الجمعة، 9 مايو 2014

ثقافة الحمير وأدبهم


ثقافة الحمير وأدبهم
محمد يوسف عدس

تدور على ألسنة كثير من الأصدقاء اليوم شكوى مريرة عن مواقف نظراء لهم ومعارف وأٌقارب كثيرين؛ لا يزالون سادرين فى غفلتهم عاجزين عن فهم حقيقة الجريمة التى ارتكبها الانقلاب العسكري فى حق مصر.. عاجزين حتى عن رؤية الواقع الدموي البشع ..والمصير المظلم الذى يأخذ مصر إليه.. ويدفع ثمنه باهظّا فريق من أخلص وأنقى وأشرف أبناء هذا الشعب ..
وفى مواجهة أصحاب الغفلة العاجزين عن الفهم لا يجد الأصدقاء وصفًا أسوأ يصفونهم به سوى "أنهم حمير".. !

وعلى هذا الوصف أعلن احتجاجي بشدة و بكل صدق وأمانة وأقدم خبرتى الشخصية دليلا وشهادة على صحة ما أقول:

لابد لى أولًا أن أستميح الحمير عذرا فأنا أكنّ لهم كل الإحترام والحب .. ولا أنسى أبدا أن واحدا منهم أنقذ حياتى وأنا طفل فى الرابعة من عمرى عندما ضللت الطريق فى مزرعة كان يملكها أبى يرحمه الله .. ولم أهتدِ إلى طريق العودة .. ولكنى تمكّنت من امتطاء ظهر حمار لنا فحملنى إلى المنزل بخبرة ومهارة وسرعة ظلّت موضع إعجابى إلى اليوم .. وقد أكسبتنى هذه الواقعة حبا للحمير وشعورًا قويًّا ضد كل ظلم أو إساءة تقع عليهم أوتنتهك حقوقهم الطبيعية..

لقد جَذَبَتْ الحمير إهتمامى فبدأت ألاحظ سلوكهم الحضاري فى الطريق مقارنة بسلوك بنى البشر .. ومن أعجب ما لاحظت : أن الحمير يستفيدون من تجاربهم ولا يقعون فى نفس الخطأ مرتين أبدا ؛ إلا قهرًا واضطرارًا ؛ وذلك عندما يتدخل واحد من البشر بغبائه وغلظته ليفرض على الحمار سلوكا قسريًّا ؛ عندها فقط يخطئ الحمار.. ولكن بعض البشر منا لا يستفيد من تجاربه ؛ فتراه –باختياره وغبائه وسيطرة نزواته الجامحة- ينحرف و يقع فى الخطأ مرة بعد أخرى بغباء ولا مبالاة.

وهذه الواقعة تصوِّر لك حقيقة ما أزعم أصدق تصوير:
اعتدت مع زوجتى أن نذهب لزيارة أسرة من أقاربنا فى شبين الكوم وهي تبعد عن طريق مصر اسكندرية الزراعي بحوالي ٢٠ كيلومتر ؛ كنا نرى ونتوقع كثيرا من المصاعب قبل توسعة الطريق ؛ ففى هذه الوصلة القصيرة كنا نفاجأ بطوابير مستعرضة تعوق حركة السير من راكبى الدراجات ومن البهائم ..
فى إحدى المرات كان أمامنا مجموعة من راكبى الدراجات مبعثرة فى الطريق بحيث لا تدع مجالا لمرور سيارة.. فأبطأت سرعة السيارة وأستخدمت صوت النفير لتنبيههم ، ولكنهم لم يتزحزحوا .. حتى وصلنا إليهم وأخرجت رأسى من نافذة السيارة أرجوهم أن يفسحوا لنا الطريق..

بعدها بقليل ظهر طابور مستعرض من الحمير أمامنا فأعلنت زوجتى استياءها .. وقالت : باين مش هنوصل النهارده .. وهنمشى ورا الحمير باقى الطريق..!
فقلت لها :اصبرى لحظة وسترين معجزة.. ثم لمست جهاز التنبيه لمسا خفيفا حتى لا ينزعج الأصدقاء ؛ وجاءت الاستجابة سريعة ومذهلة ؛ ففى أقل من دقيقة اصطفَّ الحمير خلف بعضهم البعض الآخر صفَّا طوليا واحدا على الحافة اليمنى من الطريق وتركوا لنا مساحة تتسع لمرور سيارتين.. واستمرّوا فى سيرهم المنظم.

اندهشت زوجتى لسرعة الاستجابة وللتنظيم المذهل كأنهم فى ساحة عرض الألعاب الأولمبية.. وصاحت: مش معقول.. دول متعلمين أحسن من العيال بتوع العَجَلَ.. وكمان مؤدبين ..!!
أذكر يومها أننى قلت لزوجتى: هذه يا عزيزتى حضارة الحمير الفطرية، لا همجية البلطجية من البشر..!


ولو حدثت هذه الواقعة الآن وزوجتى لا تزال معى لقلت لها:

أرأيت أن ثقافة الحمير وأدبهم يتفوق على ثقافة العصابة الانقلابية الذين يعاملون الرافضين السلميين للانقلاب العسكري: فى الشارع بالبلطجة والرصاص المتفجِّر.. وفى المعتقلات بالتعذيب غير الآدمي.. وفى المحاكم بأحكام قُطَّاع الطريق.. وفى الصحافة والإعلام بالأكاذيب الفاجرة ..
ويصفق لهؤلاء جميعًا قطيع من البقر المتخلف يحتاج -وفقًا لنظرية دارون- ألف سنة ليصل إلى مرتبة الحمير..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق