الخميس، 10 أكتوبر 2013

الرسول يؤيد الانقلاب..!


الرسول يؤيد الانقلاب..!
أسامة عبدالرحيم

هناك لحظات من الأفضل فيها للمرء أن يكون كفيفا أو أصم أو غبيا، الفهم قد يكون خطر ومخيف في حال مثل حال الدكتور علي جمعة، مفتي نظام مبارك السابق، بعد التسريب الثاني له وهو يجدد البيعة للانقلاب، ومعها يجدد فتوى إباحة دماء أنصار الشرعية دون أن يطرف له جفن، وزاد الطين بلة بقوله أن الرسول زاره وأمره بتأييد السيسي !

وإمعانا في الفانتازيا الساخرة التي وضعنا فيها د.جمعة، يمكنني القول أن هذه ليست زيارة الرسول الكريم الأولى للدكتور جمعة، فبحسب مصادر "مضطجعة" حدث ذلك أكثر من مرة، خصوصا بعد تولي د.جمعة الإفتاء أيام مبارك، وحاجة نظام مبارك الملحة وقتها إلى صك كهنوتي من السماء، على غرار ما كان يحدث في الكنائس الأوروبية، يبرر حالة القهر والاستعباد التي كان يرزح تحتها المصريين..ولا زالوا.

ومن يتابع تسريبات د.جمعة عن زيارات الرسول الكريم المتكررة له، يكاد يجزم أن الرسول الكريم أصبح عضواً في الحزب الوطني المنحل، بل وربما انضم سراً إلى لجنة سياسات جمال مبارك !، ولأنني أجهل الرقم الذي يتصل منه د.جمعة على هاتف النبي الكريم، وهل الخط بيزنس أم لا ، سأكتفي بالظن أن التواصل بين جمعة والنبي الكريم ، يتم إما عبر المنام أو "الانبوكس" الخاص بالدكتور جمعة على الفيس بوك..!

وبعيدا عن الفانتازيا التي وضعنا فيها د.جمعة وبشئ من الجدية أجدني أشعر بشفقة حيال كهل ستيني مثله اشتعلت عمامته شيباً، ولكنها شفقة مقززة من تلك التي تشعر بها حين ترى فأراً يصرخ تحت عجلات سيارة، وحينما أراه أو اسمع منه فتاوى تأييد الباطل وقتل الأبرياء أظل أردد أن أسعد الناس حظا هم من ماتوا وهم لا يعرفون أنهم يموتون..!

إن تيار د.جمعة المحرض على الظلم ليس بالجديد وعودة بالذاكرة إلى التاريخ عندما دخل السجان علي الإمام أحمد بن حنبل، حين سجن في مشكلة خلق القرآن، وكان العلماء في هذا الزمان لهم قيمة كبيرة ورصيد شعبي هائل، مما جعل السجان يتشكك وهو من يقدم الطعام للعالم الجليل أن يناله شيئاً من الذنب، أو أن يكون من أعوان الظالمين دون أن يدري، وعندما سأل الإمام هل أنا من أعوان الظالمين، كانت مفاجأة السجان سعيدة بأن رد عليه الإمام: لا !

ولكن فرحة "السجان" الذي قد يمثل اليوم عسكري أمن مركزي أمي مسكين، غسل جمعه دماغه بتلك الفتاوى المضللة لم تدوم سوى لحظة واحدة، لحظة واحدة مسح الإمام أحمد بعدها فرحته تلك بأستيكة الحقيقة، وأبان له موقفه في الشرع بقوله: بل أنت من الظالمين.أما أعوان الظالمين من يخيط لك ثوبك.ويجهز لك طعامك..!


ومن الغريب أن التيار المؤيد للانقلاب والمتصدر للمشهد سياسياً ودينياً وفنياً، يعلمون بما لا يقبل الشك أن مصر علي أبواب كارثة احتراب أهلي لا محالة، وهم يدركون ذلك وقادرون علي تصنيف الداء ووصف الدواء، ولكنهم أشبه بأطباء التعذيب الذين يكشفون علي المعذَب -بفتح الذال- ويقولون للجلاد "لأ لسه يستحمل شوية تعذيب كمان.لسه فيه رمق"..!

إنه ببساطة تيار تتلخص وظيفته التاريخية أنه عندما يكل الظالم أو يمل من الظلم؛ يخرج هؤلاء مطالبين له بإزاحة الملل والتغلب علي الكلل، مدعين أن الله والرسول يأمره بذلك وأنها مسألة أمن ديني !، رغم أنه لا يعدو أن يكون أمن الظالم نفسه وحاشيته المؤيدة، ولذلك فهم خائفين من تراجع الظلم وتهافته، خائفين من انقلاب السحر علي الساحر، خائفين من غرق الفرعون وتراجع مستحقاتهم، فأصبحوا فراعين بعمائم ولحى تُضِلُ الناظرين..!

ويخطئ ثانية من يظن أن هناك علامة تميز الظالم عن الذي يفوضه ويطبل له، كأن تكون هناك لافتة على جبين الظالم تقول "احذرني شكراً"؛ فالظالم وأعوانه منتشرون في طول وعرض الخارطة البشرية، مختلطون مع بعضهم البعض لحد التمازج، بل أكاد أجزم بأنهم ينادون أيضا في كثير من الأحيان بقيم الفضيلة والعدل..!

إلا أن الاختلاف الوحيد بين الظالم وأعوانه تتضح في أن الأعوان لهم شخصية بالغة الهشاشة أكثر من الظالم نفسه؛ فالمعين للظالم هش كالخبز اليابس، فقط هو قوي؛ لأن الظالم يستقوى به، وهو مصاب بالغرور والكبرياء العابث المدمر، وحتى تستطيع التغلب عليه عليك أن تقف أمامه وتفضح حقيقته، هذه الوقفة نفسها هي التي ستملأ الظالمين وأعوانهم بالخوف وتدحرهم للأبد.

وكما يعيش الظالم في حاله استمتاع، يتقاسم معه أعوانه ذلك الشعور البغيض، فهو يمتص هذا الاستمتاع من ممارساته الظالمة تجاه الآخرين، حتى أنه عندما يفتي بظلم وقتل الآخرين يشعر بارتياح مريض لا مثيل له، وكأنه يستنشق مخدرا؛ لذلك هو في حالة انتشاء دائم ما دام يمارس وظيفته القبيحة هذه.

ومن المسلم به أن مثل هذه الشخصية المريضة التي تعين الظالم وتؤيده موتها محقق إن لم تجد ما تأكله، وهنا يأتي دور كل واحد منا، وهو العمل على تفجير أنابيب السعادة عند هؤلاء الظلمة وأعوانهم، بقطع مجاري تدفق الاستمتاع إلى روحهم المشرئبة للظلم والإفساد، حينما يرون الإصرار على الشرعية يزداد بزيادة بطشهم وجبروتهم وأرقام الشهداء.

ربما طال المقال هذه المرة عزيزي القارئ أكثر من اللازم، ولكن ثمة حكاية لها عبرة وفيها عظة، يتعين أن احكيها قبل أن نفترق،
يُروى عن السلطان سليمان القانوني أنه أخبره موظفو القصر، باستيلاء النمل على جذوع الأشجار في أحد قصور الرئاسة يسمى"طوب قابي".

و بعد استشارة أهل الخبرة خلص الأمر إلى دهن جذوعها بالجير، ولكن لم يكن من عادة السلطان أن يقدم على أمرٍ دون الحصول على فتوى من العلماء الربانيين، فذهب إلى "أبي السعود أفندي" بنفسه يطلب منه الفتوى، فلم يجده في مقامه، فكتب له رسالة شعرية يقول فيها : إذا دب النمل على الشجر ** فهل في قتله ضرر ؟!

فأجابه العالم الرباني المؤيد للشرع والشرعية حال رؤيته الرسالة ، بفتوى خالفت استشارة مجلس السلطان قائلا:
إذا نُصبَ ميزان العدل ** يأخذ النمل حقه بلا خجل..!

وعندما استشهد السُلطان في معركة "زيكتور" في فيينا، عادوا بجثمانه إلى إسطنبول، وأثناء التشييع وجدوا أنه قد أوصى بوضع صندوق معه في القبر، فتحيّر العلماء و ظنوا أنه مليء بالمال ، فلم يجيزوا إتلافه تحت التُراب، وقرروا فتحه وحينئذ أخذتهم الدهشة عندما رأوا أن الصّندوق ممتلئ بفتاويهم، فراح الشيخ أبو السعود يبكي وينتحب قائلا : لقد أنقذت نفسك يا سليمان.فأي سماءٍ تظلنا. وأي أرضٍ تُقلنا إن كنا مخطئين في فتاوينا؟!
الآراء الواردة بهذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأى موقع "الإسلاميون " وإنما عن رأي كاتبها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق