أميركا والسيسي والموقف الإسرائيلي
ياسر الزعاترة
لم تكد الإدارة الأميركية تتخذ قرار تجميد (جزء) من المساعدات الأميركية لمصر، وهو الجزء العسكري منها، حتى هبَّ أنصار الانقلاب وكارهو الإسلاميين في الداخل والخارج إلى اجتراح البطولات وإعلان التحدي، لكأن الإدارة الأميركية تنتصر بذلك للإخوان.
من يبحثون عن أية شرعية شعبية يكذبون، ومن يكرهون الإسلاميين يلتمسون أي موقف أو تصريح يثبت ما يريدون، ولعل السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه هنا هو ما حقيقة الموقف الأميركي من الانقلاب في مصر، وهل يعني تجميد هذا الجزء من المساعدة العسكرية شيئا على هذا الصعيد؟
لقد رفضت واشنطن منذ اللحظة الأولى وصف ما جرى في مصر بأنه انقلاب، في حين ردد كيري في باكستان خطابا يشبه خطاب الانقلابيين عن الإرادة الشعبية، وجاء خطاب أوباما أمام الأمم المتحدة مؤخرا ليحسم الموقف لصالح الانقلابيين، لكن مسألة التجميد هذه تتعلق بقانون أميركي يحظر تزويد انقلاب عسكري بالسلاح، الأمر الذي سينتهي سريعا، لاسيَّما أن واشنطن لم تصف ما جرى بأنه انقلاب، وهي في العموم محاولة للظهور بمظهر أخلاقي، فضلا عما تنطوي عليه من مناكفات بين الجمهوريين والديمقراطيين.
أبواق الانقلاب شنت حملة شعواء كما لو كان نظام السيسي قد جاء ضد الرغبة الأميركية، أو لكأن السيسي هو البطل الذي لا يخضع للضغوط، مع أن طفلا في السياسة سيرد بكل بساطة قائلا؛ إنه إذا صحَّ أن الانقلاب جاء خلافا للرغبة الأميركية، فهذا يعني أن المحاور العربية التي دعمته قد أصبحت رأس حربة المقاومة والممانعة في المنطقة، وقيادة التصدي للإمبريالية الأميركية، فيما يعلم الجميع أنها الأكثر تلبية للمطالب الأميركية على مختلف الأصعدة!
السؤال الذي يبرز في الجزء التالي يتعلق بالموقف الإسرائيلي الذي يعلم الجميع أنه الأكثر تأثيرا في قرارات واشنطن الشرق أوسطية، بل ربما المهيمن عليها بسبب قوة اللوبي الصهيوني، وتأثيره الكبير داخل الكونجرس بشقيه الديمقراطي والجمهوري، فما دمنا في سياق من إظهار البطولة للانقلابيين، فإن علينا أن ننظر للجزء الآخر من الصورة، وهو الأهم بطبيعة الحال، لاسيَّما أن السلاح الذي يحتاجه الجيش المصري ليس موجها للسودان، ولكنه (نظريا على الأقل) قوة ردع مع الكيان الصهيوني، مع أن بعضه الآن يُستخدم في قتل الشعب المصري.
هل ثمة عاقل يشك، ولو للحظة في موقف الكيان الصهيوني من الانقلاب؟ الجواب هو (لا)، لأن نتنياهو لم يتردد في خوض غمار دبلوماسية على مستويات عديدة من أجل دعم الانقلاب في أميركا والغرب، وما رفْض واشنطن وصف ما جرى بأنه انقلاب سوى استجابة للمطلب الإسرائيلي، وهو ما سيؤدي لاحقا إلى فك التجميد عن الجزء الذي جمّد من المساعدات.
لم يقل أحد إن واشنطن كانت جزءا مهما في ترتيب الانقلاب، لكنها كانت على علم بالتفاصيل، لاسيَّما أن المحاور العربية التي كانت تديره لا يمكن أن تخطو خطوات من هذا النوع دون استشارتها، إن لم يكن استئذانها، وحين تعلم واشنطن، فمن الطبيعي أن تعلم دولة الاحتلال أيضا (تذكرون الاتصالات الدائمة بين أوباما وكيري وبين نتنياهو فيما خصّ الضربة العسكرية لسوريا قبل إلغائها، ولسبب يتعلق بتلبية بشار لمطلب تدمير الكيماوي الذي هو مطلب إسرائيلي في الأساس).
ردة الفعل الإسرائيلية على قرار تجميد المساعدات كان واضحا، وهذا ما سيؤثر لاحقا على الأمر بعد أن تجرى انتخابات أولية، برلمانية أو رئاسية في مصر لن تغير في طبيعة النظام الأمنية. فقد نقلت «يديعوت أحرونوت» (الجمعة) عن «مصدر أمني كبير» قوله إن «الولايات المتحدة تلعب بالنار.
لقد رفضت واشنطن منذ اللحظة الأولى وصف ما جرى في مصر بأنه انقلاب، في حين ردد كيري في باكستان خطابا يشبه خطاب الانقلابيين عن الإرادة الشعبية، وجاء خطاب أوباما أمام الأمم المتحدة مؤخرا ليحسم الموقف لصالح الانقلابيين، لكن مسألة التجميد هذه تتعلق بقانون أميركي يحظر تزويد انقلاب عسكري بالسلاح، الأمر الذي سينتهي سريعا، لاسيَّما أن واشنطن لم تصف ما جرى بأنه انقلاب، وهي في العموم محاولة للظهور بمظهر أخلاقي، فضلا عما تنطوي عليه من مناكفات بين الجمهوريين والديمقراطيين.
أبواق الانقلاب شنت حملة شعواء كما لو كان نظام السيسي قد جاء ضد الرغبة الأميركية، أو لكأن السيسي هو البطل الذي لا يخضع للضغوط، مع أن طفلا في السياسة سيرد بكل بساطة قائلا؛ إنه إذا صحَّ أن الانقلاب جاء خلافا للرغبة الأميركية، فهذا يعني أن المحاور العربية التي دعمته قد أصبحت رأس حربة المقاومة والممانعة في المنطقة، وقيادة التصدي للإمبريالية الأميركية، فيما يعلم الجميع أنها الأكثر تلبية للمطالب الأميركية على مختلف الأصعدة!
السؤال الذي يبرز في الجزء التالي يتعلق بالموقف الإسرائيلي الذي يعلم الجميع أنه الأكثر تأثيرا في قرارات واشنطن الشرق أوسطية، بل ربما المهيمن عليها بسبب قوة اللوبي الصهيوني، وتأثيره الكبير داخل الكونجرس بشقيه الديمقراطي والجمهوري، فما دمنا في سياق من إظهار البطولة للانقلابيين، فإن علينا أن ننظر للجزء الآخر من الصورة، وهو الأهم بطبيعة الحال، لاسيَّما أن السلاح الذي يحتاجه الجيش المصري ليس موجها للسودان، ولكنه (نظريا على الأقل) قوة ردع مع الكيان الصهيوني، مع أن بعضه الآن يُستخدم في قتل الشعب المصري.
هل ثمة عاقل يشك، ولو للحظة في موقف الكيان الصهيوني من الانقلاب؟ الجواب هو (لا)، لأن نتنياهو لم يتردد في خوض غمار دبلوماسية على مستويات عديدة من أجل دعم الانقلاب في أميركا والغرب، وما رفْض واشنطن وصف ما جرى بأنه انقلاب سوى استجابة للمطلب الإسرائيلي، وهو ما سيؤدي لاحقا إلى فك التجميد عن الجزء الذي جمّد من المساعدات.
لم يقل أحد إن واشنطن كانت جزءا مهما في ترتيب الانقلاب، لكنها كانت على علم بالتفاصيل، لاسيَّما أن المحاور العربية التي كانت تديره لا يمكن أن تخطو خطوات من هذا النوع دون استشارتها، إن لم يكن استئذانها، وحين تعلم واشنطن، فمن الطبيعي أن تعلم دولة الاحتلال أيضا (تذكرون الاتصالات الدائمة بين أوباما وكيري وبين نتنياهو فيما خصّ الضربة العسكرية لسوريا قبل إلغائها، ولسبب يتعلق بتلبية بشار لمطلب تدمير الكيماوي الذي هو مطلب إسرائيلي في الأساس).
ردة الفعل الإسرائيلية على قرار تجميد المساعدات كان واضحا، وهذا ما سيؤثر لاحقا على الأمر بعد أن تجرى انتخابات أولية، برلمانية أو رئاسية في مصر لن تغير في طبيعة النظام الأمنية. فقد نقلت «يديعوت أحرونوت» (الجمعة) عن «مصدر أمني كبير» قوله إن «الولايات المتحدة تلعب بالنار.
فالتعاون بيننا وبين الجيش المصري في موضوع الإرهاب في سيناء وتهريب السلاح إلى غزة مهني ووثيق.
هذه المرة الثانية (منذ إسقاط مبارك) التي يدير فيها الأميركيون الظهر للحليف المصري».
وتضيف الصحيفة قائلة «وفي الوقت الذي حافظت إسرائيل الرسمية على الصمت الصاخب، إلا أنها عملت في الأشهر الأخيرة خلف الكواليس كي تقنع الإدارة الأميركية بعدم المس بالمساعدات لحكم السيسي».
عاموس جلعاد، رئيس الدائرة الأمنية والسياسية في وزارة الحرب الإسرائيلية عبر عن وجهة النظر الصهيونية في محاضرة له أمام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (الذراع الفكري للوبي الصهيوني في أميركا) في اليوم التالي لقرار التجميد، فكان أن قدم احتجاجا صاخبا لا تردد فيه.
عاموس جلعاد، رئيس الدائرة الأمنية والسياسية في وزارة الحرب الإسرائيلية عبر عن وجهة النظر الصهيونية في محاضرة له أمام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (الذراع الفكري للوبي الصهيوني في أميركا) في اليوم التالي لقرار التجميد، فكان أن قدم احتجاجا صاخبا لا تردد فيه.
ومما قاله جلعاد: «قد لا تكون مصر هي الديمقراطية الأفضل، ولكن لا ينبغي لنا أن نشير عليهم ما هي الديمقراطية. أنا أفضل الاستقرار في الشرق الأوسط على الديمقراطية التي تجلب قوىً فظيعة مثل الإخوان المسلمين. أعرف أن هذا ليس من قبيل فكر السياسة السليمة في الولايات المتحدة. ولكن برأيي لن تكون ديمقراطية في الشرق الأوسط مع الإخوان المسلمين. علينا أن نفضِّل الاستقرار الذي يستند إلى النفوذ الأميركي».
كل ذلك ليس شيئا بالنسبة للانقلابيين وأبواقهم، فالكذب هو بضاعتهم، وكذلك الحال بالنسبة لكارهي الإسلاميين من العرب الذين يبحثون عما يؤيد مواقفهم المسبقة، فيما يعلم القاصي والداني أنه لا أميركا ولا الغرب، فضلا عن الكيان الصهيوني يمكن أن يقبلوا الإسلاميين مهما تنازلوا، حتى لو قبلوا بهم مضطرين هنا أو هناك.
كل ذلك ليس شيئا بالنسبة للانقلابيين وأبواقهم، فالكذب هو بضاعتهم، وكذلك الحال بالنسبة لكارهي الإسلاميين من العرب الذين يبحثون عما يؤيد مواقفهم المسبقة، فيما يعلم القاصي والداني أنه لا أميركا ولا الغرب، فضلا عن الكيان الصهيوني يمكن أن يقبلوا الإسلاميين مهما تنازلوا، حتى لو قبلوا بهم مضطرين هنا أو هناك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق