الأحد، 24 فبراير 2019

أوقفوا الإعدامات واحذروا لعنة الدم

أوقفوا الإعدامات واحذروا لعنة الدم

 هذه الإعدامات الجائرة ضد شباب بريء عنوان مرحلة مظلمة من تاريخ مصر،                     تعكس روح عدوانية ثأرية لا تليق بدولة عريقة   
                

عامر عبد المنعم
يُخطئ من يظن أن قتل المعارضين يجلب الاستقرار لحاكم، فإراقة الدم تفتح أبواب الفتن وتُشعل النيران، بل تكشف تجارب التاريخ أن المقاصل تنقلب على من بدؤوا باستخدامها، وتدور الدوائر على من يظنون أن القوة بيدهم، فالأيام دول، والسلطة لا تدوم لأحد.
هذه الإعدامات الجائرة ضد شباب بريء عنوان مرحلة مظلمة من تاريخ مصر، تعكس روح عدوانية ثأرية لا تليق بدولة عريقة علمت العالم معنى الحضارة، وتسيء إلى بلد مسلم المفروض أنه يعتنق الدين الإسلامي الذي يحرم قتل النفس وسفك الدماء.
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد هناك أسرار، ولم تعد المحاكمات بعيدة عن عيون الناس، فالحقائق منشورة، والاتهامات الملفقة مكشوفة، وأصبح الوعي الجمعي يصعب التحايل عليه، وليس سهلا تضليله وإقناعه بغير الحقيقة.
القصص التي نقرأها في أوراق القضايا تشير إلى انتهاكات صارخة، ومع هذا كنا نظن أن الأحكام القاسية ضد آلاف المصريين، وخاصة الإعدامات، مجرد تهديد وتخويف فقط لفترة مؤقتة، لمنع الناس من الاعتراض والتمرد والثورة .. 
لكن إعدام الشباب وقتل المختفين قسريا، واستمرار التعذيب والانتهاكات داخل السجون، والتنكيل بأهالي السجناء والمعتقلين يؤكد أن سياسة الحكم الحالي تهدف إلى تعميق الانقسام في المجتمع وتدمير السلم الأهلي وإشعال فتيل الحرب الأهلية.

التوسع في سفك الدم
منذ مذبحة رابعة وقتل المتظاهرين لاحظنا في السنوات الأخيرة اتساع دائرة التصفيات الجسدية للمعارضين بطرق شتى، ولم يقتصر الأمر على محاكمات تتسم بعدم توافر أسباب العدالة، وإنما هناك عمليات قتل بالجملة في السر بتهمة الانضمام لجماعات تكفيرية وإرهابية ..
ولا نعلم عن الضحايا شيئا إلا ما يتم الإعلان عنه رسميا، وغالبا لا تنشر أسماء القتلى ولا صور وجوههم للتعرف عليهم، ولا تسلم الجثامين إلى ذويهم، أي يتم دفنهم سرا، وهذه التصفيات تطرح أسئلة مخيفة حول حقوق المواطن المقتول، وحق أهله في دفن جثته، وتضييع حقوق دينية وأسرية ومجتمعية مترتبة على الوفاة.
أيضا كثيرا ما يتم الإعلان عن قصف آلاف السيارات على الحدود واتهام ركابها بأنهم يهربون أسلحة، ولا نعرف هوية الذين قتلوا وتفحمت جثثهم، وهل فعلا كانوا يحملون أسلحة أم لا؟ وهل يحترفون التهريب؟ وهل عقوبة التهريب أيا كانت المهربات هي القتل والحرق في الصحراء؟ وهل كان ركاب هذه السيارات أجانب أم مصريين يعملون في دول الجوار يعودون إلى أهلهم بهذه الطريقة الخطرة لأسباب لا نعلمها؟
كذلك هناك أسئلة مشروعة –مسكوت عنها- حول ما يتم بثه من عمليات القصف الجوي للمنازل والبيوت في سيناء بالطائرات، ويكون التبرير الدائم أنها مخازن أسلحة، وكأننا أمام جيوش نظامية في دولة أخرى لديها معدات ثقيلة، وليست مناطق مصرية خاضعة لسيطرة الدولة، عامرة بالسكان ويعيش بها نساء وأطفال!
حرب الإرهاب وتدمير الذات
لم نعد نرى برنامجا تنمويا لمحاربة الفقر ينقذ الشعب من المجاعة الزاحفة، ولا نرى حرصا على التهدئة رغم حالة الاستسلام الشعبي، وإنما نرى حرق المراكب والاندفاع في طريق سوداوي حيث الانسداد السياسي والقمع ومصادرة الحريات، وأصبح الشغل الشاغل هو حشد كل أجهزة الدولة ضد عدو وهمي اسمه "الإرهاب" في حرب أبدية ليس لها نهاية، وهي أغرب حرب في تاريخ البشرية لأن شروط الحرب لا تتوفر فيها.
في الحرب على الإرهاب لا نعرف من هو العدو بالضبط، ولا نعرف ما هو الحيز المكاني الذي يوجد به حتى أصبحنا نسمع أن العدو بيننا ووسطنا وداخلنا وفي كل مكان؟، وهذا توصيف غريب وكأن هذه الحرب ضد الهواء الذي نتنفسه.
ولأن السؤال عن العدو ليس له إجابة أدخلوا الشعب كله في دائرة الاشتباه، وبعد أن كانوا يتحدثون عن المسلحين الذين يستخدمون العنف كوسيلة للتعبير عن الرأي، وسعوا الاتهام ليشمل المتطرفين والمتشددين، وهي أوصاف تشمل كل الشعب، فالتطرف والتشدد نسبي، والتدين بشكل عام محمود يحفظ تماسك المجتمعات ولا يضرها، وليس جريمة.
لقد أصبح التدين اليوم كله تطرفا؛ بل أصبح الاتهام موجها لكل المسلمين واتهامهم بأنهم يشكلون خطرا على العالم كله، ويقال هذا الاتهام لديننا في مؤتمرات دولية، وكأن الثوابت انقلبت، وكأننا عدنا إلى ما قبل الإسلام.
أيضا لا توجد حرب أبدية بدون تحديد المدة الزمنية لانتهائها، وما يُعلن عن أن الهدف هو القضاء على الإرهاب مجرد كلام خيالي ليس له أي معنى، فطالما غير معروف ما هو الإرهاب فهم كمن يمزق جسده بالسكين ويقطع شرايينه زاعما أنه يطارد فيروسات محتملة تختبيء في عروقه.
لا توجد حرب بلا هدف واضح محدد، يركز المجهود الحربي لتحقيقه ثم التوقف بعد انتهاء المهمة، فبينما في هذه الحرب الخيالية كان الهدف الأول هو القضاء على العنف المسلح وقتل المسلحين، تغير بعد ذلك إلى القضاء على التطرف والتشدد، ثم أصبح اليوم تغيير الخطاب الديني وتغيير شكل الإسلام، أي إننا أمام حرب سرمدية حتى آخر مواطن مصري!
تدمير الذات!
في أي دولة في العالم تقوم المؤسسات الحاكمة بمراجعة سياساتها وتقييم الحروب التي تستنزفها، فليس من مصلحة أي نظام تدمير الذات في حرب على النحو الذي نراه، فالطبول التي تقرع الآن ليست ضد عدو خارجي، وإنما لإدخالنا في دوامة يعادي فيها الأخ أخيه، ويذهب فيها ضحايا من أبنائنا، سواء الجنود أو المواطنين، ولا منتصر فيها، فالكل مهزوم، واستمرارها يعني الانتحار. 
سفك الدم وصفة خراب، وهذه الحرب التي تتسع يوما بعد يوم تخدم استراتيجيات خارجية، ليس فيها أي مصلحة وطنية، وعلينا أن ننتبه إلى أن استمرار الصراع الداخلي سلاح العدو لتدميرنا، ولن نضيف جديدا عندما نقول أن الدوائر الصهيونية هي التي تغذي روح الانتقام لاختراع معارك من داخل معارك للإجهاز على مصر دولة ومجتمع لصالح "إسرائيل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق