من يداوي الجراح بعدك يا رفيدة؟
2 ذو الحجة 1434
2013-10-07
عندما أبصرت النور في بيت شعّ إيماناً ونوراً، اختار لها أبوها اسماً جميلاً آملاً أن تحمله ابنته كي تجدد سيرة صاحبة الاسم في الزمن الأجمل.. الصحابية الجليلة رفيدة بنت سعد الأسلمية الأنصارية.. والاسم مشتق من الرفادة وهي الإعانة والعطاء..
إنها أول ممرضة في الإسلام، وكانت خيمتها قائمة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت بحق مديرة المستشفى الميداني النبوي.. بان ذلك جلياً عندما أصيب الصحابي الجليل سعد بن معاذ في غزوة الأحزاب فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق، رماه رجل من قريش في الأكحل (كوع اليد أو الوريد المتوسط في اليد) فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم رفيدة أن تقيم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، قال ابن إسحاق في السيرة: كان رسول الله قد جعل ابن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مجلسه. كانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضبعة (جرح أو مرض) من المسلمين. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال للقوم حين أصابه السهم بالخندق “اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب”.
وينقل أحمد شوكت في كتابه تاريخ الطب وآدابه وأعلامه أن رفيدة كانت طبيبة متميزة، ولذلك اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم لتقوم بالعمل في خيمة متنقلة، وكانت معروفة بمهارتها في الطب والعقاقير والأدوية وتصنيعها، والجروح وتضميدها والكسور وتجبيرها.
أما النفقات والمصروفات فقد كانت من مالها الخاص وجهدها الذاتي، لا تأخذ على ذلك أجراً أو عوضاً، بل كانت تنفق وتبتغي الأجر من الله تعالى.
كانت تخرج في الغزوات وتنقل معها خيمتها وكل أدواتها فوق ظهور الجمال ثم تقيمها بإزاء معسكر المسلمين ومعها الصحابيات الفضليات لأن هذا العمل يحتاج الى يد حانية وقلب عطوف وكلمة مشجعة.
وفي غزوة خيبر وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم يتأهب للزحف جاءت رفيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس فريق كبير من نساء الصحابة قامت رفيدة بتدريبهن على فنون الإسعاف والتمريض، فاستأذنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قائلات: "يا رسول الله أردنا أن نخرج معك.. فنداوي الجرحى ونعين المسلمين ما استطعنا" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لهن: "على بركة الله".
وفي هذه الغزوة أبلين بلاء حسنا وقمن بجهد عظيم مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لرفيدة من الغنائم بسهم (حصة) رجل شأنها في ذلك شأن الجندي المقاتل.
تلك هي الصحابية الجليلة الطبيبة الصيدلانية الممرضة المجبرة "رفيدة" رضي الله عنها..
ومع حاجتنا لتجديد سيرتها العطرة ولهفتنا على رؤية جيل من الفتيات اللاتي يقتفين أثرها ويتجهزن للحاق بغزوة خيبر الآخرة التي تتهيأ الأمة لخوضها ضد أحفاد حيي بن أخطب وسلام بن مشكم الذين يدنسون الأرض المقدسة ويعيثون فيها فساداً وإفساداً ويحرمون الأمة من مسجدها الأقصى المبارك ويزلزلوا أركانه طمعاً في إقامة هيكلهم الزائف المزعوم..
في هذا الوقت الذي نهش ونبش لكل فتاة صانت نفسها عن سفاسف الأمور واختطت لنفسها نهجاً رصيناً يبعدها عن حمأة السقوط في براثن الإعلام المضلل بشهواته وشبهاته، فإن خبر ارتقاء الطالبة بكلية الصيدلة رفيدة سيف شهيدة إلى ربها برصاصات الغدر لا يمكن أن يمر علينا مرور الكرام..
إنها رفيدة التي كتبت بأحرف من نور: " ليتني أسمع آخر رصاصة في بلدي حتى وإن كانت في جسدي!!" وبكلمات تذكرنا بسيرة سلفنا الصالح وأحوالهم الإيمانية تكتب مناجية ربها: " اللهم إن كنت أهلا لجنتك . . فــ اكتبلي شهادة ألقاك بها"..
صدقت الله فصدقها واختارها شهيدة في خير الأيام وأعظمها حرمة عند الله تعالى.. فاللهم تقبلها واغفر لها واعف عنها وأرها مقعدها في الجنة مع النبيين والشهداء والصديقين واربط على قلوب أهلها ومحبيها واجعلها آخر الرصاصات المجنونة التي ضلت طريقها فأحالت الأرض الآمنة المطمئنة غابة يسكنها الخوف والرعب والهلع..
رحلت رفيدة ونحن بأمس الحاجة إلى من يطبب الجراح المثخنة ويداوي العلل المقرحة.. فسلام عليها وعلى روحها في عليين وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق