الأحد، 11 مايو 2014

حرية الإعلام أم حرية المال في العبث؟!



حرية الإعلام أم حرية المال في العبث؟!

ياسر الزعاترة

بات في حكم المؤكد أن برنامج باسم يوسف الساخر لن يظهر مجددا، الأمر الذي يعود إلى ضغوط على القناة، وعليه شخصيا، من قبل الآلة الإعلامية والأمنية للنظام في مصر.
ولا ننسى أن جميع الأدوات الإعلامية للفئة المستهدفة بالملاحقة؛ أعني الإخوان ومن يؤيدهم، قد جرى شطبها مباشرة بعد الانقلاب، من دون أن يؤدي ذلك إلى أي ردة فعل من قبل أدعياء الحرية، ولا ننسى هنا اعتقال الصحافيين، ومنهم صحافيو الجزيرة الذين يتهمون زورا بالعمل لصالح الإخوان، وهو الاعتقال الذي لم يحظ بأي انتقاد داخل مصر، الأمر الذي كان مختلفا في الخارج.
لا حاجة لتعداد معالم الاستهداف الذي تعرض له الإعلام المحايد في مصر، أو لنقل الإعلام الذي يمثل الطرف الآخر في النزاع الدائر، مقابل زفة لم يسبق لها مثيل، ربما في التاريخ، أكان في سياق شيطنة خصم سياسي كان حتى قبل 10 شهور في السلطة (ظاهرا على الأقل)، وأثبت حضوره خلال خمس جولات انتخابية حرة، أم في سياق عملية تأليه للوضع القائم، ومنحه جميع صكوك الوطنية والإبداع، فضلا عن البراءة من وزر الدماء التي سالت غزيرة في شوارع مصر. لا حاجة إلى ذلك، لأن الجميع يعرفها، لكن ما يعنينا هنا هو تلك النظرية المتعلقة بحرية الإعلام في بلاد تسيطر عليها أجهزة الأمن والسياسة بشكل مباشر، فيما تسيطر عليها من جهة أخرى منظومة المال الذي يحصل من خلاله على نفوذ سياسي، ومن خلال النفوذ السياسي على مزيد من المال.
كيف يمكن الحديث عن حرية إعلام في زمن تخضع فيه وسائل الإعلام لتلك الثنائية الرهيبة التي تتحكم به طولا وعرضا، فيما لا تحصل وسائل الإعلام الأخرى التي تعبر عن قوىً سياسية لها حضورها الحقيقي في الشارع، سوى على مساحة محدودة من التأثير.
والأمر هنا لا يتعلق بالبعد السياسي وحده، بقدر ما يتعلق بسطوة المال، في ظل حقيقة أن أية وسيلة إعلامية مهما بلغ إبداع أصحابها لن تكون من زاوية التأثير بمستوى أخريات يملكن المال الوفير، ويخضعن عمليا لسطوة رجال الأعمال المتحالفين مع السلطة، بل المعبرين عنها.
كيف لمثل هذه الأجواء أن تصنع إعلاما حرا بالمعنى الحقيقي للكلمة، فيما يعلم الجميع أنه إعلام يعاني العبودية للمال وللسياسة في آن، والبعد الأمني جزء منها؟!
في أيام الرئيس مرسي حصل الإعلام على مساحة هائلة من الحرية، ولم يكن ذلك فقط لأن الرجل منحاز للحرية، ويعبر عن ضمير ثورة قامت ضد الاستبداد والفساد، بل لأنه لم يكن يملك خيارا آخر، فقد بقي الحال على ما كان عليه، إذ جرى التعامل معه بوصفه المعارضة وليس السلطة.
في وسائل الإعلام المصرية عموما، بما فيها للمفارقة الحكومية منها، كان مرسي والحزب الذي رشحه رئيسا هما المعارضة بالنسبة لوسائل الإعلام، بينما كانت السلطة الخاضعة لذات الثنائية القديمة؛ أجهزة الأمن التي تسيطر على مساحة كبيرة من الإعلام، ومنظومة المال التي تجامله، كانت تتحالف ضده في سياق إسقاط تجربة سياسية وليدة بأي ثمن كان.
لم يكن ما جرى منذ ثورة يناير وحتى إسقاط مرسي حرية إعلامية، بل خطة إعلامية لإسقاط تجربة سياسية، وهي كانت خطة محكمة من كل زواياها الأمنية والسياسية والإعلامية والقضائية، ولم يكن بوسع الطرف المستهدف أن يفعل الكثير في مواجهة أكبر حملة شيطنة في التاريخ.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لا يتعلق ابتداءً بالبعد الأمني والسياسي، بل بالبعد المتعلق بسطوة المال، إذ هل يمكن القول إن سيطرة فئات مالية حصل أكثرها على الثراء بطرق مشبوهة أن يدشنوا إعلاما حرا بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكيف للمجتمع أن يواجه هذه المنظومة التي تفتري الكذب في وضح النهار من دون أن يحاسبها أحد.

هنا تأتي فكرة نصف الثورة التي قامت في مصر، والتي تركت كل أسس الوضع السابق على حالها، فيما كان ينبغي أن يكون أصحاب المال الذين يديرون الفضائيات، وكانوا يمولون الفوضى من أول من يخضعون للمساءلة، لكن بقاء السلطة بكل مفرداتها قائمة لم يترك لذلك سبيلا.
والنتيجة أن معركة تحرير الإعلام هي جزء لا يتجزأ من معركة تحرير المجتمع من سطوة السلطة، وإعادة القرار للشعب، وحينها يمكن إنشاء منظومة إعلامية تقوم على الحرية المسؤولة التي يمكن محاسبتها أمام قضاء حر ونزيه، وهي معركة طويلة كما يبدو، بل هي كذلك بكل بكل تأكيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق