الاثنين، 18 فبراير 2019

جولة في ذاكرة طفل مسلم


جولة في ذاكرة طفل مسلم


عبدالرحمن العشماوي

في يدي اليسرى قلم 
لا تظنوا أن في اليمنى كتابا 
في يدي اليسرى قلم 
لا تظنوا أن في اليمنى كتابا 
ليس لي يمنى 
فقد حولها الرشاش أشلاء وشلالات دم 
ليس لي يمنى يد كلا ولا يمنى قدم 
فصلتها عن بقايا جسدي غارات أعداء القيم 
في يدي اليسرى قلم 
كلما سطرت حرفا نزف الحرف وغطاه الألم 
كلما صغت نشيدا سأم اللحن وجافاه النغم 

كان لي بيت جميل في سراييفو 
وكانت لي حقيبة 
كنت استقبل فجري ضاحكا 
أغشى دروبه
تصنع الإفطار لي أمي الحبيبة

كنت والآن تولاني الضجر
والأسى في خاطري نار تلظى وشرر
أين أهلي أين أخواني الصغار 
واحد منهم رآه الفجر مقتولا على أنقاض دار 
وأخ ثان رآه الليل في أشداق نار 
ثالث الاخوة طار 
رابع الاخوة أخفاه الغبار
خامس بل عاشر 
بل ألف طفل شربوا كأس الدمار 

أنا لا أذكر بدأ الحادثة
أنا لا أذكر من أين أتتنا الكارثة 

كل ما أذكره أنا سهرنا ضاحكين
لم يكدر صفونا إلا صياح الجائعين
كانت الشاشة تستعرض آلاف الضحايا النازحين 
ساد صمت حين شاهدنا المآسي وبقينا واجمين 
لحظه مرت من الحزن نسيناها وقمنا ضاحكين 
وكأنا ما رأينا نظرات البائسين 
وسمعنا بعدها أغنية تحمل زيف المدعين 
ثم نمنا هادئين 
كل ما أذكره أن صحونا خائفين 

ما الذي يجري هنا ما سر هذي الجلجلة 
ما الذي يجري وثارت قنبلة 
ما الذي يجري هنا واهتزت الدار وثارت مقتلة 
وابتدأنا الهرولة 

ما الذي يجري هنا
واهتز رشاش وأعطانا الخبر 
هاهنا الموت لكم أين المفر 

أيها القاتل مهلا نحن أطفال صغار 
قهقه الصربي في غيض وثار 
أنتم اليوم صغار وغدا أنتم كبار 
أيها القاتل مهلا فتمطى واستدار 
وفررنا آه لو يجدي الفرار 

أين أمي ؟؟ لا جواب 
أين أختي ؟؟ لا جواب 
أين إخواني ؟؟ أبي ؟؟ أين الصحاب 
أين داري ؟؟ لا جواب

كل ما أذكره أنا نزحنا هاربين وغدونا لاجئين 
ورأينا شاشة التلفاز تروي قصة الجرح الدفين 
سيرانا الناس يبكون علينا يحزنون 
ثم ينسون الذي يجري لنا ينشغلون 
مثلما كنا نرى في شاشة التلفاز ألوان الجراح 
في ربا القدس ويافا والبطاح 
ثم ننساها إذا جاء الصباح 

في يدي اليسرى قلم 
أعطني الفرصة كي اكتب شيئا يا طبيب 
ربما ارسم وجها للصليب 
ربما أكتب شيئا عن أسى قلبي الحزين 
ربما أكتب ما يحيي موات المسلمين 
ربما أخرج من دائرة الصمت خيول الفاتحين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق