تتصاعد التحذيرات والاستنكارات في الصحافة العربية من خطورة التقارب الإيراني الأمريكي مؤخراً، وذلك بعد سماح المرشد الإيراني علي خامنئي بفوز حسن روحاني بمنصب رئاسة الجمهورية، ومن ثم إطلاقه لسياسة (المرونة البطولية)!
وهذا التدوير في السياسة الإيرانية حاليا يشبه إلى حد كبير مرحلة فوز الرئيس السابق محمد خاتمي سنة 1997 والذي جاء بشعار (الانفتاح الثقافي)، وفعلا نجح خاتمي في الانفتاح الإيراني على عدد من الدول مما حقق مكاسب صافية لإيران، دون أن تخسر شيئا، لكن الذي حصل أن إيران جمدت مطالب جيرانها والعالم تجاهها، بانتظار نتائج الانفتاح الثقافي الذي بشر به خاتمى، وكانت النتيجة في النهاية وعودا زائفة وشراءً للوقت لتحقيق مكاسب على الأرض لتكون أمراً واقعاً فيما بعد!
ويبدو أن إيران نجحت في تحويل أزمتها الخطيرة في سوريا إلى فرصة لتحقيق المكاسب، فهي عانت وضعاً صعباً جداً في مشاركتها الإجرامية ضد الثورة السورية، فانفضحت أطماعها وطائفيتها وانفض عنها كثير من المخدوعين، ولكن هذا لم يؤثر فيها، إذ عملت على إطالة أمد الأزمة وتصعيدها، حتى تبحث عن خطة تتجاوز بها الأزمة.
وفعلاً، وجدت إيران الخطة اللازمة وهي:
- دعم النظام السوري المتواصل والمشاركة الفعلية معه.
- إبقاء الاتصالات بالمعارضة والثوار قائمة، حتى وهي تقصفهم، ولذلك دعت إيران أكثر من مرة الثوار لزيارتها والتباحث معها، ومن هنا جاءت مبادرة الرئيس محمد مرسي بلجنة رباعية (مصر، السعودية، تركيا، إيران).
- العمل على تفريق صف الثوار وجنوحهم للعنف والتطرف والإرهاب، فسهلت عبور القاعدة من العراق لسوريا، بواسطة الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية.
- محاولة تفريق صف الداعمين للثورة، فعرض العراق على الأردن ومصر البترول، وحاولت إيران إغراء تركيا بتسهيلات تجارية إيران والعراق!
- نقل المعركة والصراع للدول الداعمة للثورة، فرأينا التفجيرات في تركيا، والقلاقل في لبنان، وسمعنا التهديدات للخليج والأردن.
- ثم كان لا بد من تحييد الموقف الدولي وإشغاله بالجائزة الكبرى، وهي احتمال التفاهم مع إيران، وذلك عبر تغيير سياستها الخارجية مع تغير الرئيس الإيراني.
ويبدو أن هذه الخطوات نجحت في كشف الثورة السورية فصفّ الثوار تفرق – وتلوح بشائر وحدة الثوار الآن من جديد- والدعم تقلص، والتدخل الدولي تراجع، والاهتمام في تناقص، والشتاء على الأبواب، والعالم اليوم يتابع تحركات روحاني واتصال أوباما به، ونتائج ذلك.
وفي نفس الوقت أصبحت دول الخليج تشعر بحالة من القلق من احتمالية قيام صفقة تاريخية بين أمريكا وإيران تدفع ثمنها دول الخليج، وهذا ظهر من مقايضة روحاني أمريكا، في مقاله بالصحافة الأمريكية حل قضية سوريا بالبحرين!
ومع شعور دول الخليج بهذا القلق من أطماع إيران وخيانة أمريكا، فإنها تعاني من انقسام حاد بين الإسلاميين وهم التيار العريض فيها، وبين العلمانيين المتنفذين على قلتهم، وذلك بسبب الموقف من الانقلاب العسكري في مصر على حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي.
هذا الانقسام الحاد في دول الخليج تستثمره إيران بذكاء، فبدلاً من وحدة الصف تجاه المطامع الإيرانية الأمريكية، ينشغل الصف الخليجي بالتنازع على الانقلاب في مصر.
والعجيب أن أنصار إيران وأصدقاءها في مصر -كحمدين صباحى وكمال الهلباوي والمتشيعين- مع الانقلاب العسكري على حكم الإخوان المسلمين، فكأن علمانيي الخليج وحكامه يتحالفون مع أنصار إيران في مصر! والذين هم انصار بشار الأسد، والذي يحاربه الخليج !
وفي المقابل نجد جماعة الإخوان المسلمين أو بعضهم كإخوان الأردن وحركة حماس يدعون للتحالف مع إيران وأذنابها كحزب الله لمقاومة الانقلاب في مصر وتبعاته!
وتكون النتيجة أن إيران تجمع كلمتها خلف روحاني، وتتبنى المرونة البطولية، وتنفتح على الشيطان الأكبر، وتلوح له بجزرة التفاهم والاعتدال، بينما العرب تتفرق كلمتهم في صراعات داخلية، تصب كلها في مصلحة إيران، فالعلمانيون والحكام الخليجيون يدعمون أنصار إيران لحكم مصر، ويقدمونها على طبق من ذهب لها! مما يشق الصف الوطنى ويبعثر الطاقات، والإخوان بدلاً من التصدي للأطماع الإيرانية يقومون بالتحالف معها، في الوقت الذي تتحالف فيه إيران مع أمريكا!
وإيران تتفرج على هذا الحال البائس للعرب وتفرك يديها فرحاً، وتمضي في محاولة عقد زواج متعة جديد مع أمريكا والنقاش يدور حول المدة والأجرة!
كيف نتجاوز السذاجة ونتجنب المكر؟
هذا هو ما يجب أن يشغل العقلاء والمخلصين، وهذا لا يكون إلا بترك الانقسام من جهة، وبترك المصالح الجزئية والشخصية والحزبية، وذلك عبر التوحد على أسس مشتركة هي:
- نجاح الصفقة الإيرانية الأمريكية خسارة للجميع في العالم العربي.
- لا يمكن مقاومة هذه الصفقة ونحن بهذا الحال من الصراع.
- لنتنازل لبعضنا البعض بدلاً من التنازل لأحد الطرفين الإيراني أو الأمريكي.
- لنعمل على حل مشكلة مصر بأسرع وقت، وبما يرضي الطرفين.
- نحتاج إلى إعادة بناء الثقة بين الطرفين، عبر مواقف جديدة ومتينة.
- لا نملك الكثير من الوقت، فلنحرص على عدم إضاعته.
وكلمة أخيرة، لا يمكن صد الأطماع الإيرانية عبر ثقافة الترفيه والانحلال، كما لا يمكن حماية المقاومة وتحرير الأقصى بالتحالف مع الطائفيين المجرمين!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق