الجمعة، 15 فبراير 2019

قراءة في كتاب يسمعون حسيسها


رواية  :يسمعون حسيسها
الكاتب : أيمن العتوم
 دار النشر : المؤسسة العربية للدراسات و النشر
 عدد الصفحات : 365
 سنة إصداره : 2012
 اللغة : العربية
نبذةعن الروايَّة: “يسمعون حسيسها “، ثاني تجارب أيمن العتُّوم الروائيَّة في أدب السجون. تحكي قصَّة الطبيب السوري- إيَّاد أسعد – و الذي تمَّ إعتقاله من قبل السلطات السوريَّة قي أوائل ثمانينات القرن الماضي، ليسجَن في فرع الخطيب بدمشق و منه إلى سجن تدمر، و من هناك يروي الطبيب بقلم أيمن العتُّوم ما عايشه وشهِده من وحشيةٍ وأساليب تعذيب لا تخطر على بال مايدفعنا للتساؤل أسجن هذا أم جحيم؟ سجن كان الموت أهم سِماته و العذاب أنيس أيَّامه و آهات المساجين دليل الحياة الوحيدِ فيه.ينقل لنا الكاتب على لسان الدكتور إيَّاد حالات الرعب، الجنون، الموت والعذاب التي كان شاهدا عليها والتي طالت ما يفوق العشرين ألفََا من المساجين، لقي عدد كبير منهم حتفهم سواءا بمرض استفحل بهم، أو بعذاب صعُب على أجساد أنهكها الجوع احتماله، أو حتى انتحارا هربا من الموت، بالموت. بين سطور هذه الرواية نشهد صراعا حاميا بين الصمود والانهيار، بين المقاومة وتأخير موعد الموت المحتوم الى حين أو الاستسلام المبكر له لكن الصراع الأكثر شراسة كان ذلك الذي يحدث داخلا، صراع المعتقدات و الأفكار، صراع التسليم أو الرفض، صراع احتدام الشك والأزمات الأنطولوجية نتيجة سوء ما آل اليه وضع المساجين. .رواية تحمل كمية عذاب ووحشية بين طياتها تفوق المتوقع ولذلك لاينصح بها للجميع، الرواية تدفعنا للتفكير في إنسانيتنا من جديد، هل يمكن ان تتجذر فينا تلك القسوة؟ وهل يمكن أن نفقد إنسانيتنا، لتُصيِّرنا وحوشا لا بشرا؟.


"يسمعون حسيسها".. جحيم الطغاة على الأرض 

قراءة أحمد الشريقي

هي جهنم إذن التي يمكن أن تتخيلها فقط عندما تقرأ رواية عنوانها "يسمعون حسيسها" للروائي الأردني أيمن العتوم، تتحسس مواطنها وتصف جحيمها الأرضي وتلسعك نيرانها وعذاباتها.
 
وتكاد تنصرف عن الجحيم الذي لا يحرق المعتقلين في أقبية طغاة سوريا بل يحرقك أنت أيضا باعتبارها مخيلة روائي، لولا أن السارد يذكرك أن لا مساحة للمخيلة في الرواية، فهي حقيقية.
لا شيء يفعله العتوم الذي يصوغ شهادة الطبيب إياد سعد (السارد) رواية سوى حثّ اللغة لتقارب حجم المأساة، وهو يفعل ذلك باقتدار وفي تحد يواجهه بوعي، فلا تتحول الشهادة (الرواية) تقريرا صحفيا، بل عملا أدبيا إبداعيا لا تخييل فيه إلا ما تسمح به لغة تتسع مرونة مفرداتها، وسعة المعجم اللغوي للروائي، والاقتراب من المكون الثقافي للشاهد؛ للمجاورة بين شهادة حية وأدب لا يخدش الوقائع بل يكثفها.
في إشارة أولى للسارد يلفت إلى صحة وصدق ما يرويه عن الجحيم الأرضي في معتقلات سوريا، وتحديدا المهجعين (27 و35) في سجن تدمر، داعيا إلى إكمال صفحات الحكاية "ليس من أجلنا نحن الذين خرجنا أحياء من تلك المقابر، بل من أجل الذين قضوا شهداء وهم بعشرات الألوف إن لم يكن بالمئات".
"
لا شيء يفعله العتوم الذي يصوغ شهادة الطبيب إياد سعد(السارد) رواية سوى حث اللغة لتقارب حجم المأساة، وهو يفعل ذلك باقتدار، في تحد يواجهه بوعي
"
شياطين الأرض
في المهاجع تلك تناوب مئات الآلاف على ارتيادها في العامين 80 و81، وفي الساحات نزع فروات رؤوس المعتقلين، وإعدام الكثير، شنقا ورميا بالرصاص وتحت وطأة الخوازيق التي تنتهك الكرامة البشرية أولا وتزهق الروح معها.
هذه لوحة من لوحات التعذيب التي تحتشد بها الرواية: "أشار المحقق للجلادين أحنى أحدهم ظهر السجين وعراه تماما، وأمسك اثنان برجليه وثبتاهما جيدا، وجاء الرابع ليستلم الخازوق من المحقق، وضعه في دبر السجين وراح يضغط ببطء. ارتفعت صرخة السجين وراح جسده ينتفض، وتابع الجلاد إدخال الخازوق. صار الخازوق المميت في جزئه الخشن داخل دبر السجين، فعَلَت صرخاته واستغاثاته حتى بلغت عنان السماء، شعر الجلادون بالانتشاء علا الصياح أكثر، صار يسترحم.
دفع الجلاد الخازوق بكل ما يملك من قوة وارتفعت صرخة التقاط ملك الموت من فم السجين، خار السجين وهو ينطفئ بسرعة، ثم أسلم الذبيح روحه إلى بارئها".
تلك لوحة من لوحات العذاب ليست الأقسى، فصنوف الجحيم تزدحم بها الرواية التي تقدم مشاهد تعذيب لا يكاد يحتملها البشر، وجهنم أيضا لا تتفتق إلا عن مخيلة شياطين الأرض، وفي روايات وحكايات سعد استجلاء لروح الجلادين الذين يصبح التلذذ بآلام البشر صنعة وحرفة لهم، كلها بتوجيهات السيد الرئيس صانع جهنم الأرضية ومبدعها.
"
رواية العتوم إضافة جديدة وضوء على عتمات السجون في تاريخ سوريا، تضاف إلى عمل مصطفى خليفة "القوقعة" وشهادات فرج بيرقدار وياسين الحاج صالح وغيرهم عن ظلمات السجن وبشاعة المستبد
"
عتمات السجون
بيد أنه في خضم التعذيب تشرق حكايات ومفارقات عن السجناء واحتيالهم على حياتهم القاسية، ولوحات تفيض بها أقبية المعتقلات، فهذا قسطنطين المسيحي يتولى في السجن تحفيظ معتقلين مسلمين القرآن، ويتحفهم بعيون الشعر العربي، غير أنه يقضي بسبب سوء المعاملة بمرض التيفوئيد.
17 عاما قضاها سعد وكثير من رفاقه في المعتقل بشبهة تهمة انتماء إلى الإخوان المسلمين، كان قد قضى شطر حياته الأولى يتلقى تعنيفا أبويا ليصبح طبيبا، وترك وراءه وقد اعتقل ابنة لم يرها إلا وقد أصبحت صبية، وطفلا كبر أثناء غيابه في المعتقل وأصبح مؤذنا.
وربما كان لقاء سعد بطفله وابنته وزوجته في خاتمة الرواية هو ما يريح القارئ من أن كوة الحرية تنفتح أخيرا رغم العذابات الطويلة.
رواية العتوم إضافة جديدة وضوء على عتمات السجون في تاريخ سوريا، تضاف إلى عمل مصطفى خليفة "القوقعة" و"الورطة" لشريف الراس وشهادات فرج بيرقدار وياسين الحاج صالح وغيرهم عن ظلمات السجن وبشاعة المستبد.



قراءة اونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق