المفتي السابق إذ يدعو إلى الضرب في المليان!
ياسر الزعاترة
ليس من المستبعد أن يكون تسريب الفيديو الذي تحدث فيه المفتي السابق علي جمعة إلى حشد من الأمنيين والعسكريين, يتصدرهم السيسي ووزير الداخلية, قد تم بشكل مقصود، ولكي يجري بعد ذلك التخلص من الرجل, ونسبة ذلك إلى القوى الإسلامية الرافضة للانقلاب العسكري، وفي مقدمتها الإخوان.
غير أن ذلك لا ينبغي أن يلفت الانتباه عن ذلك المستوى من الابتذال الذي بلغه الرجل في حديثه عن فئة معتبرة من المجتمع المصري؛ ليس بعيدا ذلك اليوم الذي حصلت فيه على ما يقرب من نصف أصوات الناس، وفاز أحد أبنائها برئاسة الجمهورية في انتخابات حرة ونزيهة.
والنتيجة أنه لم يكن يتحدث عن فئة هامشية خرجت على المجتمع كحال الخوارج (في القرن الأول الهجري) الذين استشهد بهم، ويُستشهد بهم كثيرا من قبل أبواق الأنظمة في معرض تبرير القمع وانتهاك الحريات، وإنما عن فئة لها حضورها وتاريخها الوسطي المعروف في التعامل مع المجتمع بكل ألوانه.
ليس من المناسب الدخول في حوار فكري مع ما قاله الرجل أمام ذلك الحشد من العسكريين والأمنيين، فهو من السخف بحيث لا يستحق النقاش، لكن المهم في السياق هو ذلك الاستخدام المبتذل للدين ولكلام الله ورسوله في معرض التحريض على قتل فئة معتبرة من المجتمع (بعد تكفيرهم بوصمهم بالخوارج)، لا لشيء إلا لأنها خرجت تحتج ضد انقلاب عسكري على إرادتها.
والحال أنه حتى لو كان الانقلاب شرعيا، ومرسي غير شرعي، فإن الدعوة إلى الضرب في المليان وتوجيه الرصاص إلى صدور العزل هو تحريض على القتل، وهذا الشريط كفيل وحده بجلب المعني إلى المحاكم الدولية بتهمة المشاركة في القتل، وفي ظني أن ذلك سيحدث من قبل البعض.
دعك بعد ذلك من الابتذال في الحديث عن فئة لها حضورها في المجتمع بالقول إن «ريحتهم نتنة»، فهذا كلام مدجج بالعنصرية المقيتة التي لا تليق بأولاد الشوارع، فضلا عن أن تصدر من شيخ كان في موقع مفتي البلاد.
هنا تحضرنا نقطتان، الأولى هي الاستخدام السياسي للدين من قبل من يرفضون ما يسمونه استخدام الدين في السياسة، فالمحاضرة كانت من أجل منح ضباط الجيش والأمن رخصة للقتل باسم الدين، من دون أن يشعر أحدهم بتأنيب الضمير، مع أنني أكاد أجزم أن غالبية الحضور كانوا يزدرون في داخلهم ما يسمعون، وكذلك المحاضر، لاسيَّما أن مستوى البؤس في الخطاب كان أكثر بكثير مما يمكن أن يتخيله أي إنسان.
أما النقطة الأخرى فتتمثل في السقوط الذي يبلغه بعض المشايخ حين يقتربون من السلطة، ويجلسون في حضنها، فهذا الرجل (علي جمعة) كان يُعد من الفقهاء المعتبرين حتى مطلع الألفية الجديدة، لكنه ما إن اقترب من الدوائر الرسمية حتى بدأ يتورط تباعا في مواقف بائسة.
ولعلنا نتذكر هنا حكاية الاحتفال بعيد ميلاده في أحد نوادي الليونز «الماسونية» مطلع أبريل من عام 2009، عندما غنى له الحضور «هابي بيرث دي تو يو يا مفتي»، الأمر الذي كان مثار سخرية الناس في ذلك الوقت، ثم بعد ذلك زيارته التطبيعية إلى القدس بدعوى الصلاة في المسجد الأقصى.
لم يكن علي جمعة هو أول الساقطين في امتحان اقتراب العلماء من ميدان السلطة السياسية، فقبله أعداد لا تحصى من هؤلاء الذين استخدمهم الحكام في سياق تثبيت حكمهم، وتبرير قمعهم وفسادهم، ولعل ذلك هو ما كان يدفع علماء تاريخنا إلى الابتعاد عن السلطة السياسية، والإصرار على الاستقلالية، وهو ما حفظ لهم قيمتهم في وعي الأمة، كما أسهم في الحفاظ على هيبة الدين أيضا، لأن فساد الأمراء والعلماء معا مهلكة للأمة، الأمر الذي يختلف حين يتبقى منهم «أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض».
من هنا كان كبار العلماء قديما يرفضون المناصب الرسمية على أهميتها، كما فعل الإمام أبوحنيفة عندما رفض منصب قاضي القضاة عند أبي جعفر المنصور فعذب وسجن، وقد كانت النتيجة أن كسبنا عالما كبيرا هو صاحب أكبر مذهب من حيث الانتشار في تاريخ الأمة، ولو مضى في الاتجاه الآخر، لما غيّر كثيرا في المشهد القائم وقتها، لأنه مشهد يحدده «ولي الأمر»، وليس الموظف مهما علت مرتبته، حتى لو كان لهذا الأخير شيء من التأثير في جوانب معينة.
محاضرة علي جمعة، وفي زمن الصورة الفاضح ستبقى شاهدا تاريخيا على سقوط العلماء في وحل السياسة، بل في أسوأ مستويات التحريض على القتل بدعوى الحفاظ على أمن الأوطان، لكأن الأوطان تبنى بقتل أبنائها واستباحة دمائهم، فضلا عن أين يكونوا من خيرة أبنائهم الذين حصلوا على ثقة الناس طوال عقود في جولات انتخابية بلا حصر، وفي سائر الميادين.
والنتيجة أنه لم يكن يتحدث عن فئة هامشية خرجت على المجتمع كحال الخوارج (في القرن الأول الهجري) الذين استشهد بهم، ويُستشهد بهم كثيرا من قبل أبواق الأنظمة في معرض تبرير القمع وانتهاك الحريات، وإنما عن فئة لها حضورها وتاريخها الوسطي المعروف في التعامل مع المجتمع بكل ألوانه.
ليس من المناسب الدخول في حوار فكري مع ما قاله الرجل أمام ذلك الحشد من العسكريين والأمنيين، فهو من السخف بحيث لا يستحق النقاش، لكن المهم في السياق هو ذلك الاستخدام المبتذل للدين ولكلام الله ورسوله في معرض التحريض على قتل فئة معتبرة من المجتمع (بعد تكفيرهم بوصمهم بالخوارج)، لا لشيء إلا لأنها خرجت تحتج ضد انقلاب عسكري على إرادتها.
والحال أنه حتى لو كان الانقلاب شرعيا، ومرسي غير شرعي، فإن الدعوة إلى الضرب في المليان وتوجيه الرصاص إلى صدور العزل هو تحريض على القتل، وهذا الشريط كفيل وحده بجلب المعني إلى المحاكم الدولية بتهمة المشاركة في القتل، وفي ظني أن ذلك سيحدث من قبل البعض.
دعك بعد ذلك من الابتذال في الحديث عن فئة لها حضورها في المجتمع بالقول إن «ريحتهم نتنة»، فهذا كلام مدجج بالعنصرية المقيتة التي لا تليق بأولاد الشوارع، فضلا عن أن تصدر من شيخ كان في موقع مفتي البلاد.
هنا تحضرنا نقطتان، الأولى هي الاستخدام السياسي للدين من قبل من يرفضون ما يسمونه استخدام الدين في السياسة، فالمحاضرة كانت من أجل منح ضباط الجيش والأمن رخصة للقتل باسم الدين، من دون أن يشعر أحدهم بتأنيب الضمير، مع أنني أكاد أجزم أن غالبية الحضور كانوا يزدرون في داخلهم ما يسمعون، وكذلك المحاضر، لاسيَّما أن مستوى البؤس في الخطاب كان أكثر بكثير مما يمكن أن يتخيله أي إنسان.
أما النقطة الأخرى فتتمثل في السقوط الذي يبلغه بعض المشايخ حين يقتربون من السلطة، ويجلسون في حضنها، فهذا الرجل (علي جمعة) كان يُعد من الفقهاء المعتبرين حتى مطلع الألفية الجديدة، لكنه ما إن اقترب من الدوائر الرسمية حتى بدأ يتورط تباعا في مواقف بائسة.
ولعلنا نتذكر هنا حكاية الاحتفال بعيد ميلاده في أحد نوادي الليونز «الماسونية» مطلع أبريل من عام 2009، عندما غنى له الحضور «هابي بيرث دي تو يو يا مفتي»، الأمر الذي كان مثار سخرية الناس في ذلك الوقت، ثم بعد ذلك زيارته التطبيعية إلى القدس بدعوى الصلاة في المسجد الأقصى.
لم يكن علي جمعة هو أول الساقطين في امتحان اقتراب العلماء من ميدان السلطة السياسية، فقبله أعداد لا تحصى من هؤلاء الذين استخدمهم الحكام في سياق تثبيت حكمهم، وتبرير قمعهم وفسادهم، ولعل ذلك هو ما كان يدفع علماء تاريخنا إلى الابتعاد عن السلطة السياسية، والإصرار على الاستقلالية، وهو ما حفظ لهم قيمتهم في وعي الأمة، كما أسهم في الحفاظ على هيبة الدين أيضا، لأن فساد الأمراء والعلماء معا مهلكة للأمة، الأمر الذي يختلف حين يتبقى منهم «أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض».
من هنا كان كبار العلماء قديما يرفضون المناصب الرسمية على أهميتها، كما فعل الإمام أبوحنيفة عندما رفض منصب قاضي القضاة عند أبي جعفر المنصور فعذب وسجن، وقد كانت النتيجة أن كسبنا عالما كبيرا هو صاحب أكبر مذهب من حيث الانتشار في تاريخ الأمة، ولو مضى في الاتجاه الآخر، لما غيّر كثيرا في المشهد القائم وقتها، لأنه مشهد يحدده «ولي الأمر»، وليس الموظف مهما علت مرتبته، حتى لو كان لهذا الأخير شيء من التأثير في جوانب معينة.
محاضرة علي جمعة، وفي زمن الصورة الفاضح ستبقى شاهدا تاريخيا على سقوط العلماء في وحل السياسة، بل في أسوأ مستويات التحريض على القتل بدعوى الحفاظ على أمن الأوطان، لكأن الأوطان تبنى بقتل أبنائها واستباحة دمائهم، فضلا عن أين يكونوا من خيرة أبنائهم الذين حصلوا على ثقة الناس طوال عقود في جولات انتخابية بلا حصر، وفي سائر الميادين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق