الخميس، 8 مايو 2014

الانقلاب يطهّر الأهلي من الإخوان!


الانقلاب يطهّر الأهلي من الإخوان!

شريف عبدالغني

في كل مرة أكتب أتناسى همومي الشخصية -وهي لو تعلمون عظيمة- وأحاول ألا أبعد عن الروح الساخرة حتى لا يملّ القارئ، الذي يعطيني من وقته بضع دقائق لقراءة المقال.
رغم كل الظروف والأحوال بدت معظم كتاباتي ساخرة، ربما بالنسبة الديمقراطية العربية المفضلة «%99.999». لكن أحيانا يفقد الإنسان القدرة على السخرية بعدما تزداد مساحة البشاعة والقبح حوله.
كلما تذكرت الدكتور محمد مرسي، الرئيس التقي النقي الورع العادل العالم، وما يحدث له، أجد أنه من التفاهة أن أكون ساخرا والرجل يدفع حياته وروحه فداء لبلد لا يستحقه. قلتها مرارا مصر لا تستحق محمد مرسي. مصر جسدها اعتاد الفساد. يطرد كل ما هو غريب عنه. لذلك طرد مرسي.
هل تستقيم السخرية في بلد يقتل أقذرُ من فيه أحسنَ من فيه؟!
هل تصح السخرية وخيرة مصر وأملها وحرائرها ومستقبلها ونخبتها في المعتقلات، بينما أحقر من في مصر من السفاحين والجزارين ومحترفي النصب على الشعوب والدجالين والقوادين والعاهرات هم من يتصدرون المشهد، ويحكمون ويتحكمون في بلد سقوطه يعني سقوط العالم العربي كله؟!

مصر هي القلب، حقائق التاريخ تؤكد أنها تؤثر إيجابا أو سلبا في محيطها حسب حالتها. 
والحالة كما ترون: قتل ونهب وسرقة وفقر وضياع وتفاهة وهيافة وفكاكة وفيفي ويسرا ودينا وسما وإلهام وليلى ولميس وعكاشة وأديب وإبراشي وخيري وعيسى وجلاد ورولا وحمودة وزفت وقطران.
الانقلاب مصمم، وحالف برحمة كل من هتلر وموسوليني والقذافي على أن يقّبح كل ما في مصر. 
النادي الأهلي ظل حالة فريدة من نوعها في المحروسة. بقي رمزا للنجاح في ظل فشل دائم للسلطات التي تعاقبت على البلد منذ نشأة النادي العريق عام 1907. منظومته وبنيته وإداراته ظلت بعيدة عن وكسات مصر، لذلك اتجهت إليه النفوس الحائرة التواقة إلى رؤية وطن أفضل.
توافد على رئاسة النادي طوال تاريخه الطويل شخصيات ذات وزن وقيمة وقامة. لم تنحنِ لسلطة أو تنافق زعيما أو رئيسا ولم تجعل من خدها مداسا للي يسوى واللي ما يسواش. لذلك استحقت الخلود في ذاكرة المصريين وكل من عرفوهم. من أشهر هؤلاء محمود مختار التيتش وصالح سليم.
الأخير له قصص تروى في الاعتزاز بكرامة النادي وكرامته الشخصية أمام حسني مبارك. كان صالح سليم يؤمن أن خلوده يكمن في ثقافة «الاستغناء»، لذا لم يلهث وراء مسؤول أو يطلب مصلحة شخصية من حاكم. مبارك لم يحبه، وصالح لم يطلب وده. المخلوع تعود على الخضوع، لكن رئيس الأهلي لم يفعلها، بل كان عملاقا بينما مبارك قزم أمامه.
أدرك صالح سليم أن الحاكم هو الذي يحتاجه. أيقن مبكرا قيمة الأهلي وأن النادي بجماهيريته العريضة وإنجازاته أقوى من أي حكومة، كان الأهلي في عهده مفخرة قبل أن يتحول في هذه الأيام «الغبرا» إلى مسخرة.
بعد كارثة بورسعيد في عهد المجلس العسكري، ووفاة 74 زهرة بريئة من مشجعي النادي، أصاب الصمم حسن حمدي رئيس النادي خوفا على مصالحه. لكن معادن الرجال تظهر وقت الشدة، رفض محمد أبوتريكة مصافحة المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري، الذي استقبل بعثة الفريق في القاهرة بعد عودتها من المدينة الساحلية.
أبوتريكة رفض مصافحته لأنه مسؤول بصفته حاكم البلاد وقتها عن الدماء الطاهرة التي راحت في غمضة عين، بعد تقاعس الشرطة والأمن عن حماية المشجعين أمام جحافل القتلة، واتضح بعد ذلك أن تفسير أبوتريكة كان صحيحا!
اتضح أيضا أن السلطة استدرجت شباب «أولتراس أهلاوي» للمذبحة، بعدما شاركوا بفعالية في ثورة 25 يناير وكسروا عنجهية الأمن.
تبين أنها صممت على الانتقام لأنهم قبل المذبحة بأيام هتفوا في إحدى مباريات ناديهم: يسقط يسقط حكم العسكر.
الانقلاب يقضي حاليا على هؤلاء الشباب، اعتقل كثيرين منهم، مع حملات تحريضية واسعة ضدهم في الإعلام. يريد مشجعين منكسرين مهزومين، يذهبون للفرجة على المباريات ويتفاعلون مع الهدف و «الترقيصة» وضربات الجزاء وفقط، ودون أن يتدخلوا في الشأن العام ويهتفوا ضد من ينتهكون الشعب.
وضح تماما أن الانقلابيين يريدون تدجين الأهلي ليصبح ناديا عاديا مثل باقي الأندية، وتخليصه من عنفوانه وكونه «نادي الوطنية المصرية»، بعدما نشأ ليكون ناديا للمصريين ضد الاحتلال الإنجليزي.
ولأن رئيس النادي السابق حسن حمدي متهم في قضايا إهدار مال عام، فقد اشترى رضا السلطة وباع أيقونة مصر أبوتريكة، حتى طفشه من النادي وأجبره على الاعتزال، لمجرد أنه صاحب ضمير وطني ورفض مذابح السلطة.
لم ينسوا له رفضه مصافحة وزير الرياضة الانقلابي طاهر أبوزيد في نهائي بطولة الأندية الإفريقية الماضية. اضطهدوا معه كل من يرفض حياة العبودية، وذبحوا اللاعب أحمد عبدالظاهر بعدما رفع على استحياء بعد هدفه في النهائي إشارة «رابعة» تضامنا مع الشهداء.
اتهموه برفع شارة سياسية رغم أنها غير مصنفة في الإشارات التي يعاقب عليها الاتحاد الدولي، حرموه من مكافأة الفوز بالبطولة التي كان سببا أساسيا في حصدها، ومنعوه من المشاركة في كأس العالم للأندية، ثم نفوه إلى ليبيا.
مجلس الإدارة الجديد لم يكن أقل كرما في تخليص النادي من أفضل عناصره لمجرد أنهم ضد وأد التجربة الديمقراطية.
نائب رئيس المجلس هو رئيس حزب «المصريين الأحرار» بقيادة رجل الأعمال نجيب ساويرس، وهو الحزب الذي يسير في ركب الانقلاب، وكان من ناشري الفوضى ومموليها في الشارع أيام مرسي.
يقال إن صبي ساويرس هو من يقود النادي فعليا بدعم خفي من رجل الأعمال، لذلك ظهرت البشائر سريعا: إقالة هادي خشبة رئيس قطاع الكرة المؤيد للرئيس الشرعي محمد مرسي. وإقالة مدير الجهاز سيد عبدالحفيظ المحترم بتهمة «الأخونة». وإقالة المدير الفني محمد يوسف «تهمته أنه صديق هادي خشبة»! ثم طالت الهوجة كل المدربين في المراحل السنية المختلفة المؤيدين للشرعية.
الطامة الكبرى كانت ذهاب رمز النادي محمود الخطيب -المعروف طوال عمره بحياديته- ضمن وفد الموالسين اللاهثين لمبايعة كبير القوم رئيسا. نسي أن الأهلي هو المطلوب وليس الطالب.
نسي أن جمهور النادي نحو %70 من المصريين. نسي تاريخ صالح سليم وكبرياءه.
إذن كل شيء في مصر في عهد الانقلاب طاله القبح.. يا خسارة يا أهلي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق