زفة 6 أكتوبر.. بين الأغاني والقتل!!
ياسر الزعاترة
لم يكن الذين خرجوا يحتجون ضد الانقلاب أقل احتفالا بالنصر الذي تحقق قبل 40 عاما، لكن احتفال الآخرين هو الذي كان ملتبسا، فهم ابتداءً كانوا يحتفلون بانتصار على عدو لا يجري التصريح بهويته خوفا من غضب نتنياهو الذي جاب دبلوماسيوه العالم من أجل توفير الدعم للانقلاب، أما الأهم فهو أنه احتفال يجري فقط من أجل تثبيت انقلاب قام به جنرالات لا صلة لكبيرهم ولا لأكثرهم بانتصار أكتوبر، فالعدو الذي تمت مواجهته في أكتوبر صار صديقا، بينما تصنف حركة يعتبرها من ألد أعدائه (أعني حماس) بوصفها عدوة للانقلابيين، ويغدو الاتصال معها تخابرا مع جهة معادية كما في الاتهام الموجه للرئيس الشرعي المعزول.
أما الذين خرجوا يحتجون على الانقلاب، فهم ليسوا ضد الجيش بحال، لأن أبناءه هم أبناؤهم وإخوتهم، ولكنهم خرجوا يحتجون على جنرالات يستخدمونه مطية للإمساك بالسلطة السياسية، ويدفعون البعض لتدبيج الأغاني له بعنوان «تسلم الأيادي، يا جيش بلادي»، ليس لأنه أطلق الرصاص على العدو، ولكن لأنه أطلقه لقتل المصريين في رابعة العدوية وفي الحرس الجمهوري وميدان رمسيس، وفي شوارع وميادين كثيرة، فضلا عن سيناء التي تتعرض لعقوبات جماعية بدعوى محاربة الإرهاب، مع أن الإرهاب لا يُحارب من خلال قصف المساجد ومناطق المدنيين البؤساء الذين يتعرضون للظلم والتمييز، مع استهداف جديد سببه تعاطف كثير منهم مع رئيس معزول كان أول رئيس يعترف بما يتعرضون له من ظلم وتمييز. وعموما، فإن العنف في سيناء يستحق وقفة أخرى، لأنه لا يخدم بحال قضية أهلها ومظالمهم، في حين يستهدف جنودا هم أبناء لمصر أيضا.
خرجت قلة من المصريين كي تحتفل بنصر أكتوبر على مذهب الانقلابيين، ربما لأنهم أدركوا مرامي الاحتفال.
خرج قلة رغم الحشد والدعوات التي انطلقت من وسائل إعلام فاجرة ما برحت تحرض على قتل قطاع من المصريين، لكأنهم كائنات هبطت من الفضاء كي تحتل البلاد وتنتهك السيادة الوطنية، وليسوا جزءا من أبناء الوطن الذين كانوا الأكثر تضحية في ثورته المجيدة، والأكثر وفاءً لها بعد تعرضها للاغتيال على يد العسكر وبعض الأبواق التابعة لهم.
يوم الأحد كان يوما آخر من الأيام الدامية في مصر بعد الانقلاب، ومن خرجوا إلى الشوارع لم يكونوا يتوهمون أنهم سيُرشقون بالورود، لكنهم خرجوا رغم ذلك في إصرار عجيب على تحقيق أهداف ثورتهم ورفض الانقلاب عليها.
لقد بذل الانقلابيون كل ما في وسعهم حتى الآن من أجل لجم الاحتجاج ضدهم، ويوم الاحتفال أغلقوا الميادين أمام رافضي الانقلاب، بينما فتحوها لمؤيديهم، وطاردوا الناس في الشوارع بالرصاص الحي، وحاولوا تصوير ذلك على أنه اشتباكات بين الأهالي والمحتجين، الأمر الذي فضحته الصور والمشاهد التي تابعها العالم أجمع.
أما بعض الأعمال العنيفة كتلك التي وقعت في اليوم التالي بقتل 5 جنود مصريين في الإسماعيلية، وأربعة آخرين في سيناء، فهي تراوح بين كونها جزءا من ردود متوقعة من قبل شبان على شراسة القمع وعلى المظالم، وإما أن تكون من تدبير مباحث أمن الدولة للتغطية على المجازر، سواءً مباشرة، أم عبر اختراقات لبعض الشبان أو المجموعات.
وهي في العموم مرفوضة وتسيء لمن يواجهون الانقلاب بسلمية مهما كان كانت الظروف.
عبثا يحاول الانقلابيون تثبيت انقلابهم، وهم رغم ميزان القوى المختل لصالحهم يعجزون عن ذلك. وميزان القوى الذي نعنيه داخلي وخارجي.
داخلي من حيث سيطرتهم على الجيش والأمن ومؤسسات الدولة، وبدعم من نخب سياسية فقدت حسها الإنساني، ومن ورائها إعلام فاجر يعيش على الكذب والافتراء، وآخر خارجي يتمثل في دعم دولي تتصدره الولايات المتحدة، وقبلها أنظمة عربية تواصل دعمها السخي، ماليا وسياسيا.
وفي ظل فشل اقتصادي يجري تحميله للأوضاع العامة (في تجاهل لنجاح نسبي اضطروا للاعتراف به لحكومة مرسي رغم أوضاع أمنية أصعب وشيطنة لم تتوقف)، وفي ظل فشل على مختلف الأصعدة، لا يبدي الانقلابيون أية مرونة، ربما لأن القوى الداعمة لا تريد منهم غير الاستمرار في النهج الأمني من أجل استئصال روح الثورة في مصر، وتبعا لها في العالم العربي برمته، لكن ذلك لن يؤدي إلى النجاح بحال بصرف النظر عن مآل الوضع الأمني، ذلك أن الانقلاب ما زال يسفر عن وجهه تباعا ليصنع دولة بوليسية لن يقبلها المصريون بحال، وسيواصلون النضال من أجل إسقاطها مهما طال الزمن وكثرت التضحيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق