انقلاب فكري سببه المحرقة
د.محمد عمارة
كان سيد قطب (1324 - 1386 هـ، 1906 - 1965م) مبدعا في كل ما كتب فيه.
فتفسيره للقرآن قد جاء رؤية تَعانق فيها القلب المتوقد شوقا إلى عالم المثل والأرواح مع العقل المبرأ من الخرافات والإسرائيليات.
وما كتبه عن التصوير الفني في القرآن؛ كشف عن روح الفنان المسلم عندما تتبتل في محراب الإعجاز الذي ما وراءه إعجاز.
وكذلك كانت إبداعاته في العدل الاجتماعي والاستقلال الحضاري، كلها معالم في مشروع فكري يقدم الوسطية الإسلامية والاستنارة الفكرية، والتجديد الذي يستخرج من الأصالة كل جديد.
لكن الرجل عندما سِيق إلى سجن الديكتاتورية، ووضع على محرقة التعذيب، ورأى أن النظام الذي يصنع هذه المحرقة للذين يدعون إلى الإصلاح الإسلامي تصفق له الجماهير، تخلى - لفرط عاطفته الأدبية وغلبة مشاعر الفنية على الحسابات العقلية المجردة - عن فكره الطبيعي؛ الذي أثمر كتاباته السابقة، وانخرط في فكر التوتر والغضب والرفض والاحتجاج والمفاصلة الفكرية، فكتب في ديوان إبداعاته صفحة أثارت الكثير من الجدل بين محبيه وناقديه.
لقد انتقل قطب من فكر حسن البنا (1324 - 1368 هـ، 1906 - 1949م) الذي قال عن مصر: "لقد اندمجت مصر بكليتها في الإسلام بكليته، عقيدته ولغته وحضارته، ودافعت عنه وذادت عن حياضه، وردت عنه عادية المعتدين، ومن هنا بدت مظاهر الإسلام قوية فياضة وزاهرة دفاقة في كثير من الحياة المصرية. فأسماؤها إسلامية، ولغتها عربية وهذه المساجد العظيمة يذكر فيها اسم الله ويعلو منها نداء الحق صباح مساء، وهذه مشاعرنا لا تهتز لشيء اهتزازها للإسلام وما يتصل بالإسلام".
انتقل سيد قطب-عندما وضع على المحرقة - من هذه الرؤية الإصلاحية الحانية، إلى الروية الانقلابية التي صاغها العلامة أبو الأعلى المودودي (1321 - 1399 هـ، 1903 - 1979م) في مناخ كان المسلمون فيه ربع السكان الهندوس.
وكانت كتب المودودي قد ترجمت للعربية بعد استشهاد حسن البنا، ووصلت إلى أيدي الإخوان إبان محنتهم الأولى، وفي هذه الرؤية الانقلابية - التي تبناها سيد قطب- قال المودودي: "إننا نعيش عصر الجاهلية المحضة، فلقد وجدت الجاهلية سبيلها إلى النظام الاجتماعي الإسلامي منذ أواخر عهد عثمان بن عفان، وانتهى بذلك عهد الخلافة على منهاج النبوة، وحل محلها الملك العضود وبدأ الحكم والسلطة يقومان على قواعد الجاهلية بدلا من قواعد الإسلام، وإن الحضارة التي ازدهرت في قرطبة وبغداد ودلهي والقاهرة؛ لا دخل للإسلام فيها ولا صلة، وتاريخها ليس إسلاميا، بل الأجدر أن يكتب في سجل الجرائم بمداد أسود".
تبنى سيد قطب - عندما وُضع على المحرقة - رؤية المودودي هذه، فكتب في كتابه "معالم على الطريق": "إنه يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة، فهذه المجتمعات، وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله، فإنها تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، وتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها وكل مقومات حياتها تقريبا! إن موقف الإسلام من هذه المجتمعات كلها يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها، وإن وجود الأمة الإسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة من فوق ظهر الأرض جميعا، إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون، هم يحبون حياة الجاهلية، ليس هذا إسلاما، وليس هؤلاء مسملين"!
وما كتبه عن التصوير الفني في القرآن؛ كشف عن روح الفنان المسلم عندما تتبتل في محراب الإعجاز الذي ما وراءه إعجاز.
وكذلك كانت إبداعاته في العدل الاجتماعي والاستقلال الحضاري، كلها معالم في مشروع فكري يقدم الوسطية الإسلامية والاستنارة الفكرية، والتجديد الذي يستخرج من الأصالة كل جديد.
لكن الرجل عندما سِيق إلى سجن الديكتاتورية، ووضع على محرقة التعذيب، ورأى أن النظام الذي يصنع هذه المحرقة للذين يدعون إلى الإصلاح الإسلامي تصفق له الجماهير، تخلى - لفرط عاطفته الأدبية وغلبة مشاعر الفنية على الحسابات العقلية المجردة - عن فكره الطبيعي؛ الذي أثمر كتاباته السابقة، وانخرط في فكر التوتر والغضب والرفض والاحتجاج والمفاصلة الفكرية، فكتب في ديوان إبداعاته صفحة أثارت الكثير من الجدل بين محبيه وناقديه.
لقد انتقل قطب من فكر حسن البنا (1324 - 1368 هـ، 1906 - 1949م) الذي قال عن مصر: "لقد اندمجت مصر بكليتها في الإسلام بكليته، عقيدته ولغته وحضارته، ودافعت عنه وذادت عن حياضه، وردت عنه عادية المعتدين، ومن هنا بدت مظاهر الإسلام قوية فياضة وزاهرة دفاقة في كثير من الحياة المصرية. فأسماؤها إسلامية، ولغتها عربية وهذه المساجد العظيمة يذكر فيها اسم الله ويعلو منها نداء الحق صباح مساء، وهذه مشاعرنا لا تهتز لشيء اهتزازها للإسلام وما يتصل بالإسلام".
انتقل سيد قطب-عندما وضع على المحرقة - من هذه الرؤية الإصلاحية الحانية، إلى الروية الانقلابية التي صاغها العلامة أبو الأعلى المودودي (1321 - 1399 هـ، 1903 - 1979م) في مناخ كان المسلمون فيه ربع السكان الهندوس.
وكانت كتب المودودي قد ترجمت للعربية بعد استشهاد حسن البنا، ووصلت إلى أيدي الإخوان إبان محنتهم الأولى، وفي هذه الرؤية الانقلابية - التي تبناها سيد قطب- قال المودودي: "إننا نعيش عصر الجاهلية المحضة، فلقد وجدت الجاهلية سبيلها إلى النظام الاجتماعي الإسلامي منذ أواخر عهد عثمان بن عفان، وانتهى بذلك عهد الخلافة على منهاج النبوة، وحل محلها الملك العضود وبدأ الحكم والسلطة يقومان على قواعد الجاهلية بدلا من قواعد الإسلام، وإن الحضارة التي ازدهرت في قرطبة وبغداد ودلهي والقاهرة؛ لا دخل للإسلام فيها ولا صلة، وتاريخها ليس إسلاميا، بل الأجدر أن يكتب في سجل الجرائم بمداد أسود".
تبنى سيد قطب - عندما وُضع على المحرقة - رؤية المودودي هذه، فكتب في كتابه "معالم على الطريق": "إنه يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة، فهذه المجتمعات، وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله، فإنها تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، وتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها وكل مقومات حياتها تقريبا! إن موقف الإسلام من هذه المجتمعات كلها يتحدد في عبارة واحدة: إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها، وإن وجود الأمة الإسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة من فوق ظهر الأرض جميعا، إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون، هم يحبون حياة الجاهلية، ليس هذا إسلاما، وليس هؤلاء مسملين"!
هكذا حدث الانقلاب في فكر سيد قطب بسبب المحنة التي تلقاها؛ بالعاطفة الأدبية، وليس بالعقل الفقهي المجرد. ولقد بلغ من مطابقة هذا الفكر - الذي جاء في "المعالم" - لفكر المودودي؛ أن المودودي عندما قرأ "المعالم" أثناء زيارته للسعودية عام 1966م، قال للشباب الذين قدموه له: "كأني أنا الذي ألفت هذا الكتاب"!
هكذا دفعت المحنة العاطفة الأدبية الجياشة لسيد قطب إلى أن يخط هذه الصفحة المثيرة للجدل، في كتاب الاستنارة الكبير الذي قدمه لأمته، ومراجعة هذه الصفحة فريضة إسلامية، لكن اختزال سيد قطب في هذه الصفحة ظلم عظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق