. لكن أمريكا حين تدرك أنها ستنزف وتجرح وتفقد آلاف القتلى في معركة فسوف تتراجع على الفور.. إنها – من سوء حظها لا تستطيع قتل مليار وربع مليار مسلم.. كما لا تستطيع احتلال أرضهم جميعا في نفس الوقت.. ولو توحدت كلمتنا لاستطعنا بإمكانياتنا الحالية فرض إرادتنا.. ولتبخرت إسرائيل.. .


"الساخر" : في زمن العلمنة .. والأمركة .. هل صار من الفرض على كل شيخ جليل أن يلوث سيرته .. بجمركة سريعة لـ ( فتاواه ) عبر بوابة أصحاب القرار ..؟!وذلك أيضا جزء من المؤامرة.. وهى لم تبدأ الآن بل منذ قرون.. وهى إخضاع الدين للحاكم ليكون وسيلة لا غاية..
والحمد لله على ابتكار شبكة الإنترنت فقد فكت جزءا من الحصار عن العلماء الحقيقيين..
والحديث في ذلك يطول.. لكنني أشعر أنني أطلت على القراء أكثر مما يجب.. وربما أقل مما يجب .. لكنهم لا يحتملون ما هو أكثر..
س. يرى بعض المتابعين أن الخطاب الإسلامي يقع دائما في المواقع الخلفية ..وأن مهمته الدفاع والرد وليس خطاب مبادرة وإنتاج وتجديد للثقافة مما جعل الخطاب الليبرالي والماركسي يأخذ زمام المبادرة...
ترى أين يقع الخطاب الإسلامي على خارطة الوعي العربي..!!؟؟
مواقع خلفية..
ليراليون..
ماركسيون..
علمانيون..
لماذا لا نختصر الأمر.. فالقضية كلها إما إيمان و إما كفر..
ولقد ثبت الآن باعترافات قيادات الأحزاب الشيوعية العربية أن الماركسية في العالم العربي وكلها بدأت شحما ولحما ودما على أيدى اليهود الصهاينة و كانت اختراقا لفكرة الدولة الإسلامية الواحدة وإهدارا للمرجعية الإسلامية تمهيدا لتفتيت البلاد الإسلامية وتمكينا لوجود إسرائيل..
الليبرالية والعلمانية فعلت نفس الشيء و إن كانت أكثر مراوغة ودهاء..
لكنهم اتفقوا جميعا على التحالف مع أشد النظم العسكرية بطشا والقبلية تخلفا على حصار الصوت الإسلامي الحقيقي.
أنت تقول أن الخطاب الإسلامي يقع في المواقع الخلفية..
لكنه لا يقع هناك.. بل هو محاصر هناك ومحبوس هناك..
ودعنى أطرح عليك قضية غريبة:
عندما أقول أن حكامنا خونة وعملاء وصنيعة الغرب فإننى لا أظن أن أحدا من القراء سيعترض أو يتردد..
وعندما أقول لك أن جهاز الأمن الغبى الباطش الجبار هو صنيعة الحاكم وأنه لا يحقق الأمن للدين ولا للوطن بل لأعداء الدين والوطن فإننى أظن القراء جميعا سيوافقوننى فيما ذهبت إليه..
لكن القراء سيتراجعون وينقسمون ويختلفون عندما نبدأ الحديث عن الكتاب والمفكرين.. مع أنهم صنيعة الإثنين معا: الحاكم الطاغوت عروس المسرح.. والأمن الغبى الباطش..
كما قلت لك منذ البداية.. أنت لا تعيش في جو طبيعى يبرز الكفاءات.. أنت تعيش ما هو أسوأ حتى من الغزو العسكري والفكرى.. أنت تواجه احتلالا استيطانيا كذلك الذي حدث في أمريكا الشمالية واستراليا.. احتلال استيطانى يبغى إبادتك وإحلال الغير مكانك.. لا يستطيع الغرب وكل صنائعه الآن أن يفعل ذلك على المستوى العسكرى.. لكنه يحاوله على المستوى الفكرى.. إنه لا يحاورك ولا يناقشك بل يسفه فكرك ويمنعه ويحبسه ويقتل أصحابه..
في أزمة الوليمة كنا في صحيفة الشعب وحدنا تقريبا.. وكانت صحف السلطة السوداء والصفراء والحمراء تهاجمنا هجوما ضاريا وتشيع عنا كل ما استطاعت من أكاذيب.. أكثر من خمسين صحيفة كانت تهاجمنا يوميا.. في الأسبوع الرابع أدركوا أنهم خسروا المعركة فأغلقوا صحيفة الشعب..!!..
ولم يكن الأمن هو الذي بادر بالإغلاق.. و إنما كان من تسميهم بالماركسيين والليبراليين هم الذين طالبوا بذلك و ألحوا عليه.
ولكى أوضح لك الأمر أكثر .. دعنى أقص لك حكاية حزينة تشرح لك الأمر كله..
بعد أحداث الوليمة بعام فوجئت بصحيفة الأهرام تنشر مقالا لفاسق يتهم فيه أئمة الحديث جميعا بالتخريف..( ومنهم الإمام البخارى)..
واتصلت بعدد من الشيوخ الأجلاء في الأزهر.. الشيوخ لا الموظفين.. ورغم أنني لا أوافقهم في الرأى الذي ذهبوا إليه فإننى أتفهم دوافعهم.. فهل تعرف ماذا كانت دوافعهم للصمت؟..
كان رأيى أن نقف و أن ندافع و أن نهاجم..
وكان رأيهم أننا كإسلاميين محاصرون تماما و أن كل منافذ النشر في أيدى أعدائنا.. و أننا لو دخلنا المعركة بهذه الصورة فإنهم سينشرون حججهم ولن ينشروا لنا شيئا.. فإن نشروا لنا سيشوهون ما نكتب.. و أنه .. لذلك كله فهم يفضلون الصمت عن الدخول في معركة خاسرة..
ترى هل أجبت على سؤالك : أين يقع الخطاب الإسلامي..
إنه محاصر مأسور مشوه.. باسم الحرية والديموقراطية والإخاء والمساواة وبمباركة أمريكا و إسرائيل والأمم المتحدة.. والليبراليين والماركسيين..!!
..


"الساخر" : هناك مشروعات فكرية سميت بمشاريع النهضة..مثل مشروع الجابري نقد العقل العربي ومشروع أركون ..وحنفي وغيرهم..!!
أين مشروعات الإسلاميين في خطاب النهضة في وقتها الراهن... وأين دراساتهم النقدية التقويمية للمشروعات العقلانية المطروحة في المشهد الثقافي..؟؟

مشاريع الجابرى و أركون مشاريع مشوهة هدفها علمنة الإسلام..أما مشروع حنفى فهو إفراغ الإسلام من محتواه كله.. ولا أحسب أن المجال يتسع لمناقشة التفاصيل..
أما عن إجابة الجزء الثانى من سؤالك فإن المشروعات الإسلامية موجودة وثرية وعميقة وكفيلة باكتساح الجميع لو سمح لها بالانتشار والحوار والصحف والمنابر..
إن مشاريع التغريبيين والعلمانيين والماركسيين والليبراليين لا تصمد أسبوعا واحدا أمام طرح الإسلاميين لو منحت لهم الحرية..
تماما كما يحدث في الانتخابات.. فعند توفر الحد الأدنى من الحرية فإن الإسلاميين يكتسحون..

س. لو انتقلنا إلى ساحة الإبداع والأدب ... ماذا يمكن أن يقدم الأدب لقضيتنا..؟؟
الأدب؟
المطروح في الساحة الآن ليس الأدب بل قلة الأدب!! .. وسيطرة أعداء الإسلام على كل منابر الثقافة لا تدع مجالا لأى أديب إسلامى..
القضية قضية شاملة لا يمكن حلها بالتقسيط..
ولقد عرضت لك في إجابات سابقة نوع الأدب الذي تريده تلك الطغمة الفاسدة المنحرفة التى تسيطر على مقاليد الثقافة.
..

"الساخر" : لماذا يعتبر الأدب الإسلامي المعاصر أدب حزائني متشائم يهتم بتصوير ظلام المعاصر ... ولا يستشرف المستقبل..؟؟
عندما تنغرس فيك نصل سكين الجلاد فتصرخ.. فهل تكون ساعتها متشائما..؟!
ومع ذلك فالأدب الإسلامي يقوم بدوره في الحدود المتاحة له رغم كل أنواع التجاهل والحصار والتنكيل..
..

"الساخر" : الكتابات الإباحية شعرا ورواية ... هل يمكن عزو انتشارها إلى غياب إنتاج إسلامي يهذب الغريزة وفق التصور الإسلامي..؟؟لا يا أخى.. فأنت ما زلت تنظر إلى إنتاج تلك الفئة المنحرفة كأدب.. وهو في غالبيته ليس أدبا .. بل فحش وعهر وفجور.. وهو تطبيق لتعليمات ولدراسات أعدت في كواليس المخابرات.. وما لا يسير على هذا المنوال يتم حصاره وحجبه ومقاطعته أو اعتباره ليس أدبا.
الكتاب الموجودون في الساحة ليسوا كتابا حقيقيين.. ولا هم الانتخاب الطبيعى للأصلح.. إنهم مفروضون من السلطة.. نفس السلطة التى تعين ضابط أمن الدولة هي التى تعين مثقف أمن الدولة وتحدد حجمه وانتشاره وذيوعه.. أحسب أن هذه باتت بديهيات.. ثم أن غالب مثقفينا ليسوا امتدادا للأزهر والفجالة حيث الكتب والمكتبات.. بل هم امتداد لشارع محمد على وشارع الهرم حيث الحانات والراقصات ..
الخديعة الكبرى التى تجعل الناس تفرق بين ضابط أمن الدولة ومثقف أمن الدولة أن الأخير يمثل في أحيان كثيرة دور المعارض للنظام السياسي.. و أقول يمثل بكل ما تعنيه الكلمة.. ليس لأحد منهم مشروع فكرى.. المشروع الوحيد الذي يتفقون عليه ويتفقون فيه مع السلطة هو مشروع محاربة الإسلام و إقصائه..
لست أقول أن كل كتابنا كذلك.. بل أتحدث عن الكتاب الذين تضعهم السلطة على رقابنا.. ففي الجو الفاسد الذي نعيش فيه.. الجو الذي يشبه ماء نهر ملوث.. لا ترى على سطحه إلا السمك الفاسد والميت.. السمك الحى يلوذ بالأعماق بعيدا عن التلوث..
لا أقصد أن كل الظاهرين على الساحة كذلك. فهناك قلة تعد على أصابع اليد الواحدة، كتاب حقيقيون لديهم الموهبة، لكنهم في حالة تصالح بصورة ما مع السلطة.. أذكر منهم على سبيل المثال نجيب محفوظ.. لكن دعنى أسألك و أسأل القراء سؤالا: لو أن نجيب محفوظ كان كاتبا إسلاميا.. هل كانوا سيسمحون له بكل هذا الذيوع والانتشار؟!.
الانتاج الإسلامي إذن ليس غائبا بل هو مغيب.


"الساخر" : ساحة النقد تعج بمصطلحات ورؤى فكرية... يصر البعض على ضرورتها وأنها آلات معرفية ليس لها علاقة بالمنهج الفكري لذلك يمكن توظيفها في أي ثقافة ... أين يقف الدكتور محمد من هذه الرؤية ...!!؟؟ وهل يمكن عزل الآلة عن المنهج..؟؟
هذا سؤال هام وخطير..
وسأضطر للإطالة مرة أخرى..
في رائعة أليكس هيلي "الجذور" يسرد الكاتب تفاصيل مرعبة عن الطريقة التي كان يتم بها ترويض العبيد. والكاتب يعود لأصول أفريقية مسلمة، وقد فضحت الرواية تاريخ الرجل الأوروبي الأمريكي، وأماطت اللثام عن الكثير من التصرفات المشينة التي كان يقوم بها التجار البيض، وسرقتهم للسود الأفارقة من قراهم وبيوتهم، وترحيلهم لأوروبا وأمريكا، وبيعهم للإقطاعيين هناك، الذين كانوا يسخرونهم في فلاحة الأرض، وفي استغلال طاقتهم أبشع استغلال، وليس ذلك موضوعنا الآن، لكن الموضوع الذي نريد أن نركز عليه، هو أن العبد لم يصبح عبدا إلا حينما اقتنع أنه عبد و أن الرجل الأبيض سيد، لم يصبح عبدا إلا عندما استسلم لمصطلحات عدوه، كان يستطيع أن يثور ويرفض ويستشهد، لكنه لم يفعل، بل وحاول أن يطبق معايير الرجل الأمريكي عن العبد الطيب، والتي دعمها ذلك الرجل الأبيض جلده والأسود قلبه بآيات من الإنجيل، وهكذا أصبح الخاطف المجرم سيدا، ومعلما، بل ومبشرا مسيحيا، و أصبح على العبد الذي قبل مصطلحات عدوه أن يجتهد ويجتهد ويجتهد كي يطبق المواصفات التي وضعها الأمريكي الأبيض المجرم للعبد الطيب.
ذلك مثل، ولنضرب مثلا آخر يوضح لنا خطورة الاستسلام لمصطلحات الآخرين.
منذ بداية التسعينيات بدأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة يضع في بطاقات الطيران مصطلحا جديدا لبيان نوع الراكب: ذكر أو أنثى، فقد كانت الكلمة التي تستعمل قبل ذلك هي: الجنس: SEX ، وفجأة اختفي ذلك المصطلح ليحل محله كلمة أخري هي : GENDER، ولقد كنت شخصيا واحدا ممن ارتابوا في الأمر، وفى رحلة علمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية سألت العديدين عن مغزى ذلك التغيير، وكانت الإجابة الخادعة الخائنة الكاذبة أن اللفظ الجديد أرق، و أنه يستبعد ظلال السمعة السيئة للمصطلح الأول في مجالات أخري. بل وتطوع أحدهم بمزيد من التفسير، ليقول أن السمعة التاريخية المرعبة لأمراض كالبرص والزهري والسل قد دفعت بالمراجع الطبية إلى تغيير أسمائها كي لا تزعج الناس.
ولاحظ أيها القارئ ادعاء الرقة والتسامى ذاك، ولاحظ أيضا ذلك الغموض المتعمد في تعريف المصطلحات، حيث يتعمدون سربلة المصطلح بالغموض الذي يدعى رقة الملائكة، والذي يسفر في النهاية عن شيطان رجيم. فسرعان ما ظهر المغزى لاستعمال كلمة GENDER بدلا من كلمة SEX – خاصة في مؤتمري السكان اللذان انعقدا في القاهرة ثم في بكين –. فكلمة SEX تعني الوضع التشريحي البيولوجي، تعني ببساطة وبتحديد كامل – و أنا آسف يا قراء لاستعمال الكلمات التالية – أن الرجل هو من له خصيتان وعضو ذكري و أن المرأة من لديها ثديان وفرج. أما كلمة GENDER فلا يهمها الوضع البيولوجي التشريحي!! .. فقد تكون رجلا لكنك تشعر بمشاعر الأنثى، أو العكس، أو جميع التباديل الممكنة. وتحت هذا المصطلح، تم تحميل مجموعة هائلة من المعايير الفاسدة التي تتحدي الطبيعة والعقل وشرع الله. فتحت راية هذا المصطلح ليس في كل أنواع الشذوذ ما يخجل، إنه أمر طبيعي، وعلى كل إنسان أن يعترف به لا أن يخفيه، بل له أيضا أن يباهي به ويفتخر، في شريعة الشيطان!!.

قبولنا، وقبول العالم لاستبدال المصطلح القديم واستعمال المصطلح الجديد يعني القبول بكل تضمينات المصطلح الجديدة، يعنى الرضا بالشذوذ بل والتشجيع عليه، ويعنى ما هو أكبر و أخطر، وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل، حين وصلت الأمور إلى تهديد مؤسسة الأسرة، فلم يعد شرطا للأسرة أن تتكون من رجل وامرأة، بل يمكن لها أن تتكون من رجل ورجل أو امرأة وامرأة، بل ودخل الأطفال والحيوانات والدمي فىالمعمعة أيضا!!.
ذلك هو إجرام الشيطان..
وذلك هو إجرامنا وخطيئتنا القاتلة عندما نقبل المصطلحات التي يضعها لنا الغرب.
وثمة مثل أخير – وليس بأية حال الأخير- يتعلق بتلك الدعاوى المبهرة التي انطلقت عن رعاية الطفولة وحقوق الطفولة وعام الطفل وراعية الأطفال .. و..و..و.... ثم أسفر الأمر كله عن إجرام فاحش.. فالأمر يتعلق بضرورة تعليم الأطفال الجنس!!.. وضرورة منع الكبت الجنسي!!.. وضرورة إباحة الزنا - يسمونه الحب أو العلاقات السوية أو عدم القهر الجنسي!!-.
لقد ضربت هذه الأمثلة كي أوضح خطورة قبول المصطلح الذي يضعه لنا الغرب، لأن قبوله يعني القبول بما يعنيه.
ضربت مثلا بما سبق، وفى مخيلتي طوال الوقت لم تبرح أبدا مصطلحات كالأصولية والتطرف والتشدد والانغلاق والرجعية والظلامية والتأسلم والإرهاب..
كان مجرد قبولنا التعامل بهذه المصطلحات خطأ هائلا وجريمة كبري.. وكان يعني أننا استسلمنا قبل أن تبدأ المعركة.. و أننا اخترقنا حتي النخاع.. تماما كما كان قبولنا بأن نقرأ تاريخنا عبر المستشرقين وأن نرمي ديننا بالمثالب التي وجهها إليه الرهبان والقساوسة.
لقد أدرك الغرب منذ زمان طويل أن ما لايستطيع بولس الوصول إليه يستطيعه محمد!! و أن ما لا يقدر جورج علي لإقناع المسلمين به يستطيعه سيد أو مصطفي و أن ما لا يقدر عليه كوهين أو دافيد يقدر عليه رفعت السعيد!!..

ولا أريد اليوم أن أتناول الكلاب المسعورة والخنازير المأجورة الذين اصطنعهم الشيطان والغرب بيننا ، يتحدثون بألسنتنا ، وتشملهم حصانة الإسلام، فيتحدثون باسمه، مدلسين علينا، لأنهم ينكرون أنهم خرجوا من الإسلام وباعوه منذ زمان طويل.
يبدأ الواحد من هؤلاء بلا أي موهبة ولا قيمة، يعجز عن صياغة فكرة، يحركه جشع بلا حدود، وفجأة يتم التقاطه وتجنيده كي يكتب ضد الدين، فإذا باسمه يطبق الآفاق، و إذا بجمعيات أجنبية تتابعه وتشد به، و إذا بصحف اليساريين في الداخل تتحدث عنه بنوع من التقديس، والأنكي من هذا كله أن مؤسسات الدولة تحتضنه وتغدق عليه، و الأمثلة كثيرة وما نصر حامد أبو زيد وفرج فودة وعبد الله باجبير و أدونيس إلا مجرد أمثلة على ذلك، وكل منهم يمثل انعكايا لتسليمة نسرين وسلمان رشدى وحيدر حيدر.
الأمر لا يتعلق بخلاف فكري، بل يتعلق بخائن حصل علي الثمن وباع، خيانة عظمى، لأنها خيانة لله والأمة بل وللوطن أيضا، وفى الوقت الذي تعتبر فيه شبهة التفكير بالقيام بانقلاب على نظام الحكم جريمة خيانة عظمى عقوبتها الإعدام بعد محاكمة صورية، فإن محاولة الانقلاب على الله جل وعلا تقابل من السلطة بالإعجاب والتقريظ وفتح مؤسسات الدولة كمنابر يبث من خلالها أمثال هؤلاء السم في كيان الأمة.
لا أريد أن أتورط في الحديث طويلا عن أمثال هؤلاء، عن خنزير مأجور منهم زور لنفسه شهادة الدكتوراه ليسبق اللقب اسمه، خنزير لم يركع لله ركعة ويجاهر بقصص ممارساته للزنا والفجور والمخدرات، خنزير مأجور لا يجيد إلا الكذب وترديد أقوال المستشرقين ومع ذلك فإن الدولة أفردت له المجلات والصحف وتولى اليساريون الأشرار تلميعه وتقديمه كمثقف، وجاءته الأموال من حيث لا ندري ليكتب موسوعات كلها كذب وعفن وطعن في الدين تهلل لها النخبة العفنة.
هذا الخنزير المأجور، والأفعى السامة التي زرعتها أمريكا بيننا خرج الآن من حجره ليطالب بالتوقف عن جوهر الإسلام و أحكام القرآن وبمساواة الذكر والأنثى في الميراث كي نتجنب غضب أمريكا.. وما هو- وأمثاله كثيرون يشكلون جل النخبة التي اصطنعتها النظم الحاكمة- إلا غرس نجس من زرع أمريكا ظل كامنا بيننا في انتظار هذه اللحظة التي يتردد فيها المقدام ويجبن الشجاع ويتقدم الرويبضة.. يتقدم لكي يهدم بناء مقدسا نكص أصحابه عن الاستشهاد دونه.
ولا أريد – أيضا - أن أتورط في الحديث طويلا عن خنزير مأجور آخر والذي قدمته لنا صحيفة كبير المنافقين وعميل المخابرات الروسية لمدة عشرين عاما على أنه شيخ يلبس عمامة ضخمة وما هو إلا شيطان رجيم.. لن أتحدث عن أولئك الآن.. بل أتحدث عن الشجعان والأبطال والمفكرين والكتاب الذين ينتمون إلي صف الإسلام لا إلي صف أبى جهل و أبي لهب.. أصرخ في عمالقة الفكر الإسلامي المأسورين والمحجوبين .. أصرخ فيهم : اثبتوا فإننا على الحق.. اثبتوا فإن النصر قادم بإذن الله.. اثبتوا حتى لو بقى الواحد منكم على حجر في البيداء وحده.. اثبتوا فالجمع ينهزم والحكام يخونون والمنافقون يسودون والأفاعي تنشط.. اثبتوا ولا تناوروا.. لأنكم إن ناورتم وظننتم أن المناورة مرونة تنحنون فيها حتى تمر العاصفة فقد لا تستطيعون النهوض من الانحناء أبدا.. اثبتوا .. اثبتوا فإنى والله أخاف عليكم أن تكونوا ممن يمرقون من الإسلام دون أن تشعروا.. فاثبتوا.. اثبتوا.. اثبتوا.. و إياكم والوقوع في فخ المصطلحات أو الفصل بين المنهج والتطبيق.
المنهج مثل المخ البشرى والآلات المعرفية كالأطراف التى تطبق وتنفذ الإشارات التى تأتيها من المخ.. والوقوع في فخ المصطلحات خطير جدا..
رغم أن تجنب الوقوع فيه يسير جدا لو خلصت النوايا و آمنت القلوب..
فقشرة الذهب الرقيقة التى تغطى المعدن الرخيص لا تخدع خبيرا، قد ينخدع بها البسطاء والسذج والعامة، حين يحتال المحتالون عليهم فيبذل المساكين أنفس ما يملكون مقابل ما لا قيمة له، بل إنهم في الغالب يستدينون ، ليكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم فقدوا كل شئ، لا ليصلوا إلى نقطة الصفر، بل دونها، حين يطالبهم الدائنون بسداد الديون، أما أعلى الأصوات دفاعا عن المعدن المزين المغشوش فهي أصوات مجموعة من الصبيان استأجرهم المحتال و أجزل لهم العطاء كي يروجوا بضاعته المغشوشة.
خدش واحد يكسر القشرة الرقيقة كان كفيلا بكشف عملية النصب والاحتيال لكن أصوات الغلمان المستأجرين غيبت العقل و أضاعت الحرص ودفعت إلى الهاوية.
نعم.. خدش واحد..
***
لا أقصد مما أقول إلا ما فعلته الحضارة الغربية معنا، وما الغلمان المستأجرون إلا بعض كتابنا ومفكرينا..
وسؤال واحد كان كفيلا دائما بكسر القشرة المزيفة البراقة لنكتشف الخدعة.. لكننا بين الخيانات والعمالات والضجيج والتشويش لا نسأله..
نعم.. عرّضوا أي بناء فكرى من الحضارة الغربية للسؤال الأول وسوف يبدأ البناء في الانهيار على الفور.
***
لنأخذ على سبيل المثال دعاوى حرية المرأة..
ولنخدش القشرة البراقة المزيفة بسؤال يقول: أي امرأة؟ هل هي الزوجة أم الأم أم الإبنة أم الجدة؟..
سوف نكتشف على الفور أن دعاوى حرية المرأة لا تقصد أي واحدة من هؤلاء!! وهن جميع أنماط النساء اللائى نعرفهن..!!. يبقى نوع واحد لا نعرفه والحمد لله..
تنكسر القشرة ويطفح المعنى على الفور ليتضح أن الدعوى لا تقصد إلا امرأة في عمر الإغراء، خلال عقد أو عقدين من عمرها، وهى لا تقصد حقها في الطهر بل في العهر، ولا تقصد حق أبنائها في أم فاضلة ولا أمها في ابنة بارة، ولا زوجها في زوجة رؤوم عفيفة تصون أولاده وبيته، كل هذا غير مطروح على الإطلاق. المطروح فقط تعهير المرأة، ولتسقط مؤسسة الأسرة إلى غيابات الضياع ولترتفع نسبة الطلاق إلى أربعين في المائة في بعض بلادنا وليتشرد الأطفال وليصدق الحديث النبوي الشريف فيصبح الحر قيظا والولد غيظا، فكل ذلك هين مقابل أن تتعرى المرأة وتتحرر!!..
على إحدى القنوات الفضائية كانت أستاذة جامعية، سافرة، من الداعيات لتحرير المرأة، تتحدث عن الموجات الثلاث لتحرير المرأة عبر قرن مضى، وكانت تؤيد الموجة الأولى وتتحفظ على الثانية وتعترض على الثالثة، وكانت تكتشف الحقيقة فتصرخ: هل ظللنا مائة عام نناضل كي نتعرى.. لماذا لم نفعل ذلك منذ البداية.. وما كان أسهله؟!..
***
قشرة أخرى.. وخدش آخر.. وسؤال..
الغلمان، صبيان المحتال، طالما نظروا إلينا بتعال وازدراء ونحن ننادى بالاحتشام والعفة..
أنتم أيها الإسلاميون منغلقون متحجرون لا تفكرون إلا في الجنس.. أنتم لا تعرفون سمو الفكر ولا تعدد ما يمكن أن يدور بين رجل وامرأة دون أن يكون الشيطان ثالثهما إلا في عقولكم .. ( تجاهل الفسقة أنه حديث نبوي شريف).. وتعالت هتافات الغلمان وضوضائهم.. ثم تحولت الضوضاء بعد ذلك – تحت رايات الأمم المتحدة – إلى قوانين تلزم وتعاقب من لا يطبقها حول حرية ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج.. ولم ينخفض صوت الغلمان درجة واحدة.. وراحوا يروجون للعهر باسم الحرية الشخصية ونسوا اتهاماتهم لنا و أصبح العهر حقا يحاربوننا عليه.
في الموجة الثالثة كان النداء لترويج حرية الشذوذ..
انشرخت القشرة.. وكانوا هم الدعار والداعرات الذين ملأت الفاحشة وجدانهم ودنست أرواحهم طيلة الوقت..
إلا أننى أريد أن أذكركم هنا يا قراء: أن هؤلاء الفاسقين المنافقين، عندما اتهموا المسلمين بأنهم لا يفكرون إلا بالجنس، وعندما ادعوا لأنفسهم العفة والترفع والتسامى، في نفس الوقت واللحظة، لم يكونوا يزنون فقط، بل كانوا يلوطون أيضا، وراجعوا سيرهم الشخصية، و ما أريد أن أثبته هنا، أنهم لم يُخدعوا فخُدِعوا، بل شاركوا في مؤامرة شيطانية هائلة، كانوا يدركون منذ بدايتها نهايتها، وكانوا يرومون منها نقض عرى الإسلام عروة بعد عروة.
كانوا يدركون منذ البداية، لكنهم لفرط خستهم استتروا خلف الإسلام ولبسوا عباءته وادعوا أنهم يقولون ما يقولونه حين يقولونه انطلاقا من الدين الصحيح.
***
قشرة أخرى ولمعان آخر: الديموقراطية: حكم الشعب وبالشعب وللشعب، تنكسر القشرة، فإذا بالديموقراطية المزعومة ليست إلا حكم العملاء والخونة والغلمان للشعب بمعونة أجهزة الأمن، التى حلت محل بوارج المستعمر..
نعم .. أجهزة الأمن التى اقتصرت وظيفتها الأولى على ما كانت تقوم به جيوش الاحتلال من قهر للأمة وتنكيل بالشرفاء وسحق للأبطال وتمجيد للخونة.
نعم .. انكسرت قشرة الديموقراطية المزيفة فإذا أخشى ما يخشونه هو إجراء انتخابات حرة نزيهة في أي بقعة من بقاع عالمنا الإسلامي لأنهم يعلمون – رغم التشويه والتزوير و ادعاءات الباطل – ماذا ستختار الشعوب.. و إذا أقرب المقربين إليهم المزورون والعملاء و أما عدوهم من حكامنا فمن يفكر في انتخابات حرة.
حكم الشعب بالشعب وللشعب..
اختارت شعوبهم اللواط فأرادوا فرضه علينا..
اختارت شعوبهم نهب ثرواتنا واحتلال بلادنا وتسفيه أحلامنا وضياع ديننا فأرادوا من شعوبنا الانصياع لإرادة شعوبهم.
ونكتشف بعد أن صدقنا الخدعة والفرية أنهم يقصدون من حكم الشعب وبالشعب وللشعب : حكم الشعب المسلم بالشعب الصليبي والصهيونى ولمصلحة الشعب الصليبى الصهيونى.
***
قشرة أخرى ولمعان آخر.. الوطنية..
ويتصايح الغلمان الخونة عبيد المحتال بالصياح والأناشيد والأهازيج التى تمجد الوطنية.. وتعليها ولا تعلى عليها بحيث يكون أي صوت معارض أو كاشف: خيانة للوطن.. وما هو خيانة بل هم الخونة.. فإن ألقيت بسؤال وحيد تمزقت كل دعاواهم كبيت العنكبوت..
والسؤال يقول: في عالمنا العربي والإسلامي.. لماذا لم تُمجّد إلا وطنية الأقطار بالحدود التى رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.. وخنازير العلمانية الذين يسبحون بحمد أي كاتب غربى ويكادون يسجدون أمامه تراهم يستعيدون حدود سايكس بيكو عندما يكون الكاتب أو المفكر أو الداعية مسلما.. فتجد خنزيرا من مصر يحتج على ندوات الشيخ على الجفرى في مصر وتجد خنزيرا سعوديا يحتج على دعوة عمرو خالد لإلقاء محاضرات في جدة.
لماذا لا يغنى الغلمان الخنازير لوطن بحدود الشام.. أو للدولة العربية الكبرى.. ولن تبلغ بنا الآمال أن ندعوهم للتغني بدولة حدودها الإسلام..
***
وبالرغم من ذلك كله لم يكف الغلمان عن التصايح أبدا..
تنكشف الخدعة وراء الخدعة.. والجريمة بعد الجريمة .. والفضيحة تلو الفضيحة.. لكن أحدا لا يلقى القبض على عصابة الغلمان و أسيادهم أبدا.. وتظل الدائرة تدور..
***
الأمثلة السابقة، نموذج لما حدث في كل القضايا الأخرى..
في الحرية والإخاء والمساواة والديموقراطية والحداثة والاستنارة والتحضر..
كانت القشرة البراقة الخادعة تخطف الأبصار وكان الغلمان – صبيان المحتال المأجورين – يذهلون العقول.. وكانت الأمة تفقد كل ما تملك مقابل سراب حسبته الأمة تحضرا، و مقابل احتيال محتال وخديعة غلمان.. وكانت تستبدل ببيتها المكين.. بيت عنكبوت..
***
كيف نفصل بين المنهج و أدواته.. أو بين الخلفية النظرية وتطبيقاتها العملية..
دعنا نعود مرة أخرى إلى مثل الزوجة والعشيق والديوث..
فلا يفصل ما بين المنهج و آلاته إلا ديوث..
ولكى أضرب لك مثلا مباشرا فاجعا فدعنى أستشهد بهذه الفقرة من كتاب الدكتور عبد الوهاب المسيرى: سيرة غير ذاتية وغير موضوعية:
يقول الدكتور المسيرى:
"ويصل هذا الاتجاه الفني فيما يسمى " سنف موفيز" ولا أعرف ترجمة لهذه العبارة، ولكن لعل وصفها يعطي فكرة عن محتواها . وهي أفلام يختلط فيها العنف والجنس بطريقة متطرفة، وكثيرا ما تنتهي ببطلة الفيلم في حالة نشوة جنسية ويتم قتلها في اللحظة التي تقذف فيها . ومثل هذا المنظر يتكرر في الأفلام الإباحية "العادية" ، ولكن في السنف موفيز يتم الذبح بالفعل.
نعم تقتل بطلة الفيلم.
وكان يتم الإعلان عن الفيلم بعبارة "صور في أمريكا اللاتينية ، حيث العمالة رخيصة" . وكل لبيب متوحش بالإشارة يفهم.
ومخرجو مثل هذه الأفلام يدافعون عنها من منظور الإبداع والحرية والثورة . .إلخ وقد قام بعض المثقفين الليبراليين المدافعين عن حرية الرأي المطلق بمظاهرة ضد دور السينما التي تعرض مثل هذه الأفلام. ولكن جريدة وول ستريت جورنال قامت بتعنيفهم لموقفهم هذا ، وبينت لهم أن ما يحدث إنما هو نتيجة طبيعية للموقف النسبي المتسيب من الفن والجنس وإنكار الحدود باسم الحرية المطلقة والإبداع غير المتناهي!"..
انتهى الاستشهاد بالدكتور المسيرى..
فهل تمرض أيها القارئ الآن مثلى؟ وهل تفزع؟ وهل تجزع؟ وهل تتقيأ؟..
كان من أكثر ما آلمنى، فوق المرض، إحساس ذبيح بخيانة تلك الحثالة المنحطة من المثقفين الذين ينادون بالحداثة والنسبية ويعلون الحضارة الغربية وينتقدون الإسلام.. ويخدعوننا بانفصال المنهج عن أدواته وتطبيقاته.
رحت وفى قلبى ألم لا يوصف أتساءل: أهذا هو الدين الذي يريدون منا أن نجفف منابع الإسلام ونتبعه.. أهذه الحداثة هي مصدر زهوهم وتعاليهم وصلفهم وكبريائهم ونظرتهم إلينا بازدراء.. ازدراء شيطان كافر مجرم.. ازدراء كلب مسعور لا يهدأ حتى يعقر الآخرين لينقل المرض المميت إليهم..
أجل.. كلب مسعور..
كلب مسعور ليس له إلا ميزة واحدة.. أنهم في إمبراطورية الشيطان لا يدعون الإيمان.. وهم يروجون للكفر ويعترفون أنهم كفرة ملحدون.
وعلى هذا فإنهم أفضل من مثقفينا الحداثيين الذين يتبعون ذات الحداثة والنسبية والكفر لكنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان..
ملأني الإشفاق عليكم يا قراء.. إشفاق لحد الألم..
ملأني لأن تلك الخنازير المأجورة قد خدعتكم طويلا وغررت بكم طويلا.
والكاتب المثقف حقا، يجد أن من واجباته أن يكون عنصر توصيل جيد لقرائه، فهو ينقل لهم الفكر الأصعب بأسلوب أسهل كى يفهموه ويستوعبوه.. وهو قد يظل أعواما يكتب ويفكر كى يعطى لقرائه كتابا يقرؤونه في يوم أو بعض يوم.. وقد يظل يبحث بالأسابيع والشهور كى يلخص بحثه ذاك في مقال يقرأه القارئ في ساعة أو بعض ساعة..
الكاتب المثقف الحقيقي يفعل ذلك..
أما القارئ فهو يستأمن الكاتب على عقله.. و هذا أخطر من المريض الذي يستأمن الطبيب على جسده.. فإن خان الكاتب فإنه يصبح أشد سوءا من طبيب تأتمنه فينقل إليك المرض أو يسرق عضوا من أعضائك..
وهذا هو ما فعلته بنا النخب المثقفة المستغربة المأجورة..
الخنازير المأجورة..
أولئك الذين سوغوا لنا سب الذات الإلهية.. فكل شئ نسبى..
و أولئك الذين حالفوا أعداءنا علينا.. مقابل رشوة بالمال أو الشهرة أو اللذة..
وأولئك هم الذين راحوا يؤيدون أمريكا في حربها ضد الإسلام والمسلمين..
أولئك الذين عجزوا عن المواجهة فمارسوا الخداع حتى كاد الناس يصدقونهم ويعتقدون أن : "الحداثة من الإيمان" و"أن النسبية من الإسلام" وأن العلمانية " مذهب يجوز التعبد عليه"!!..
أولئك الذين عجزوا عن كشف خبيئة نفوسهم فرحوا يدسون أفكارهم النجسة في صفحات الصحف والمجلات وفى أفلام السينما ومسلسلات التلفاز وفى تغيير مناهج التعليم وفى الرقابة والحظر على خطباء المساجد كى لا يفضحوهم ويكشفوا أمرهم..
أشفقت عليكم يا قراء كثيرا.. ذاك الإشفاق المؤلم.. أشفقت عليكم.. على الألم والعناء الذي أصبح على القارئ أن يكابده حتى يطمئن أن الكاتب الذي يقرأ له ليس خنزيرا مأجورا، أشفقت على من يكابد منكم ليصل إلى الحقيقة بينما من استأمنه على الطريق يضلله..أشفقت على من يعانى حتى يطهر نفسه من دنس الخنزير المأجور.. و أشفقت أكثر على من يضلون الطريق فيخسرون الآخرة.
***
والحكاية طويلة ومريرة.. حاول الغرب طيلة الوقت تزويرها و إخفاءها.. لكنه يكرر نفس الأخطاء والجرائم خطأ بعد خطأ وجريمة بعد جريمة.. لذلك فإننا نستطيع رغم الكذب والتزوير والتشويه والتحريف أن نقرأ تاريخ الماضي فيما يحدث الآن..
فالغرب لم يتب عن جرائمه.. وهو يواصل عبادة الشيطان بهمة لا تعرف الكلل وبثأر لا يعرف الارتواء.. إن أمريكا التي قتلت الملايين لم تنس ثأر 18 أمريكيا قتلوا في الصومال.. قتلوا لأنهم اعتدوا وقتلوا مئات الصوماليين.. ونفس ما حدث مع العراق وأفغانستان يحدث مع أي بلد في العالم يجرؤ علي الاعتراض .. ونفس المنهج الشيطاني الذى فضل القتل علي الأسر يفضل أن يسحق عدوه ويدمره عن أن يقبل استسلامه أو انسحابه. لقد انسحبت العراق من الكويت منذ عشرة أعوام ومع ذلك لم يتوقف القصف والتدمير.
الخطأ الأمريكي القاتل أنه كشف عورة الحضارة الغربية القبيحة وبين كم هى هشة وخسيسة.. وهى لم تعاملنا بكل هذا الصلف والازدراء إلا لأننا نكصنا عن الجهاد فى سبيل الله وأن تكون مرجعيتنا هى الإسلام لا الأمم المتحدة.. وهى الحلال والحرام وليس المصلحة..
ولو لمس الغرب الصليبي من عالمنا الإسلامي استعدادا حقيقيا للمقاومة والحرب الحقيقية لتبدل الصلف إلى تزلف والازدراء إلى نفاق.. ولتسترجعوا ما حدث بعد حرب أكتوبر 73 .


"الساخر" : واخيراً كيف يمكن للمثقف العربي أن يعيش حالة التوافق المشروع والمنطقي بين التراث والعصر الذي يعيش فيه..؟؟
ليس ثمة مشكلة حقيقية في التوافق بين بين التراث والعصر.. لا توجد مشكلة على الإطلاق بل توجد علاقة كالعلاقة القائمة بين جذور الشجرة و ساقها و أغصانها وثمارها.. فالتراث ليس ضد المعاصرة.. نعم وهذه الثنائية البغيضة التى استدرجنا إليها المنافقون خاطئة وكاذبة..
ربطوا العلمانية بالعلم والربط خاطئ ويحمل نواياهم الخسيسة لخداع الأمة..
خلطوا مابين الحداثة والتحديث وذلك فجر وجرأة على الكذب لا تتصور.. فكلنا مع التحديث وكلنا ضد الحداثة..
التناقض الموهوم بين التراث والمعاصرة أيضا وهم خلقته الفئة الضالة..
هل حدث تناقض بين التراث وبين الدولة العباسية مثلا وهى التى قادت العلم في العالم قرونا..
هل حدث ذلك التناقض في الأندلس..
لماذا نتصور وجوده الآن إذن؟
هل تريد منى أن أجيب عليك؟
نعم.. حدث هذا التناقض لأن عبدة الشيطان خلقوه.. بل اختلقوه ليمزقوا عقولنا و أرواحنا.. إنهم لا يملون أبدا.. ويعيدون كل الحيل القديمة في أشكال جديدة.. وما هذه الحيلة إلا تكرار سخيف لثنائيتهم السابقة عن الصراع والتناقض بين الدين والعلم.
ولنعد إلى أصل الكلمات كي نكشف أكاذيبهم وزيفهم..
ماذا يعنون بالتراث؟..
التراث هو ثقافتنا عبر التاريخ.. هو القرآن والسنة النبوية الشريفة وتراث الفقهاء وهو الاكتشافات العلمية لأسلافنا..
والآن.. ماذا تعنى المعاصرة.. ؟..
هل تعنى مكارم الأخلاق والسمو الروحى وتهذيب النفس ونظافة الجسد وطهارة الروح؟
إذن لا تناقض..
هل تعنى حقوق الجار.. وحقوق البيئة.. والمجتمع وحقوق الآخرين؟..
إذن لاتناقض..
هل تعنى إعلاء قيم الحق والعدل والخير والجمال..
إذن لا تناقض..
هل تعنى تحديث كل مناحى الحياة من الإبرة إلى الصاروخ؟..
إذن لا تناقض..
هل تعنى الاستمتاع الحلال ..
إذن لا تناقض..
هل تعنى ارتداء أحدث الأزياء مادامت محتشمة وليس فيها تقليد أعمى للكافر..
إذن لا تناقض..
هل تعنى التقدم العلمى والتكنولوجى؟..
إذن لا تناقض..
هل تعنى الأسلحة النووية وعلوم الفضاء؟..
إذن لا تناقض..
فهل أدركتم يا قراء من أين يأتى التناقض..
التناقض يأتى من أن كلاب جهنم هؤلاء عندما يقصدون المعاصرة لا يقصدون أيا من ذلك.. بل يقصدون العلمانية والعولمة والحداثة واللذة وتعهير المرأة.. يقصدون الديموقراطية التى تبيح اللواط إذا ما وافق مجلس الشيوخ عليه.. يقصدون تجاربهم الفاشلة ونظرياتهم الفاسدة بداية من وهم الليبرالية الذي أشاعته أعتى الدول الاستعمارية ( هل تلاحظون التناقض) إلى الدارونية إلى الماركسية.. إلى.. إلى..
وبهذا المفهوم فإننا نعترف بوجود تناقض كامل وشامل بين مفهومنا ومفهومهم..
نعم .. تناقض شامل.. لا بد أن ينتج عنه صدام مروع..
والحقيقة أن الغرب ليس أمامه مجال للاختيار.. فنفس الحتمية التي تحتم علينا جهاده تحتم عليه أن يحاربنا.. ففي العقيدة الإسلامية.. العقيدة الإسلامية فقط .. نفي لكل مقولات الغرب الحضارية.. نفي كامل لأسس حضارة تحاول أن تحول الإنسان إلي حيوان والعالم إلي غابة..
نعم ..
العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية كالعلاقة بين النور والظلام.. لايمكن لهما أن يتواجدا معا .. ولابد لأحدهما من الغلبة علي الآخر.. وصراع الحضارات قائم وكل من ينكره إما ساذج و إما متواطئ. إلا أن غلبة الإسلام تحمل معها حضارته التي حافظت على الآخر دائما بل ودافعت عن عقيدته. أم الغرب.. فلا يعرف إلا التبعية الكاملة أو التدمير الكامل.
نحن لا ننكر مكان الغرب ولا مكانته ولا مساهمته.. لكن عليه أن يعود لحجمه الطبيعي، وليس أكثر منه.
إن غلبة النور علي الظلام تحكمها نواميس الله لذلك فهي لا تعني إلا كشف تزويره للحقائق وطمسه للأشياء ثم يدع الأحياء لاختياراتهم.. ولجهادهم الذي يتركز لا في الاستعمار ولا في الإبادة بل في أن يخلوا ما بين العباد وما بين الله..
أما قضاء الظلام علي النور فلا يحكمها إلا المعايير المزدوجة للعقل النفعي البراجماتي .. لذلك فإنه لا يمكن أن يتم إلا باستئصال جذوة هذا النور وتجفيف منابعه.. فإن كانت قلوب المسلمين المؤمنين هي مكمن الجذوة ومنبع النور فلابد إذن للغرب من القضاء عليهم.. علي الأشياء والأحياء جميعا.. وهو برغم الخلل الصارخ في ميزان القوي لصالح الغرب أمر يستحيل علي الغرب إنجازه.. وهذا العجز هو بذاته ما يحمل أكثر من أي شئ آخر بذور انهيار حضارة الغرب المزيفة.
نعم..
ما أريد أن أقوله للقراء في نهاية هذا الحديث أن انتصارنا على الغرب حتمى حتمية التاريخ.. حتمية انتصار الخير على الشر.. بل حتمية القدر الإلهى الموعود.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق