الأحد، 31 ديسمبر 2023

تعلمت الإعلام لأروي قصة أمتي ولكن أين الحرية؟!

تعلمت الإعلام لأروي قصة أمتي ولكن أين الحرية؟!



الحلم انكسر فجأة ولم يعد أمامي سوى الهجرة والحياة في المنفى       
بعد تلك الرحلة من الكفاح من أجل حرية الوطن واستقلاله               


قصة الأمة مصدر لقوتها الناعمة، ووسيلة مهمة لكسب العقول والقلوب، لكن القرن العشرين شهد تطور الصحافة ووسائل الإعلام لتصبح أهم وسائل رواية القصص، حيث استخدمتها القوى الاستعمارية لتفرض رواية زائفة ومتحيزة للتاريخ.

تحولت رواية القصص إلى صناعة، أسهم في بنائها الكثير من الشركات التي قامت أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية بالتحكم فيها وتوجيهها لبناء صورة الغرب الاستعماري، وتبرير سيطرته على العالم.

كانت تلك الحقيقة التي أدركتها في مرحلة شبابي من أهم الأسباب التي دفعتني لدراسة الإعلام، ثم الاجتهاد في تطوير دراساتي وكتبي في الإعلام الدولي.

كنت أدرك أن من حق الأمة الإسلامية أن تروي قصتها للعالم، وبهذه القصة يمكن أن تثير خيال الشعوب للكفاح، ولتحقيق الحرية والعدل والاستقلال الشامل.

عملت لتطوير علم الاتصال القيادي، ودور القائد في رواية قصة أمته؛ فالقائد الأصيل هو الذي ينطلق من التاريخ لبناء المستقبل، ويؤكد على أهليته للقيادة، بتحويل القصة إلى فاعل في تحقيق مكانة الدولة العالمية

هل يمكن رواية القصة؟

بعد سنوات أدركت أن بناء القوة الإعلامية هو الطريق الوحيد لرواية القصة، وأن الأمة تحتاج إلى قيادات جديدة تستطيع أن تقدم رؤيتها لمرحلة جديدة للتحرر الوطني، تقوم على إطلاق طاقات الشباب وخيالهم، لتحويل التجارب التاريخية إلى قصص ترسخ الاعتزاز بالانتماء للأمة التي تمكنت من بناء حضارة عظيمة.

لذلك عملت لتطوير علم الاتصال القيادي، ودور القائد في رواية قصة أمته؛ فالقائد الأصيل هو الذي ينطلق من التاريخ لبناء المستقبل، ويؤكد على أهليته للقيادة، بتحويل القصة إلى فاعل في تحقيق مكانة الدولة العالمية، وشرح دورها التاريخي ووظيفتها الحضارية.

الحرية أساس تأهيل القيادات

في مرحلة الشباب أدركت ضرورة الحرية لإعداد هذه القيادات وتأهيلها، فهناك الكثير من المواهب في هذه الأمة؛ لكنها لا تحصل على الفرصة للظهور، واثبات كفاءتها، والتعبير عن أفكارها، فالسلطات تسيطر على وسائل الإعلام ودور النشر وشركات الانتاج التلفزيوني والسينمائي، ولا تعطي الفرص إلا لمحدودي المواهب الذين يجيدون النفاق وتزييف التاريخ لصالح السلطة، وتقديم الرواية التي تريدها.

كما أن السلطات تغلق المجال العام السياسي والثقافي؛ فلا يدخل الانتخابات إلا من تختارهم الأجهزة الأمنية، وتكون مهمتهم هي مدح الحاكم، والتغني بإنجازاته.

لذلك تموت المواهب، وتنصرف للعمل في مجالات بعيدة عن اهتماماتها، بحثا عن لقمة عيش هي بالتأكيد ضرورة لاستمرارية الحياة.

الذين عرفوا الطريق إلى الأجهزة الأمنية فقد أصبحوا نجوما، بالرغم من قلة معرفتهم ومواهبهم الضحلة، وجهلهم الشديد، خاصة عندما يتحدثون على شاشات التلفزيون عن التاريخ الإسلامي

أين طلابي في مجال الإعلام؟!

خلال عملي الأكاديمي في الجامعات عرفت الكثير من الطلاب والطالبات الذين كان يمكن أن يكونوا قادة وسياسيين وإعلاميين، يبنون قوة اتصالية وإعلامية وأدبية للأمة، لكن الكثير منهم أصابهم اليأس والإحباط بعد كفاح طويل.

أما الذين عرفوا الطريق إلى الأجهزة الأمنية فقد أصبحوا نجوما، بالرغم من قلة معرفتهم ومواهبهم الضحلة، وجهلهم الشديد، خاصة عندما يتحدثون على شاشات التلفزيون عن التاريخ الإسلامي، ونقلهم من كتب المستشرقين دون اسناد، وانتهاكهم لأخلاقيات الإعلام، وسرقاتهم العلمية والأدبية، وتزييفهم للقصص الضعيفة، وإبرازها والتركيز عليها.

تقييد الحرية وفقر الفكر

كانت القيود التي فرضتها السلطات منذ خمسينيات القرن العشرين هي سبب فقر الفكر الذي تعاني منه الأمة، وتجفيف ينابع الإبداع والابتكار، وتأهيل القيادات.

فحتى يظهر القائد في ذلك العصر؛ يحتاج إلى صحيفة أو قناة تلفزيونية يعرض فيها رؤيته، ويروي قصة كفاحه، ويربط تلك القصة بتاريخ أمته وكفاحها.

أما تجربتي الشخصية، فلم تكن تختلف كثيرا عن قصص طلابي، الذين كافحوا كثيرا ليجدوا لهم في مكانا في مهنة تقيد السلطات الدخول إليها، وتصنع النجوم فيها من المنافقين التابعين لها.

وكانت تلك الفكرة من أهم أسباب الظلم والاضطهاد الذي عانيته في حياتي، فقد كافحت لتأهيل طلابي ليكونوا إعلاميين وقادة معرفة، وأثارت تلك الفكرة خيال الطلاب، فتمكنت من كسب قلوبهم، لكن ذلك أثار سخط السلطات التي تعاملت معي باعتباري أشكل خطرا، فالحديث عن الحرية والديموقراطية وقيادة المعرفة يثير عداء أجهزة الأمن.

بعد ثورة يناير تفاعل طلابي معي في المحاضرات، وشاركوا معي في نقد نظريات الإعلام الغربية، وناقشت معهم قانونا لحرية الإعلام كنت أقوم باعداده لتقديمه إلى مجلس الشعب

بعد الربيع العربي

جاءت فرصتي التاريخية لتحقيق أحلامي العلمية والأدبية بعد ثورات الربيع العربي، ففي عام 2011 أصبحت أول رئيس منتخب لقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وبدأت أبني مدرستي العلمية في مجال الإعلام الدولي، وأعبر عن أفكاري في محاضراتي، وأوجه طلابي ليكونوا قادة معرفة، وأن الإعلامي وكيل للأمة في البحث عن الحقائق، والوفاء بحق جمهوره في المعرفة.

كانت لحظة تاريخية مهمة في حياة الأمة، من أهم سماتها أن الإعلاميين تمتعوا بدرجة من الحرية لم تشهدها أية دولة عربية من قبل، وعندما تحققت الحرية في الجامعات انطلق الأساتذة والطلاب ينتجون أفكارا جديدة، كانت الأمة في أشد الحاجة إليها لتروي تاريخها للبشرية، وتبني مستقبلها.

تفاعل طلابي معي في المحاضرات، وشاركوا معي في نقد نظريات الإعلام الغربية، وناقشت معهم قانونا لحرية الإعلام كنت أقوم باعداده لتقديمه إلى مجلس الشعب، وقلت لهم: لقد جاءت الفرصة لنروي أنا وأنتم قصة أمتنا، وكفاح الحركات الوطنية العربية لتحقيق الاستقلال في وسائل إعلامية حرة، وأننا أصبحنا أنا وأنتم وكلاء للديمقراطية، نوفر المعرفة لجماهيرنا لتتمكن من انتخاب قياداتها بإرادتها، وأنا وأنتم يمكن أن نكون قيادات المستقبل.

كان الطلاب ينتظرون محاضراتي التي تبدأ في التاسعة صباحا، فلا يتأخر أحد عن موعد المحاضرة، وكانت تجربة مهمة أعتز بها في حياتي، حيث شعرنا بأننا نعمل لتحقيق حلم عظيم هو أن يكون الوطن لنا جميعا نستطيع فيه أن نعبر بحرية عن أفكارنا، وندير مناقشة حرة حول كل قضايا المجتمع، ومن حقنا أن نختلف، ولكننا يمكن أن نحقق أهدافا مشتركة.

رغم آلام النفي والغربة مازلت أتمسك بتحقيق حلمي في بناء نظام إعلامي حر، أتمكن فيه من رواية قصة أمتي للعالم، وتحويل تاريخها إلى مصدر قوة لكسب عقول الشعوب وقلوبها.

لكي تصبحوا قادة!

قلت لطلابي إنني أعلمكم لتصبحوا قادة للمجتمع، ولتستطيعوا أن ترووا قصة أمتكم للعالم، باستخدام وسائل الإعلام، ولكي نتمكن من ذلك يجب أن نكافح معا لحماية حرية الإعلام، وللالتزام بأخلاقيات المهنة؛ ليدرك جمهورنا أننا نقدم له الحقيقة، فيثق فينا، وتصبح وسائل إعلامنا هي المصدر الذي يحصل منه على المعرفة، فلا يضطر للبحث عن المعلومات في وسائل الإعلام الأجنبية، فنحقق بذلك الاستقلال الإعلامي لأمتنا، ونسهم في بناء مجتمع المعرفة الذي يشكل أساسا للقوة السياسية والاقتصادية.

لكن الحلم انكسر فجأة، ولم يعد أمامي سوى الهجرة، والحياة في المنفى، بعد تلك الرحلة من الكفاح من أجل حرية الوطن واستقلاله، وأعتقد بيقين أنني قدمت لوطني وأمتي علما نافعا، يمكن أن يسهم في بناء قوتها.

لكنني رغم آلام النفي والغربة مازلت أتمسك بتحقيق حلمي في بناء نظام إعلامي حر، أتمكن فيه من رواية قصة أمتي للعالم، وتحويل تاريخها إلى مصدر قوة لكسب عقول الشعوب وقلوبها. ومن حقي أن أحلم، فإن لم أتمكن من تحقيق هذا الأمل، فإن طلابي سيحققونه، فقد علمتهم حب الحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق