الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

الفرق بين نواقض الإيمان.. وأحكام الردة!

 الفرق بين نواقض الإيمان.. وأحكام الردة!

د. حاكم المطيري 

يقوم أخوان بجمع كلام الحنابلة في نواقض الإيمان وحكم المرتد من كتبهم الفقهية المعتمدة عند متأخريهم كرسالة في قسم العقيدة، ويطلبون رأيي ونصيحتي.

– حيا الله الأخوين وفتح عليهم وبارك جهدهم..

هذا الباب من أدق الأبواب الفقهية، وأشدها خطورة، فأعانكم الله، وسددكم، وهنا ملحوظات:

الأولى: يجب التفريق بين نواقض الإيمان النظرية، وأحكام الردة العملية، فبين البابين بون شاسع، وفرق واسع، فمعرفة نواقض الإيمان مهمة لكل مؤمن حتى يحفظ إيمانه من الخلل، وقد يقع فيها المؤمن خطأ أو جهلا أو تأولا، ولا يترتب عليه بالضرورة الحكم عليه بالردة، حتى يظهر منه الناقض عمليا بقول أو فعل.

فنواقض الإيمان هي كمسائل الإيمان، محلها في الأصل القلب والباطن والاعتقاد، بينما الردة عن الإسلام كفرائض الإسلام محلها في الأصل الجوارح والظاهر والعمل، وهي التي يفترض أن يقتصر عليها في الدراسة الفقهية.

الثانية: كتب المتأخرين أوسع خطوًا في باب الأحكام بالردة، من كتب المتقدمين، بسبب التفريع والتوجيه، وهي تعبر عن ظروف عصرها أكثر من تعبيرها عن كلام الأئمة، فضلا عن نصوص الشارع، وقد نصّ ابن تيمية على الخلل عند المتأخرين في فهم نصوص الأئمة في هذا الموضوع بالذات، وعدم التفريق بين كلامهم في إطلاق الحكم العام، والحكم المعين!

الثالثة: ضرورة التفريق بين كفر التأويل الوارد في نصوص الأئمة بحق المتأول من أهل القبلة فيما اختلفوا فيه، كالقول بخلق القرآن ونفي الصفات من جهة، وكفر الردة من جهة أخرى، فقد أدى الخلط بينهما إلى عدم التفريق -عند المتأخرين- بين أهل القبلة وأهل الردة، بسبب إطلاق لفظ الكفر على كثير من صور التأويل، مع أنه لم يتعامل الأئمة مع من أطلقوها عليهم معاملة أهل الردة.

الرابعة: ضرورة تحديد مفهوم الردة تحديدا قرآنيا نبويا، كما فهمه الصحابة، والأئمة وسلف الأمة، خصوصا الإمام أحمد من خلال نصوصه الأصلية، ومعرفة كيف تطور هذا المفهوم واتسع عند المتأخرين ليتجاوز معناه الأصلي وهو الرجوع عن دين الإسلام وتركه والعودة للكفر، كما يفيده المعنى اللغوي والشرعي للفظ الردة، ليدخل فيه حتى من لم يقصد ترك الإسلام ولم يخرج منه، إذا وقع منه ما قد يطلق عليه أنه كفر عند المتأخرين!

الخامسة: أن ما قرره المتأخرون على أنه المذهب، لا يقتضي بالضرورة أن يكون هو نص الإمام أو الراجح والمشهور عنه، وإنما قد يكون مما روي عنه مخالفا الأئمة الثلاثة، حتى يتميز مذهبه، فصار للروايات التي خالف الإمام فيها غيره وتفرد بها (المشهورة بالمفردات) أهمية كبرى في تشكيل المذهب حتى وإن لم تكن هي المشهورة عن الإمام.

السادسة: ضرورة دراسة ظاهرة الغلو في هذا الباب بين فقهاء المذهب، وكيف تأثر بعض الحنابلة خطى المعتزلة والمتكلمين في تكفير المخالف من أهل القبلة من خلال ابن عقيل وابن الزاغوني وابن الجوزي وأبي الخطاب، وتصدي أئمة المذهب لها في كل عصر، وما ألف فيها، كما في رسالة ابن قدامة المقدسي لفخر الدين محمد بن الخضر الحراني الحنبلي في عدم تكفير أهل القبلة وعدم القول بخلودهم في النار، وقد أوردها ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة ١/ ٢٤٦، وما كتبه ابن تيمية.. إلخ

فهذه يمكن أن تكون مقدمات ضرورية للدراسة حتى تؤتي ثمارها وإلا فمجرد جمع كلام المتأخرين في هذا الباب لا جديد فيه ما لم يدرس دراسة فقهية نقدية عميقة خاصة في هذا العصر الذي أحوج ما تكون الأمة فيه إلى التأصيل والتجديد في آن واحد.


    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق