الجمعة، 24 نوفمبر 2023

يا أهل غزة.. لا تعبروا الحدود!

 

يا أهل غزة.. لا تعبروا الحدود!

عائلة من مخيم جباليا تقف أمام مركز إيواء وسط قطاع غزة (الجزيرة)

يا أهل غزة العظماء.. نرجوكم ألا تنزحوا، وإن نزحتم ألا تعبروا الحدود. كثيرة هي الدروس التي قدمتموها للعالم، في البطولة والصمود والتحدي والإصرار، في مواجهة حرب إبادة صهيونية همجية وحشية لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، ضد المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، حرب كشفت عن حقيقة الوجه الذي يتستر خلفه الكيان الصهيوني المجرم الذي تقف حركته الصهيونية وراء الشرور كافة التي تعاني منها البشرية في المجالات كافة، حرب لا يدري مجرموها أنهم في كل قذيفة يقصفون بها بيوت الآمنين ومستشفياتهم ومدارسهم ومساجدهم إنما ينثرون في الركام وحطام المنازل والآمال والأحلام؛ بذور الانتقام الفلسطيني القادم، التي ستنبت أجيالاً لم ينتقص الدمار والموت من عزيمتها وإصرارها شيئاً، متلهفة لأخذ الثأر وتحقيق وصايا الآباء والأجداد.

يا أهل غزة العظماء.. إن صمودكم في بيوتكم إلى جانب المقاومة سيشد من أزرها، وسيكون الضمانة الوحيدة للحيلولة دون تفريغ قطاع غزة وضمه للكيان الصهيوني.

دروس منقطعة النظير

يا أهل غزة.. قدّمتم للعالم دروساً عظيمة في المقاومة والبطولة والصمود والتحدي، ستتذكرها شعوب الأرض كافة، وتستفيد منها قروناً طويلة. لم تكونوا أول من واجه قوىً امبراطورية استعمارية جرّارة جبّارة متفوّقة في عددها وعدّتها، فقد سطّر التاريخ كيف صمد الشعب الفيتنامي في وجه الهمجية الأميركية، والشعب الأفغاني في وجه الهمجية الروسية والأميركية، وكيف قاوم شعب جنوب أفريقيا الحكومة العنصرية البيضاء حتى أطاح بها بلا رجعة، ومازال الشعب الأوكراني صامداً للعام الثاني في وجه العدوان الروسي..

ولكن أياً من هؤلاء وغيرهم لم يتعرّض لما تعرّضتم له على أيدي مجرمي الحرب الصهاينة، الذين تجاوزت انتهاكاتهم في حقكّم وحقّ الإنسانية أبشع ما قامت به الامبراطوريات الكبرى على مرّ التاريخ، ولم يتفوق عليها حتى هذه اللحظة سوى الهجوم الهمجي البربري غير الإنساني الذي قامت به الولايات المتحدة عندما ألقت قنابلها الذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية.

يا أهل غزة.. لقد أدهشت كتائب مقاومتكم، العالم بإصرارها ودأبها وقدرتها على تطوير أدواتها القتالية رغم الحصار الظالم المضروب حولها، كما أدهشت العالم بملاحمها البطولية واستبسالها وجرأتها ونجاحاتها في مواجهة جيش اشتهر بأنه أحد أقوى أربعة جيوش في العالم، هذه الشهرة التي تم دفنها في ركام الجرائم والفظائع التي اقترفوها ضدكم، وتمّ تمريغها في حطام دباباته وآلياته العسكرية التي دمرتها كتائبكم.

لقد ضربتم أروع الأمثلة في الصمود والصبر والاحتساب والتوكل والإصرار على المقاومة، رغم المعاناة الشاملة التي أحاطت بكم من كل جانب، والخذلان العربي والإقليمي والإسلامي، والعجز الأممي الذي لم يستطع مدّكم بما تحاجونه من الدواء والغذاء والماء والوقود، ولم يستطع أن يساعدكم حتى على استخراج قتلاكم وجرحاكم من تحت ركام البيوت والمدارس والمشافي التي انهارت عليكم تحت القصف الصهيوني البربري الذي داس بأحذيته المغمسة بدمائكم البريئة؛ على كل ما سطرته البشرية من معاهدات ومواثيق.

لقد ضربتم في الصبر والتحمّل دروساً لا تقوى عليها شعوب الأرض، حين يدمّر القصف الوحشي بيوتكم وأحلامكم وذكرياتكم على رؤوسكم، وتختلط أجسادكم وأجساد نسائكم وأطفالكم الممزقة بركام الدمار وحرائق القذائف المحرّمة دولياً؛ ثم تخرجون من تحت الرماد، ومن بين الحطام والأشلاء كالمارد الأسطوري تعلو وجوهكم ابتسامة المحتسب، وتلهج أصواتكم بالدعاء لله عز وجلّ، بأن يتقبل منكم هذه التضحيات طمعاً في رضاه، وفداء للمقاومة والوطن.

لا تخدعنكم العروض التي ستقدمها لكم الدول الغربية قريباً لتلجأوا إليها، وقد بدأت بعض هذه الدول بالفعل، مثل أستراليا، بتقديم تسهيلات غير مسبوقة لاستقبال الفلسطينيين الراغبين في اللجوء إليها، كما دعا رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف الدول الأوروبية إلى استقبال اللاجئين من قطاع غزة أسوة بما فعلوه مع اللاجئين السوريين والأوكرانيين

لا تعبروا الحدود من جديد

لم تشهد شعوب الأرض في حروبها كافة، دماراً كهذا الدمار الذي تتعرضون له في كل لحظة؛ فجأة دون سابق إنذار، ودون ذنب اقترفتموه سوى إصراركم على مقاومة الاحتلال واسترداد حريتكم وحقوقكم، وقد بلغت الانتهاكات التي ما زلتم تتعرضون لها؛ حدّاً أدمى قلوب الإنسانية جمعاء في كافة أرجاء الأرض، إلا قلوب المجرمين الذين يرتكبون هذه الفظائع، وقلوب المجرمين الذين يساعدونهم على القيام بها. ومع ذلك عليكم أن تنتبهوا للمؤامرة الكبرى التي تحاك ضدّكم، وللجريمة الأخطر من كل ما تعرضّتم له، ألا وهي جريمة تهجيركم من أرضكم، لضمّها إلى الكيان الصهيوني.

لقد بدا واضحاً منذ بداية العدوان كيف أن الكيان الصهيوني يسعى إلى دفعكم باتجاه جنوب قطاع غزة، تحت ضغط المعاناة وشدة الحاجة لكل شيء، وهي الخطوة الأولى في مخططه المدعوم من الولايات المتحدة، التي ما زالت تكرر أكاذيبها على الأسماع بأنها تدعم بقاء الفلسطينيين في قطاع غزة بعد الحرب، وأنها لا توافق على قيام الكيان الصهيوني بإعادة احتلال قطاع غزة، فلا تستمعوا لهذا الأكاذيب، واصمدوا في بيوتكم ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، أما إذا اضطررتم إلى النزوح، فليكن نزوحاً إلى جنوب قطاع غزة مع مصر، ولكن لا تعبروا الحدود إلى الجهة الأخرى..

لأنه سيكون عبوراً في اتجاه واحد، لا عودة منه مرة أخرى، وستكون هي المرة الأخيرة التي ترون فيها قطاع غزة، حيث ستتلقفكم أيادي الشتات واللجوء في الدول الغربية والعربية، ليتفرغ الكيان الصهيوني لمواصلة حربه على كتائب المقاومة، واستكمال تدميره لما تبقى من قطاع غزة، الذي سيستمر في حربه، حتى يحقق أهدافه الحقيقية بالقضاء على المقاومة (لا قدّر الله)، وتفريغ قطاع غزة وضمّه إليه، وما هي إلا سنوات معدودة حتى يقيم فيه عدداً من المدن الاستيطانية الجديدة والمشروعات الاستثمارية الإقليمية والدولية.

يا أهل غزة العظماء.. إن صمودكم سيفضح هذه الجريمة ويضع حداً لهذا الكيان الشيطاني الغاصب، فلا تخدعنكم العروض التي ستقدمها لكم الدول الغربية قريباً لتلجأوا إليها، وقد بدأت بعض هذه الدول بالفعل، مثل أستراليا، بتقديم تسهيلات غير مسبوقة لاستقبال الفلسطينيين الراغبين في اللجوء إليها، كما دعا رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف الدول الأوروبية إلى استقبال اللاجئين من قطاع غزة أسوة بما فعلوه مع اللاجئين السوريين والأوكرانيين، ووعد بأن تكون أسكتلندا أول من يفعل ذلك، وهذا كله خدمة للمخطط الصهيو-أميركي لتفريغ القطاع وضمه للكيان الصهيوني.

لقد خرج آباؤكم وأجدادكم في النكبة الأولى عام ١٩٤٨م ولم يعودوا حتى اليوم، فإذا اضررتم للنزوح لا تعبروا الحدود إلى مصر، وتشبثوا بأرضكم، فتدخل إليكم المنظمات الإنسانية والإغاثية العربية والإقليمية والدولية. لا تعبروا الحدود، حتى لو لاحقتكم قذائف الكيان الصهيوني الوحشية لإجباركم على العبور. لا تعبروا الحدود، حتى لو طالت معاناتكم وتضحياتكم. لا تعبروا الحدود، وتجمّلوا بمزيد من الصبر والتحمّل والثبات، فإن النصر صبر ساعة.

وقريباً بإذن الله؛ سينهار جيش الكيان الصهيوني، وستنهار معه حكومته وتحالفاتها السياسية، وتتكشّف جوانب الجريمة الكبرى التي قام بها رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، وسيهزم الجمع ويولّون الدبر.

قريباً، ستنبتون من جديد، وتظللكم أرواح أحبابكم بالرحمات والبشريات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق