القوميون بقيادة بشار والسيسي وتمويل إيران!!
ياسر الزعاترة
مع الربيع العرب افتضح الأمر تماما، فقد وقف القوم مع بشار ضد ثورة شعبه، وحين انقلب السيسي على خيار الصناديق لم يجدوا غير الانحياز إليه، وها إننا نسمع عن ضغوط يمارسها "المؤتمر القومي العربي" على حمدين صباحي المحسوب على التيار القومي لكي ينسحب لصالح السيسي، فيما لا يستمع الأخير (حتى الآن على الأقل)، ليس لأنه منحاز للديمقراطية؛ هو الذي ساند الانقلاب بقوة، رغم أن حزبه خاض الانتخابات على قوائم الإخوان من أجل دخول مجلس الشعب، بل لأن حلم الرئاسة بات يسكنه على نحو هستيري، وبالطبع بعد الأصوات الجيدة التي حصل عليها في انتخابات الرئاسة (2012)، والتي كرَّست عنده ذلك الهوس، وهي التي جاءت من أطياف متعددة، وفي ظل دعم سخي من إيران لحملته الانتخابية، الأرجح أن بعض القوميين أنفسهم كان لهم دور في الحصول عليها.
تدرك النخب إياها (تماما كما هو حال نخب يسارية ينطبق عليها ذات الكلام)، أن الصناديق لا تمنحها شيئا يذكر في أية انتخابات حرة ونزيهة، وحيث تعيش الدول العربية عموما ثنائية السلطة (بصرف النظر عن نخبتها)، والإسلاميين، ولذلك لا يجدون فرصة للوصول إلى السلطة من جديد إلا عبر العسكر والقوة والدولة البوليسية، ويبدو أن هناك من أقنعهم (ربما محمد حسنين هيكل) أن السيسي يمكن أن يعيدهم إلى الواجهة من جديد باستعادته لعبدالناصر، رغم الفارق الهائل في الكاريزما والبرنامج؛ وفي الظروف الموضوعية أيضا.
والغريب أن النخب إياها التي وقفت إلى جانب صدام حسين في حربه ضد إيران، والتي تدعي الانحياز للعروبة والقومية لا تجد هذه الأيام حرجا في الانحياز لإيران والحصول على تمويل منها لكل مشاريعها السياسية والفكرية، بخاصة بعد اللقاء بينهم وبينها على دعم بشار الأسد الذي يجري تخليصه من الثوب الطائفي، ومنحه رداء القومية، فيما يعلم الجميع أن الأخير قد وضع البلد رهينة بيد إيران، وأن وقوف الأخيرة معه لا يعدو أن يكون جزءا لا يتجزأ من مشروعها الذي يعد نقيضا للمشروع القومي العربي.
إنها الفضيحة في أوضح تجلياتها، إذ كيف يتحدث هؤلاء عن مشروع قومي يريدون إسنادا له من إيران التي يتناقض مشروعها تماما معه، بل إن أصل برنامجها هو التقدم في المنطقة والهيمنة عليها، وما حزب الله الذي يتغنون به سوى جزء لا يتجزأ من مشروع الولي الفقيه، الأمر الذي يقوله نصر الله بالفم الملان، ولا نعرف كيف يلتقي مشروع الولي الفقيه مع تنظيرات النخب القومية، ومعها اليسارية؟!
السبب الأهم برأينا هو التناقض المرضي مع القوى الإسلامية، معطوفا على الحسد السياسي، ذلك الذي يعمي تلك النخب القومية واليسارية عن حقيقة المشروع الإيراني في المنطقة، والذي يتناقض كل التناقض مع تنظيراتها، لكن نخبا آفلة لا تجد غير هذا المسار لاستعادة أمجادها، والاستفادة من بركات الولي الفقيه، وعطاياه، فيما يجدها الأخير مطية يستخدمها رغم إدراكه لحقيقة التناقض معها.
إنها الفضيحة، فضيحة نخب ادعت الانحياز للديمقراطية، ثم دعمت الانقلاب عليها، وادعت الانحياز للشعوب، فيما وقفت ضد الشعب السوري الثائر من أجل حريته وكرامته، وضد الثورات عموما، وادعت الانحياز للمشروع القومي، فيما ترتمي في أحضان مشروع آخر مناقض تماما.
والحال أن النخب إياها، والتي تتشكل غالبا من متقاعدين يبحثون عن حضور؛ أي حضور، لم تدرك أن الزمن تغير، وأن الجماهير قد خرجت لأجل حريتها وكرامتها أولا وأخيرا، وهي تنحاز للقوى الإسلامية كمعبرة عن ضميرها الديني والثقافي، في ذات الوقت الذي تعبر فيها عن أشواقها في الحرية والتحرر.
طوال العقود الأخيرة، لم يقدم هؤلاء غير التنظير في قضايا الأمة الكبرى، فيما كانت التضحيات من نصيب القوى الإسلامية، لكن الأخيرة لم تجد حرجا في منح هؤلاء مكانا في المهرجانات والندوات، وحين حانت الفرصة انقلبوا وعادوا إلى ما كانوا عليه من انحياز للدكتاتورية والبطش، وهم بذلك كتبوا على أنفسهم نهاية بائسة لمشروع كانت آفلا في الأصل، لأنه لم يقدم للأمة غير البؤس والقمع والهزائم.
لا شك أن التعميم مخل كالعادة، إذ لا يخلو الأمر من بعض الرموز الذي وقفوا إلى جانب حرية شعوبهم، لكن هؤلاء لم ينجوا من هجمات وتشكيك أولئك. أما الأهم فهو أن الإسلاميين لا يجدون أن العروبة نقيض للإسلام، بل هي رافعته الأهم، ومهما فعل لأولئك النفر، فإن الموقف من العروبة لن يتغير بحال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق