القدس وسيناء والتمويل السعودي لصفقة القرن
حكام بعض الدول العربية يشاركون في مؤامرة ترمب ونتنياهو لسرقة القدس وإتمام الصفقة الملعونة التي يرتبون لها سرا
عامر عبد المنعم
التهويد الكامل للقدس وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأنها عاصمة الكيان الصهيوني جزء من الخطة الإسرائيلية الكبرى التي يطلق عليها "صفقة القرن" التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية وإلغاء وجود فلسطين.
لقد انتفض العالم الإسلامي غضبا ضد القرار وعبرت الشعوب المسلمة عن إدانتها ولكن الملاحظة الأهم هي الصمت الرسمي الذي التزم به معظم رؤساء وملوك العرب، خاصة السعودية ومصر، حيث بدوا وكأن الأمر لا يعنيهم.
هذا الصمت يؤكد الحقيقة الصادمة وهي أن حكام بعض الدول العربية يشاركون في مؤامرة ترمب ونتنياهو لسرقة القدس وإتمام الصفقة الملعونة التي يرتبون لها سرا.
الأمة أمام صفقة حرام، بدايتها بيع القدس وستمتد إلى غزة، ولن يقف التوسع الصهيوني عند حدود فلسطين وإنما ستتواصل عملية السطو إلى تدويل شمال غرب المملكة السعودية "نيوم" وتحويل سيناء إلى مخيم مؤقت للاجئين الفلسطينيين بعد طردهم من غزة حسب التصورات الصهيونية.
صفقة القرن لتنفيذ خطة رئيس جهاز الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق إيغورا أيلاند ليست مجرد أفكار على الورق وإنما قطعوا شوطا كبيرا منها خلال العامين الماضيين، والغريب أن الذي قام بالمهمة حكام عرب وليس الإسرائيليون!
خطة أيلاند
تقوم خطة أيلاند على فكرة تبادل أراضي وإلغاء حل الدولتين وهي كالتالي:
1- تنقل مصر إلى غزة مناطق مساحتها 720 كم، وتشمل هذه المنطقة جزءا من الشريط الممتد على شاطيء البحر المتوسط بطول 24 كم، من رفح حتى العريش، أما الضلع الثاني فيمتد جنوبا من كرم أبو سالم بطول 30 كم، وإقامة ما يسمى "دولة غزة الكبرى" يعيش فيها فلسطينيو غزة والضفة والفلسطينيون من أصول غزاوية الذين يعيشون في الأردن.
2- تستولي إسرائيل على 12 القدس كاملة وعلى % من أراضي الضفة الغربية.
3- تعطي "إسرائيل" مساحة 720 كم من صحراء النقب لمصر.
4- إنشاء مطار وميناء دولي في أقصى غرب المنطقة المقتطعة من سيناء على بعد 20 أو 25 كم من الكيان.
5- لتشجيع مصر والأردن والعرب يتم حفر نفق في الجنوب أسفل فلسطين المحتلة يربط بين مصر والأردن، طوله 10 كم وعلى بعد 5 كم من إيلات ( أم الرشراش)، به طريق للسيارات وخط سكة حديد وأنبوب لتصدير النفط من السعودية ودول الخليج لأوربا، وتسير هذه الخطوط الثلاثة بعد خروجها من النفق بمحاذاة الحدود وحتى الميناء البحري.
6- يساعد البنك الدولي والمؤسسات الغربية مصر التي ستواجه أزمة مياة بتقديم القروض لإقامة محطات لتحلية مياه البحر وللتنقية الثلاثية لمياه الصرف الصحي.
7- الموافقة على حصول مصر على مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء.
8- يعقد مؤتمر دولي للسلام في مصر ينهي الاتفاق 100 عام من الصراع، يفتح الطريق أمام حصول الرئيس المصري على جائزة نوبل للسلام.
إخلاء سيناء
المحور الرئيسي للخطة الإسرائيلية هو إخلاء سيناء وبدأ الإسرائيليون ومعهم الغربيون في هذا الاتجاه منذ سنوات، وقد كشف حسني مبارك مؤخرا معلومات مهمة تفضح المكر الصهيوني، وأهم ما قاله إن نتنياهو عرض عليه طرد سكان غزة إلى سيناء، وسجل مبارك مقطعا صوتيا تم بثه على الإنترنت دافع فيه عن نفسه بعد صدور تصريحات ووثائق حول الموضوع.
لن يكون سهلا نقل الفلسطينيين إلى سيناء في ظل الكثافة السكانية الموجودة، حيث معظم سكان سيناء يعيشون في المنطقة الممتدة من رفح وحتى العريش، فكانت الخطة الصهيونية بإشعال النار في هذه المنطقة التي بدأت بجريمة قتل الجنود المصريين في رفح في أغسطس 2012 وهي عملية مجهولة لم يتبناها أحد حتى الآن، وبدأت بعدها عملية التهجير بإخلاء رفح المدينة القديمة التي لها مئات السنين.
وبعد رفح انتشرت النار غربا إلى الشيخ زويد ثم العريش، بل وصلت المعارك إلى بئر العبد في جريمة قتل المصلين في مسجد الروضة التي مازلت هوية مرتكبيها مجهولة!
التمويل السعودي
أخطر ما في صفقة القرن هو الدور السعودي بقيادة الأمير محمد بن سلمان، الذي تحمل تمويل الصفقة بالمال السعودي لتشييد البنية الأساسية لـ "دولة غزة الكبرى" وبناء الميناء البحري، وإنشاء الطرق التي تربط جنوب الإقليم الجديد بالساحل الشمالي، وتمويل المرافق والخدمات من خلال الاتفاقيات التي وقعت أثناء زيارة الملك سلمان لمصر في إبريل 2016 تحت عنوان "إنشاء منطقة حرة بشمال سيناء"، وقد أشار إلى هذه الاتفاقية محمد بن سلمان في حواره الأخير مع شبكة بلومبيرغ.
أشار بن سلمان في الحوار الذي جاء بعد مؤتمر ضخم في الرياض إلى أن " الهدف وراء توقيع اتفاقية المنطقة الحرة شمال سيناء هو من أجل ربطها بنيوم؛ إذ ستحظى نيوم بالكثير من المنافذ بعضها في السعودية وبعضها في مصر".
وبالاطلاع على اتفاقية المنطقة الحرة بشمال سيناء التي وقعها الملك سلمان مع عبد الفتاح السيسي نكتشف المفاجأة وهي التنفيذ شبه الحرفي لخطة أيلاند الإسرائيلية؛ فالسعودية تتولى تنفيذ المشروعات الآتية:
1- إنشاء الميناء البحري الدولي الذي يقع في المنطقة المحددة.
2- إنشاء شبكة من الطرق في شمال سيناء تربط النفق الجديد المزمع حفره بمنطقة الساحل.
3- إنشاء محطة التنقية الثلاثية لتكرير مياة الصرف الصحي المخصصة لمخيم اللاجئين الفلسطينيين.
4- حفر قناة المياه العذبة التي ستنقل مياه النيل إلى الكيان الصهيوني من سحارة سرابيوم والتي ستصل إلى صحراء النقب.
وجاء حديث بن سلمان في معرض كلامه عن مشروع نيوم الذي يؤمن للكيان الصهيوني التمدد جنوبا إلى مدخل خليج العقبة، الذي ستتحول إليه حركة النقل البحري من قناة السويس.
الدور السعودي لم يكن مطروحا في البداية لأن السعودية ليست من دول الطوق وليس لها حدودا مشتركة مع فلسطين، ولكن دخول السعوديين كطرف رئيس في صفقة القرن جاء لسببين: الأول متعلق بتغيير طريقة إدارة الصراع وتخلي الإسرائيليين عن الاتفاقات الثنائية على أسس سياسية واستراتيجية إلى استخدام أسلوب "التدويل" والحلول متعددة الاطراف على أسس اقتصادية وربحية.
والسبب الثاني للدخول السعودي بهذه القوة هو استغلال طموح الأمير الشاب الذي يريد أن يكون ملكا، واستعداده لتقديم القرابين للصهاينة كي يدعموه ويساعدوه في الحصول على مباركة الولايات المتحدة ودول أوربا.
الاستيلاء على كل فلسطين
الخطة الإسرائيلية في الجزء المتعلق بالضفة وغزة في ظاهرها تبادل الأراضي والمنافع، ومشاركة العرب في المكاسب الاقتصادية، ولكن في باطنها التخريب والتدمير، وترمي إلى ابتلاع كل فلسطين والتوسع خارجها، فالخطة تعمل على ضم الأراضي التي لها أهمية استراتيجية وتاريخية ودينية في الضفة الغربية، والسيطرة على كل القدس والمسجد الأقصى.
وبالنسبة لغزة يخطط الإسرائيليون لارتكاب مذبحتين الأولى: مسح قطاع غزة من الخريطة وإزاحة السكان خارج فلسطين، والثانية قتل المصريين وطردهم من أهم منطقة في سيناء لحرمان مصر من خط الدفاع الاستراتيجي التاريخي الذي يتركز فيه معظم سكان شبه الجزيرة.
لا دولة فلسطينية
الهدف الإسرائيلي ليس التخلص من قطاع غزة وتحجيم الضفة لإقامة كيان فلسطيني آخر بمساحة أكبر، وإنما المقصود هو تفكيك الكيان الموجود وعدم السماح ببناء كيان جديد، ولهذا كان الترتيب لتهيئة الأرض الجديدة باتفاقات رسمية لتكون تحت الإدارة الدولية، وأن تسند للسعودية ومصر مهمة السيطرة عليها باعتبارها جزءا من المصالح الاقتصادية لكلا الدولتين.
وتأتي المبادرة السعودية والاتفاقات التي أبرمت لبتجهيز المنطقة الجديدة، قبل عملية إخلاء غزة التي يرتبون لها، وستكون بشن حرب إسرائيلية مدمرة بغطاء دولي وعربي، تدفع السكان للمغادرة إلى موطنهم الجديد ليجدوا أنفسهم في مخيمات تنتظرهم منظمات الإغاثة الدولية، في منطقة تحت السيطرة المحكمة، والمخططة مسبقا وغير مسموح فيها بأي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية.
نيوم وتيران وصنافير
مشروع نيوم هو الغطاء الذي تنفذ من خلاله الخطة الإسرائيلية؛ فالتكلفة المعلنة للمشروع تصل إلى نصف تريليون دولار، وهذا الرقم أكبر بكثير من تكلفة مدينة للترفيه والسياحة، كما أن المعلومات المنشورة عن المشروع غير منطقية؛ فلا يوجد أي مقومات لبناء منطقة صناعية أو إنتاجية.
الأخطر في مدينة نيوم حسب كلام بن سلمان أنها مخصصة للأجانب "لن يكون في نيوم غير المستثمر والعامل في أحد المشاريع والسائح" وليست للسعوديين الذين يعانون من أزمة اقتصادية طاحنة وزيادة العجز في الموازنة العامة.
مشروع نيوم في حقيقته عنوان التوسع الإسرائيلي وتشييد البنية الأساسية لنواة إسرائيل الكبرى والتمدد جنوبا بتدويل شمال غرب السعودية لمنع التمدد الشعبي السعودي من الاقتراب من مدخل خليج العقبة الذي يتم تهيئته ليكون طريق التجارة الدولية بعد تدويل مضيق تيران بصفقة تيران وصنافير التي وقع عليها أيضا محمد بن سلمان.
كان واضحا في اتفاقية تيران وصنافير أن الطرف السعودي لعب دور المحلل لصالح الكيان الصهيوني؛ فالخطط الإسرائيلية لتحويل حركة التجارة من قناة السويس إلى ميناء إيلات (سواء بخط السكة الحديد أو شق قناة أخرى بديلة) ما كان يمكن أن تتم في ظل بقاء مضيق تيران تحت السيادة المصرية.
***
الإسرائيليون يوظفون حكام العرب ليلعبوا في المساحات المحددة لهم، لإنجاز المهام لتحقيق المصالح الصهيونية وليس في تفكير قادة الكيان تحقيق مصالح العرب.
والاستراتيجية الصهيونية الأمريكية ليست سرية، وهي تعمل على استنزاف السعودية لتمويل المشروعات الأمريكية والإسرائيلية بتعبير ترامب "حلب البقرة حتى يجف ضرعها ثم يتم ذبحها" والتقسيم هو النهاية المرسومة لأرض الحرمين في كل خطط التقسيم التي يجري تنفيذها بالمنطقة العربية.
كل التصورات الصهيونية لسيناء تعمل لإخلائها وطرد السكان منها، وكل الإغراءات الاقتصادية مجرد أوهام، فالفلسطينيون لن يستسلموا ولن يقبلوا ترك فلسطين، وما فشلت فيه "إسرائيل" بثلاثة حروب في غزة بتأييد غربي لن تنجح فيه حتى لو شارك معهم بعض حكام العرب.
الحلم الصهيوني مشروع استئصالي لا يقبل بوجود شركاء، وإذا استمر السيسي وبن سلمان في صفقة القرن فلن يصلا إلى شيء غير أنهما سيقفان في مواجهة الأمة كلها وليس فقط الشعب الفلسطيني الذي يستأسدون عليه ويفرضون حوله الحصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق