الأحد، 24 ديسمبر 2023

قراءة في كتاب "حيونة الإنسان"؟

      قراءة في كتاب "حيونة الإنسان"؟






    اسم الكتاب: حيونة الإنسان
اسم الكاتب :   ممدوح عدوان 

نبذة عن الكتاب :بقلم عماد الدين فارس

في "التقديم" أشار إلى:

دفاعاً عن الجنون، لممدوح عدوان. تأصيلاً لكيان، لمحمود المسعدي. التعذيب عبر العصور، لبرنهاردت ج. هروود. أعدائي، رواية لممدوح عدوان. رواية وراء القضبان، لكارل تشيسمان. (أحياء)، لم يذكر اسم مؤلفه.

في "التوصيف" أشار إلى:

العسكري الأسود، قصة ليوسف إدريس. ديالكتيك التحرر، لدافيد كوبر.

في "ورطة الإنسان الأعزل" أشار إلى:

العسف، لبشير الحاج علي. معذبو الأرض، لفرانز فانون. الصراع العربي الإسرائيلي في مرآة الأدب العربي، لشموئيلي موريه. شخصية العربي في المسرح الإسرائيلي، دان أرويان. السعي نحو العزلة، فيليب سلاتر. الغريب- ألبير كامي. الجذور- كتاب مؤلفه ألكس هالي، وتحول هذا الكتاب فيما بعد إلى مسلسل تلفزيوني شهير يحمل نفس العنوان.

في "هل نحن جلادون؟" أشار إلى:

العدوان البشري، لأنتوني ستور. العنف والقداسة، لرينيه جيرار. الاستشراق جنسياً – (إرفن جميل شك). العنف، لكونداو لورانزو.

"صناعة الوحش.. صناعة الإنسان"

سرير العرس، لجوزيف برادوك. التاريخ الطبيعي للاغتصاب، لروندي ثورنهيل وكريغ ت. بالمير. ملحمة جلجامش. تقرير إلى كريكو، لكازانتزاكيس. رواية الورثة ورواية ملك الذباب، لووليام غولدينغ. جولييت بليلة الفضيلة – جولييت نعمة الرذيلة- للمركيز دو ساد. تاريخ الشيطان- لووليام وودز- ترجمة ممدوح عدوان.

في "ولادة الوحش.. بين الجلاد والضحية"

ديوان قصائد تحت الكمامة، للشاعر عبد اللطيف اللعبي. مسحوق الهمس، ليوسف إدريس. قصة الرجل والنملة، يوسف إدريس. مطول علم النفس (القديم)، مؤلفه: جورج دوما. جسر على الدرينا، لإيفو أندريتش. الوجه المفقود، لجاك لندن.

في "القامع والمقموع"

رواية امتلاك سر المتعة، لأليس ووكر. التهذيب والطاعة، لميشيل فوكو. ذئب السهول، لهيرمان هيسّه. النمور في اليوم العاشر، لزكريا تامر. رواية الناس والسراطين، لجوزيه دو كاسترو. جغرافية الجوع، لجوزيه دوكاسترو. طاعة السلطة- نظرة تجريبية، لستانلي ملغرام. رواية كانديد، لفولتير. مذكرات محمد الرايس- تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم، مؤلفه محمد الرايس. رجال عاديون- كتيبة الاحتياط 101 والحل النهائي لبولونيا، لكريستوفر براوننغ.

"مسؤولية الضحايا"

لم يذكر المؤلف في هذا الفصل مراجع جديدة.

"الجلاد الذي ينتقم من ماضيه"

مجموعة سنتان وتحترق الغابة/ قصة المهجع الرابع (ضمن المجموعة)، لسعيد حورانية. رواية ثورة المشنوقين- ب. ترافن. التخلف الاجتماعي- دراسة في سيكيولوجية الإنسان المقهور، لمصطفى حجازي. رواية التطليق، لرشيد بوجدرة.

"السلبطة"

رجال عنيفون، لهانس توك. رواية دميان، لهيرمان هيسّه. رؤية البولي من الداخل، لتيم فيلد. المتنمر تحت النظر، لتيم فيلد. (وأظنهما كتاباً واحداً). مثيرو المشكلات، لفيفل (لم أعثر على هذا الكتاب). طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، لعبد الرحمن الكواكبي.

"السلبطة السلطوية"

وليمة لأعشاب البحر، لحيدر حيدر. لسان العرب- ابن منظور.

"الأخلاق المقموعة"

الخوف من الحرية، لإيريك فروم. اليمين واليسار في الإسلام، لأحمد عباس صالح. المقاومة بالحيلة- كيف يهمس المحكوم من وراء ظهر الحاكم، لجيمس سكوت. القرد العاري، لديسموند موريس. حديقة الحيوان البشرية، لديسموند موريس.

"مجتمع المقموعين"

لم يذكر المؤلف في هذا الفصل مراجع جديدة.

"أصل العنف"

أصل العنف والدولة، لمارسيل غوشيه وبيار كلاستر- ترجمة وتقديم وتقديم علي حرب.

"الدولة القمعية"

رواية 1984- جورج أورويل. أسس التوتاليتارية، لحنا أرندت. اغتصاب الجماهير بالدعاية السياسية، لسيرج تشاخوتين. كتاب مجموعة الشر (لم أعثر على الكتاب). تاريخ الخلفاء- السيوطي. الطاغية- إمام عبد الفتاح إمام. خطاب حول العبودية الطوعية- إيتيان دي لا بوسي. الحكم المدني- جون لوك.

"الدين والحكم"

اكتساف الحرية- صراع الإنسان ضد السلطة، لروز وايلدر. المحاكمة والإرهاب، تركي علي الربيعو. الفكر البري، كلود ليفي ستروس.

"الأنتي يوتوبيا"

ثلاث مقالات في الدولة التوتاليتارية، لريتشارد لوينثال- ترجمة صخر الحاج حسين. رواية مزرعة الحيوانات، لجورج أورويل. رواية نحن، ليفغيني زامياتين. رواية العقب الحديدية، لجاك لندن. سيرة أورويل، لم يذكر اسم مؤلفه.

"الحاشية"

رواية رسائل فارسية، مونتسكيو. ظاهرة ستالين، جان إيلينشتاين. الحرب الباردة الثقافية، فرانسيس سوندرز. رواية مقتل الرجل الكبير، لإبراهيم عيسى. وذكر (جدانوف- حول الأدب والموسيقى والفلسفة).

"قلت للطاغية"

الملك عارياً، لألبرتو مورافيا. صاحب الفخامة الديناصور، خوزيه كاردوسو بيريس. ديوان شعر- قابور- قوس قزح – المنصف المزغني. خريف البطريريك، لماركيز.

"الديكتاتور"

العزلة، لإيثيل مانين. رواية الطريق إلى بئر السبع ورواية الليل والعودة، لإيثيل مانين. ألف ليلة وليلة. داخل الرايخ الثالث لألبرت شبير. سيرة ستالين- ليون تروتسكي. تاريخ الطبري. خطب الديكتاتور الموزونة، لمحمود درويش.


قراءة إلهام الحدابي
6/9/2016
  أمام مشاهد العنف التي تشهدها قنوات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي يقف الإنسان أمام هوة المثالية والواقع، المثالية التي تصنع القيم للمجتمعات حتى تستمر، بينما الواقع انعكاس لتأثيرات عدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية قد تعمل على إسقاط تلك القيم؛ لتبقى المجتمعات ممتلئة بالناس لكنها خالية من الإنسانية.
كل هذه الحروب تأتي لتذكرنا بالوجه الخفي للحضارة الإنسانية التي نعيشها حاليًا، الوجه المخيف الذي يفضح مدى توحش بعض الناس في حال تمكنوا من خصومهم

الإنسان الذي وصل إلى القمر رافق تطور رحلة إنجازاته على الأرض جانب أسود لا يقل دهشة عن واقع إنجازاته، فهو لم يكتفِ بتطوير الآلات والوسائل التي تحمي الإنسان من المرض، أو توفر له مصادر متنوعة للغذاء، بل شابت مسيرته ثغرات تكاد تقضي على الإنسانية منها المفاعلات النووية ومنها وسائل التعذيب التي لم تتوقف ولا للحظة عن التطور وكأنها جزء لا يتجزأ من حضارة الإنسان!

الإنسان الغربي الذي أباد مئات الآلاف من الهنود الحمر، الحربين العالمية الأولى والثانية، القنبلة النووية، حرب أفغانستان والعراق وحاليًا سوريا والاقتتال الذي فيها، كل هذه الحروب تأتي لتذكرنا بالوجه الخفي للحضارة الإنسانية التي نعيشها حاليًا، الوجه المخيف الذي يفضح مدى توحش بعض الناس في حال تمكنوا من خصومهم.

وجه مخيف يخبرنا أن لا حدود للتوحش الذي يسكن النفس البشرية، التوحش الذي يكاد يفوق توحش الحيوانات بمراحل، فالحيونات المفترسة ذات الأنياب الحادة لا تفتك بفريستها إلا في أوقات محددة، ولهدف محدد كالجوع مثلاً، بينما لا يكتفي الإنسان بالقتل من أجل لا شيء، بل يبالغ في تطوير وسائل الموت وآلات التعذيب ليصل إلى ذروة لذة العنف التي لا توجد إلا في الجنس البشري.

نظرة عامة

في كتاب «حيونة الإنسان» يبحر بنا الكاتب السوري ممدوح عدوان في أتون هذه النفس البشرية، يحللها ويقلبها، ويستجلي أطوارها ليجيب عن سؤال لطالما أرّقه وأرقنا وهو: ما السبب في توحش الإنسان؟

وحتى يجيب على هذا التساؤل ينطلق باحثًا عن أهداف المجرم والضحية ليستجلي الإجابة، فالمجرم الذي يتوحش بطريقة لا تفهم له أهدافه الخاصة، كذلك الضحية التي تستسلم تمامًا للعنف لها موقفها، يحاول الكتاب أن يستجلي هذين الموقفين، يعري الأهداف الخفية التي تحول الإنسان الذي بنى حضارة إلى مجرد وحش، وتلك الأهداف التي تسلخ من الإنسان هويته لتجعله أشبه بفرد في قطيع لا يملك إلا أن يطأطئ عنقه لقدم الجلاد.

يحتوي الكتاب على ثمانية عشر موضوعًا، يحاول الكاتب من خلالها أن يناقش مختلف القضايا التي تتعلق بهذه القضية، فهو لا يكتفي بسرد وجهة نظر الجلاد وتجبره، بل يطرح كل المقاربات الممكنة التي تبرر أو توضح موقف الضحية. يتميز الكتاب بتنوع المصادر التي اعتمد عليها الكاتب وعلى رأسها أدب السجون، تليه الروايات التي عالجت هذه القضية.

كما أنه استخدم أبحاثًا نفسية تعلل السلوك المرضي لدى الجلاد والضحية، ومن خلال تنوع أساليب الطرح والاقتباسات البناءة نستطيع أن نشعر بالإنسان المسحوق بإرادته أو بغير إرادته، كما أننا نستطيع أن نرى الجانب المظلم والمشوه من شخصية الجلاد والذي قد يكون مجرد حارس زنزانة أو حاكم ديكتاتوري أو متسلط ينتمي لفئة أقوى من الفئة التي يضطهدها.

واقع القامع والمقموع

في واقعنا العربي نكاد نرى كل النماذج المتوحشة متمثلة في واقع حي. ولئن كان التوحش الإنساني يأخذ أشكالًا غير مباشرة في المجتمعات الغربية كونها أنظمة تحترم شعوبها فقط دون الشعوب الأخرى، إلا أن ذلك التوحش يأخذ شكله المخيف في الدول التي أصبح فيها الدكتاتور هو رمز الديمقراطية وحاميها!.

يميل الإنسان إلى العنف، وحتى يبرر عنفه يلجأ إلى استخدام وسائل عدة منها التبريرات الدينية كالدفاع عن حق الإله

يرى المؤلف أن تلك السلطة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمارس بطشها منفردة، بل تعتمد بشكل أساسي على فئة من المجتمع (العسكر) مثلاً، ومن خلال تلك الفئة تضطهد بقية فئات المجتمع.

تعمد تلك السلطة إلى تقسيم الشعور بالمسؤولية بحيث لا يشعر السجان أو الجلاد بالمسؤولية تجاه الانتهاكات التي يمارسها بل قد يصل إلى حدود لا معقولة من العنف؛ لأن دور الفرد بالنسبة له ملغي.

ويأتي شعور السلطة، السلطة التي هي فوق القانون وفوق المساءلة، كما تميل بعض السلطات إلى إعادة تعريف الإنسان المضطهد بحيث يتم إلغاء الصفة الإنسانية منه، أو على الأقل اعتباره صنفًا آخر من المجتمع، وهذا ما يبرر المجازر الوحشية التي ارتكبها البرتغاليون ضد الهنود الحمر، أو تلك المجازر التي نفذها البريطانيون والفرنسيون تجاه المجتمعات التي استعمرت في القرن السابق.

يميل الإنسان إلى العنف، وحتى يبرر عنفه يلجأ إلى استخدام وسائل عدة منها التبريرات الدينية كالدفاع عن حق الإله، وكما تشير بعض الدراسات النفسية إلى أن الإنسان يسعى إلى إشباع غرائزه التي تميل إلى العنف، وترى تلك الدراسات أن الوحشية صفة لصيقة بالإنسان لا الحيوان، فالحيوانات المتوحشة لا تعذب أبناء جنسها.

ويرى الدكتور ملغرام صاحب كتاب (طاعة السلطة نظرية تجريبية) إلى أن الطاعة العمياء هي المسؤولة عن الإجرام الذي يرتكبه الإنسان، ويؤكد ما توصلت إليه الأبحاث السابقة في أن التخلص من الشعور بالمسؤولية هو ما يغذي السلوك الإجرامي لدى الناس.

بالنسبة للضحية واستسلامها فيرى الكاتب أن السبب الرئيسي الذي يدفع الضحية للاستسلام تمامًا هو الشعور باليأس، بينما ما يدفع الجلاد للانتقام بتلك الطريقة المتوحشة وما يدفع الديكتاتور للتعامل بتلك الطريقة اللاإنسانية مع شعبه هو الانتقام من الماضي.

الماضي المرتبط بالمجتمعات المقهورة التي جاؤوا منها، والتي صنعت منهم أناسًا ممتلئين بالخوف، بمرور الوقت يسعون لأن يستنسخوا تلك المجتمعات المقهورة في واقعهم ويعملون على تغذية الخوف في الشعوب حتى يسيطروا عليهم، ولا يمكن أن تنشأ مجتمعات مقهورة إلا بعد أن تستشري فيهم الأخلاق المقموعة التي تتغذى على الخوف والقهر وتصنع من الفرد شخصًا ذليلًا مستسلمًا للمواعظ الدينية التي تبرر سحقه، ومنصاعًا للاستبداد الذي يتعامل معه بمستوى دون الحيوان.

يبحث الكتاب أيضًا في أصل العنف الذي يصنع التوحش بأنواعه لدى الإنسان، ويرى «جون غالتنغ» أن العنف مرتبط بالتغيرات الحضارية التي مرت بها البشرية منذ عصرها البدائي وحتى عصورها التقليدية ثم الحديثة وما بعد الحديثة، ويصنف غالتنغ العنف إلى عدة أصناف:

1. عنف وإرهاب ضد الطبيعة.

2.عنف وإرهاب ضد الذات كالانتحار.

3. عنف وإرهاب ضد الأسرة مثل الإساءة للمرأة وللطفل.

4. عنف وإرهاب ضد الأفراد مثل السلب والنهب والقتل والتعذيب.

5. عنف وإرهاب ضد المؤسسات مثل النهب والفساد.

6. عنف وإرهاب ضد المجتمع مثل العنف الطائفي والحروب الأهلية.

7. عنف وإرهاب خارجي حرب الدول بينها البين.

8. عنف ضد الكواكب، وكل أنواع العنف هذه صاحبت التطور الصناعي الذي ابتكره الإنسان واهتم به لكنه لم يهتم بالبعد الإنساني الذي يجفف منابع ذلك العنف.

يتحدث الكتاب أيضًا عن الدولة القمعية التي تستخدم القانون لتبرر قمعها، بل تكاد تستخدم كل الوسائل المتاحة لتسيطر على الناس، إذ أنها تركن إلى الاغتصاب الفكري والقمع الممنهج لتوهم الناس بأنهم يحبونها، كما أنها تعهد بشكل كبير بتلك المهمة إلى المؤسسات الدينية التي تعمل على تخدير الجماهير المظلومة فتخلق لهم تعويضات غيبية في الآخرة، وتصرفهم تمامًا عن التفكير بمقاومة الحاكم الظالم باعتباره قدرًا يجب الصبر عليه.

التنمية السياسية في ظل ثقافة الخوف

لا يمكن تحت ظلال ثقافة الخوف أن يتقدم أي مجتمع ولو قيد أنملة؛ ذلك أن الخوف يسلخ الناس من هوياتهم، ويسمح لهم بأن يتحملوا الضغوطات التي تسرق منهم كرامتهم وإنسانيتهم، ليجدوا أنفسهم في لحظة من اللحظات غير قادرين على أن ينظروا لأنفسهم إلا وفق المساحة التي يقبل بها الحاكم الديكتاتور والعسكر.

النظرة التي تجعلهم في مرتبة الحيوان، فيقبلون على أنفسهم الظلم والجور دون أن يقاوموا. ومن أكبر الوسائل التي استخدمت في خلق الخوف والاستسلام لدى الجماهير هو سلاح التجويع. التجويع الذي يجعل من الإنسان شيئًا لا يفكر إلا بقوته وحسب.

وحتى يتم حل الإشكاليات المتعلقة بثقافة الخوف وغياب الهوية الإنسانية في مجتمعاتنا المقموعة، يتوجب أن نسعى لحل كل تلك الإشكاليات بتجفيف منابعها، ولا يكون ذلك إلا بمحاربة الاستبداد كما يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد.

وأفضل وسيلة لحل تلك الإشكاليات واستبدالها بحلول ناجحة تعمل على خلق أسباب الاستقرار والتقدم والنمو في المجتمع هو تطبيق مبادئ التنمية السياسية، والتي تقوم في مجملها على احترام الفرد كإنسان، وعلى قيمة الحرية المكفولة للبشر جميعًا، وعلى قيم التنمية التي تصنع أسس الحضارات التي تنطلق منها المجتمعات.

المستقبل بين الإنسان والوحش

الخوف يسلخ الناس من هوياتهم ويسمح لهم بأن يتحملوا الضغوطات التي تسرق منهم كرامتهم وإنسانيتهم

في عصر التقدم الذي نعايشه تواجهنا مجموعة من الأسئلة حول مصير الإنسان ومستقبله في القرون القادمة، فالتوحش الذي يصبغ الحضارة الحالية ينبئ عن احتمالية فناء جنس البشر، ليس بسبب الانتهاكات التي تطال بني البشر بسبب الحروب الدولية، ولكن أيضًا بسبب الانتهاكات التي تطال الطبيعة نفسها جراء الهوس الصناعي والتقدم الاستهلاكي الذي يتحرك وفق المصلحة الفردية بعيدًا عن مصلحة المجتمعات الأخرى ومصلحة الكوكب.

وهذا كله ما هو إلا انعكاس للتوحش الذي يشكل الهوية الإنسانية منذ حقب التاريخ الأول؛ وعليه فإن صورة المستقبل ليست واضحة حتى الآن، لكن لا يزال بإمكاننا أن نوقف مد العنف والتوحش باستعادة الإنسان الذي فينا، الإنسان الذي يجب أن يستخلص حريته من براثن الحضارة المتوحشة التي نعيشها حاليًا، بعد أن يستخلص حريته سيكون قادرًا على تجفيف منابع العنف والتوحش الذي يهدد مستقبله. 

مراجعة كتاب : حيونة الإنسان
بقلم كانصار الفلسفة

- يهدف ممدوح عدوان من بحثه هذا إلى تسليط الضوء على الجانب الوحشي الكامن في الإنسان ، والذي تخلقه عدة عمليات ، كمحاولة "انتزاع الاعتراف" أو كأسلوب قمعي تربوي ، أو لمجرَّد الاستمتاع ( التلَّذذ بالعنف ) ، وهو أخطر تلك العمليات. ويوضِّح عدوان أن غايته من تلك الدراسة تبيان الآثار السلبية التي تُخلِّفها تلك العمليات سواء بالنسبة لمن ينفِّذها أو بالنسبة لمن يتلقاها ، بمعنى آخر : دراسة الآثار السلبية الواقعة على كل من الجلاد و الضحية ، جرّاء أساليب القمع والتعذيب التي تُمارَس في مجالات متعددة.
يظهر عنف الإنسان لأخيه الإنسان في صور متعدَّدة فردية أو جماعية ، داخل المنظومة الثنائية ( الجلاد و الضحية ). فعلى المستوى الفردي يقوم الجلاد بتبرير عنفه عن طريق تحويل المسؤولية إلى سلطة أعلى ، يدَّعي أنه يُنفِّذ أوامرها فحسب. وعلى المستوى الجماعي ، تسعى كل جماعة لتبرير عنفها بادّعائها خلق هويتها الخاصة ، لاسيّما الأقليات المُضطهدة ، التي تسعى إلى البقاء عن طريق إفناء الآخر.
- يتحدَّث عدوان عن مظهر آخر من مظاهر كمون العنف و الوحشية داخل النفس البشرية ، فما استمتاع الإنسان برؤية مشاهد العنف في الأفلام حديثاً ، وقديماً في مشاهدة حالات الإعدام في الساحات ، والتي كانت بديلاً عن التلفزيون إلا تعبيراً عن سادية كامنة في النفس البشرية تتلذَّذ بمشاهدة الدماء ، وكلما كان المشهد أكثر دموية ، كلما كان أكثر إثارة ، وما استمرار أفلام الرعب والمختلطة بالجنس السادي أحياناً ، و التي يُنوَّه قبل عرضها أنها للكبار فقط ، سوى دليل على استمرارية تعطُّش الإنسان للعنف ، مايكشف مرة أخرى عن جانبه الحيواني الذي لا يخجل من إظهاره للعلن ، فمادامت هذه اللذة سائدة ، فهي لا تعتبر شواذاً في حال من الأحوال.
يكتسي هذا التوق للعنف في النفس البشرية أحياناً صبغة دينية ، فيختلط العنف بالمقدس ، لدرجة أن الإنسان يكون في هذه الحالة على أتم الاستعداد لإيقاع الأذى بنفسه ، لكنه بنظره أذىً مُقدّس ، يسعى من خلاله لإثبات ولائه للمُحتفى به دينياً و إخلاصه للعقيدة التي يشترك بالولاء لها مع أقرانه ، وكلما زادت درجة الأذى التي يمارسها على نفسه أسوةً بأقرانه ، كلما زادت قداسة المناسبة ، و روحانية الموقف. يقول : "كما أن الإيذاء ، وحتى إيذاء النفس يرتدي صبغة دينية. إن الرقص في حمّى الاحتفال يدفع إلى تجريب الإيذاء الذاتي. وهذا مانراه في حفلات الزار أو حفلات عاشوراء أو في حفلات الرقص لدى أهل بالي. وفي الحالات كلها يريد الراقص أن يوحي بقداسته التي تعني عدم التأثّر بالأذى عند التعرض له".
- يُجري ممدوح عدوان مقارنة بين الإنسان و الحيوان ، من ناحية تعطُّش كل منهما للفتك ببني جنسه ، فيرى أن البهيمية الكامنة في النفس البشرية تفوق البهيمية الخاصة بالحيوان ، على سبيل المثال : الاغتصاب هو فعل خاص ببني الإنسان ، إذ أن الحيوان الذكر لا يُرغم أنثاه البتة على ممارسة الجنس ، بينما الذكر من بني الإنسان فإنه يمارس فعل الاغتصاب ، سعياً منه إلى إرضاء نرجسيته الذكورية بإخضاع المرأة التي بين يديه ، قبل إرضاء شهوته الجنسية. يقول : "الاغتصاب هو التعبير الجنسي عن العدوانية".
- يدرس عدوان في كتابه مسألة التعذيب في السجون ، ويورد أمثلة من أدب السجون والتي توثِّق دراسته أيما توثيق. إن الهدف من التعذيب هو "العبرة" ، والجلَّاد غالباً لا يُحبِّذ أن ينجم عن ضرباته موت الضحية ، لأن موتها يعني انتهاء المشهد الذي تؤخَذ منه العبرة. موت الضحية في نظر الجلَّاد هو انتقاصٌ من قيمة العمل الذي يقوم به هذا الجلَّاد ، ذلك أن هدفه الرئيسي تحطيم الإنسان الذي بداخل الضحية ليكون عِبرة لمن يعتبر.
وبين الجلاد و الضحية تُولَد حيونة الإنسان ، ذلك أن الجلّاد يتحول إلى وحش كاسِر ، يفخر أشدَّ الفخر كلما نزع من الضحية جزءاً من كرامتها وإنسانيتها ، وبالمقابل تتحوَّل الضحية إلى حيوان وضيع ، لا تعود تشعر معه بأدنى درجات إنسانيتها. يقول ممدوح عدوان في وصف هذه الحالة - على لسان الكاتب يوسف إدريس - : " الضرب ، ذلك النوع من الضرب ، حين يتحول المضروب إلى أنقاض إنسان مذعورة ، أنقاض تتألم ، وبوعي تحس نفسها وهي تتقوّض إلى أسفل ، ويتحول فيها الضارب إلى أنقاض إنسان من نوع آخر ، وكأنه إنسان يتهدَّم إلى أعلى ، يُسعده الألم الذي يُحدِثه في ابن جنسه ، ويستمتع بإرادة و بإرادة أيضاً يقتل الاستجابة البشرية للألم في نفسه ، فلا يكف إلا ببلوغ ضحيته أبشع درجات التهدّم والتقوّض ، وبلوغه هو أخس مراحل النشوة المجرِمة".
- يربط عدوان بين تحوُّل الإنسان إلى كائن وحشي وبين الطاعة ، فالضمير الإنساني يأخذ استراحة من التأنيب حينما يُجيِّر المسؤولية نحو السلطة التي تفرض الأوامر ، فمادام هو مطيعاً للأوامر ومنفِّذاً لها ، فإنه لا يسمح لضميره بالاستفاقة ، لأنه أداة تنفيذ فحسب. و تعوُّد الطاعة يخلق إنساناً ذو وجهين ، وجه الوحشية داخل حرم السلطة ، يسعى لتنفيد أوامرها مهما كانت شنيعة ، وبالتالي لا يكون همه سوى الترَّقي أو المكافأة ، ووجه البراءة خارج حرم السلطة ، وهو وجه الإنسان الذي قد يَهمّ صاحبه بشرب كأس من الشاي عقب اشتراكه بمجزرة مروِّعة قتل فيها مئات البشر ، وهو مرتاح الضمير لأنه أتم مهمته المُوكَلة إليه على خير الوجوه ، وأنه كان مُنفِّذاً للأوامر فحسب.
وليست الطاعة وحدها مسؤولة عن استفاقة الوحش في داخل الجلَّاد ، بل إن الضحية في كثير من الأحيان تكون مادة دسمة لتلك الاستفاقة ، فحين تُظهِر الضحية خوفاً أو استكانة أو سكوتاً عن حق ، فذلك يخلق منها وجبة شهية لايستطيع الجلَّاد الجائع مقاومتها. كثيراً ما كان آباؤنا يحذِّرونا من أن نُظهِر خوفنا حين نرى كلباً مسعوراً ، لأن خوفنا يُولِّد لدى الكلب شهوة الانقضاض! وهناك مثلاً دارجاً في أوساطنا الاجتماعية "من يخشى العفريت يُدركه". وعلى تلك الأمثلة البسيطة نستطيع أن نقيس ما وصل إليه حالنا في علاقتنا بالسلطة الحاكمة ، ذلك أن خوفنا واستكانتنا و تعوُّدنا يخلِق منا مادة شهية لممارسة كل أنواع الاستبداد والعنف. يقول : "إن المجتمع الديمقراطي يجب أن يقوم على أساس وجود مواطنين لا يتهاونون في حقوقهم ، وإن السلبطة و الاستبداد يتماديان عند وجود مواطنين يسكتون عن حقوقهم أو يخافون من المطالبة بها".
- أمر آخر أو سبب آخر يذكره عدوان من أسباب استفاقة الوحش الكامن داخل الإنسان ، هو "الانتقام من الماضي". فالضحية ذاتها التي تعرَّضت للتعذيب أو القمع قد تنشأ في نفسها رغبة كامنة في الانتقام من جلّاديها في حال انقلبت الأدوار يوماً وصار الجلاد ضحية ، والضحية جلّاداً. إن رغبة الضحية في الانتقام لنفسها تُشِّل فيها كل نزوع نحو التعاطف ، وحتى أنها تنقل رغبتها تلك إلى خارج مكان التعذيب أو السجن ، فيتشكل لديها ميلاً إلى تحويل المجتمع بأسره إلى زنزانة كبيرة. إن صاحب تلك الرغبة يتذرَّع بأنه ينتقم لكيانه الذي هُدِرت كرامته عبر تحويل مجتمعه كله إلى كبش فداءٍ لإنسانيته وكرامته ، مُتناسياً أنه بذلك قد تحوَّل إلى وحش من نوع آخر ، وحش يريد أن يفرض هيمنته و أهوائه على الناس أجمعين ، وهنا تنشأ ما تسمّى "الشخصيات المتنمِّرة" أو "المُتسلبِطة" كما يسميها عدوان.
- وتزداد وحشية هذه الشخصيات المُتنَّمرة أو المتسلبِطة ، أو كما تُسمى في بعض المناطق "البلطجية" و في بعضها الآخر "الشبيحة" ، حين تكون مدعومة من قِبل طرف رسمي له وزنه في السلطة ، بحكم كونه موظفاً لدى ذلك الطرف الرسمي ، أو بحكم الصداقة أو القرابة ، وعندها ينقل البلطجي أو الشبيح تخصصه الوظيفي وانتماءه للعائلة المالِكة إلى مجالات حياته كلها ، فتصبح سلطته القمعية أداةً لإجبار كل من حوله على الخضوع لها ، ويظن نفسه أنه فوق القانون ، فلا يحترم الدَّور ولا يلتزم بإشارة مرور أو أي شاخصة طرقية ، كما يظن أن مرافق الدولة ومؤسساتها ملكاً له ، بل حتى الشوارع وأرصفة الشوارع ، ربما يهذي في وقت من الأوقات أنها كانت مِلك أبيه !.
- يتحدث عدوان عن الدولة القمعية و دورها في تشكيل الشخصية الانهزامية للإنسان ، فشخصية الإنسان - المواطن تتلاشى بسبب سيطرة فئة أو حزب أو طائفة على الحكم ، ومنح المواطنين الذين ينتمون لتلك الفئة أو الحزب أو الطائفة امتيازات تجعل أقرانهم من خارج تلك الفئة ، يحيون حياةً أقل جودة من حياة أولئك ، رغم كل ما تتحدَّث عنه الدولة من حقوق ومساواة. وهنا تعمل الدولة القمعية على توسيع دائرة المستفيدين منها ، أو الذين توهمهم أنهم كذلك ، لكي تستعين بهم على تثبيت الحكم ، عبر توسيع القاعدة الشعبية. وهؤلاء مهمتهم إطاعة الحزب الحاكم عبر الولاء المطلق ، وإثارة الفتن بين الناس على مبدأ "فرِّق تسد". وبين براثن الدولة القمعية ينشأ كل من الجلّاد و الضحية ، الجلّاد المستفيد من الفتات الذي تقدِّمه له الدولة ، والضحية المسحوقة تحت وطأة السلطة ، والغارِقة في بحور الخوف والذعر. الجلّاد الذي يُخرِج حيوانيته بولاءه الأعمى واستعداده لفعل كل شيء إرضاءً للسلطة التي يزعم أنها تغدِق عليه من النعم مالا يعد ولا يحصى. و الضحية التي تجبرها الدولة القمعية على البقاء في طور الحيوانية. فأهم بند من بنود تثبيت الدولة القمعية في الحكم هو أن تكون العلاقة بينها وبين مواطنيها علاقة الراعي بالقطيع. يقول : "الراعي والقطيع ، والرعوية هذه كما يرى فوكو تنفي الحاجة إلى دستور سياسي ، فالراعي مفوَّض بناءً على نص ، بقيادة القطيع إلى المرعى ،والقطيع مطالب بالطاعة و الخضوع".
- حين يتعود القطيع الاستكانة والخضوع ، وبعد أن يتم ترويضه تخلِق الدولة ما يستطيع هؤلاء من خلاله تعويض نقصهم ، فتتحالف مع أكثر السلطات تأثيراً على الناس ، وهي السلطة الدينية. ويورد الكاتب حول هذا الموضوع قول لفلاديمير لينين : "الطبقات الحاكمة كلها تحتاج من أجل الحفاظ على سيطرتها إلى وظيفتين اجتماعيتين هما الجلّاد و الكاهن".
يبدأ الكاهن المرتبط بالدولة بإغداق المواعظ على المنابر بضرورة الصبر ، وأن ما يحصل هو قدرهم المحتوم ، فتتخدَّر العقول ، وتسعى إلى التخفيف من وطأة الظلم و القمع السياسي عبر التفكير غيبياً بأن حقهم سيرتد إليهم في الحياة الآخرة ، فتزداد استكانتهم ، و تقبض الدولة على الحكم بيد من حديد.
- يتحدث أيضاً عن الطاغية وأثر طغيان الحاكم في نفوس الرعية ، منذ أساطير العصور القديمة ، وحتى العصور الحديثة. فمنذ عصر الأساطير كان الحاكم محاطاً بهالة قدسية ، تجعل منه الآمر الناهي ، وتتوسع هذه الهالة حتى ليكاد الحاكم يُنصِّب نفسه مكان الإله ، فيعتقد أن بيده الحياة والموت. ولما كان الناس سريعي التأثر بما هو قدسي و ديني ، يُجاهد الحاكم الطاغية في البحث عن أصل ونسب يربطه بشخصية دينية مقدَّسة ، يستمد منها جبروته و سلطته الإلهية ، فطالما أنه يقرب نبي أو ولي أو صحابي ، فأمره نافذ ، وحُكمه لا يخطئ ، وما يأمر به هي أوامر الله ، وما ينهى عنه هي نواهي الله.
فالطاغية إذاً يختلق عدة مقوّمات لتثبيت دعائم حكمه ، سياسية منها ودينية ، تجعله يتشبث بالحكم حتى أرذل العمر.
- مع نهاية هذا الكتاب أودُّ أن أقول أمر : إن هذه هي المرة الثانية التي أقرأ فيها هذا الكتاب ، وقد كانت غايتي أن أبيّن في قراءتي الثانية أن ممدوح عدوان قد بالغ في إظهار الجانب الحيواني من الإنسان ، حيث أنه وفي مواطن عديدة يُقرِّر أن الإنسان أكثر حيونةً من الحيوان نفسه. لكنني وللأمانة لم أجد أي مبرِّر يدفعني لإلقاء اللائمة على الكاتب ، فكل ما قيل فيه واقعي و مُعاش ، والأصناف التي ذُكِرت تصادِفنا في كل لحظة من حياتنا ، وقد نكون أحدها. ولم أملك سوى أن ألتقط صورة لعنوان الكتاب يعلوه وردةً ، لعلّي أخفِّف من وطأة العنوان و قساوة المحتوى. كما أنني لا أملك أيّ مبرّر لإخراج الإنسان من دائرة العنف و الوحشية ، لأنه - أي الإنسان - لم يترك باباً للنجاة ، فمن عنف باسم السلطة إلى عنف باسم الدين ، إلى عنف باسم الإنسانية ، يعيش الإنسان حياته لاهثاً وراء مصلحته ، دونما أدنى اكتراث بإنسانيته التي لم تعد تُميّزه عن غيره من الكائنات !.

 
قراءة اونلاين       هنـــــــــــا
      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق