الأربعاء، 22 نوفمبر 2023

بين غزوة بدر وطوفان غزة.. الولاء والبراء من مقتضيات الإيمان

 بين غزوة بدر وطوفان غزة.. الولاء والبراء من مقتضيات الإيمان



علي الصلابي


يعتبر الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من حاد الله ورسوله من الكافرين والمنافقين، أصلا من أصول توحيد الله وإفراد العبودية له وحده، فلا يتم الإيمان إلا به ولا يكتمل الإسلام بدونه، وبين الله تعالى ذلك في عدة مواضع من القرآن الكريم كقوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) "التوبة: 71″، وقوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) " آل عمران: 28″، والنهي المشدد عن موالاة الكافرين وأعداء الدين حتى لو كانوا من ذوي القربي وبيان أن ذلك يتنافى مع أصل الإيمان، وذلك في قوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) " المجادلة: 22″.

إن الإيمان يصبغ السلوك، فإذا هو يشع من خلال الحركة والجهد، ومن خلال الكلمة، والابتسامة، ومن خلال السمت، والانفعال، ولذا لم يعذر الذين كانوا في صف المشركين؛ لأن الإيمان الذي ادعوه لم توجد له مستلزمات، فلم يـؤت ثماره.

وفضلا عن بيان ذلك في عدة مواضع من كتاب الله، فقد كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه الكرام خير شاهد عملي على الالتزام التام بالولاء والبراء، واتضح ذلك منذ بدايات الصدام بين معسكري الإيمان والكفر، فكانت غزوة بدر أولى الغزوات الإسلامية وأولى المشاهد التي تحقق فيها ولاء المؤمنين لدينهم ولإخوانهم وبراءتهم من أقربائهم وذويهم من الكفار والمشركين، فقد رسمت غزوة بدر لأجيال الأمة صورا مشرقة في الولاء والبراء، وشكلت خطا فاصلا بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسي والمادي، والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعاني، فعاشها الصحابة واقعا ماديا، وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت القيم الجاهلية، فالتقى الابن بأبيه، والأخ بأخيه:

  1. كان أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة في صف المسلمين، وكان أبوه عتبة وأخوه الوليد وعمه شيبة في صف المشركين، وقد قتلوا جميعا في المبارزة الأولى.
  2. كان أبو بكر الصديق في صف المسلمين، وكان ابنه عبد الرحمن في صف المشركين.
  3. كان مصعب بن عمير حامل لواء المسلمين، وكان أخوه أبو عزيز بن عمير في صف المشركين، ثم وقع أسيرا في يد أحد الأنصار، فقال مصعب للأنصاري: شد يدك به؛ فإن أمه ذات متاع، فقال أبو عزيز: يا أخي! هذه وصيتك بي؟! فقال مصعب: إنه أخي دونك، تلك كانت حقائق، وليس مجرد كلمات: إنه أخي دونك! إنها القيم المطروحة لتقوم الإنسانية على أساسها، فإذا العقيدة هي أصرة النسب والقرابة، وهي الرباط الاجتماعي.
  4. كان شعار المسلمين في بدر: (أحد… أحد) وهذا يعني: أن القتال في سبيل عقيدة تتمثل بالعبودية للإله الواحد، فليست العصبية ولا القبلية، ولا الأحقاد، ولا الضغائن، ولا الثأر، هي الباعث والمحرك؛ ولكنه الإيمان بالله وحده.

ومن هذا المنطلق كانت صور الإيمان مختلفة المظاهر واحدة في مضمونها.

وللإيمان فقه عظيم، ومن هذا الفقه حينما هاجر رسول الله (ﷺ) إلى المدينة، هاجر إليها كل من استطاع ذلك من المسلمين في مكة، وحبس من كان مضطهدا، ولم يستطع ذلك، فلما كان يوم بدر كان بعض هؤلاء في صف المشركين؛ منهم: عبد الله بن سهيل بن عمرو، والحارث بن زمعة بن الأسود، وأبو قيس بن الفاكه، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه.

فأما عبد الله بن سهيل بن عمرو؛ فقد انحاز من صف المشركين إلى رسول الله (ﷺ)، فشهد المعركة، وكان أحد الصحابة الذين نالوا هذا الشرف العظيم.

وأما الآخرون؛ فلم يفعلوا ذلك، وشهدوا المعركة في صف المشركين، وقد أصيبوا جميعا، فقتلوا تحت راية الكفر، فنزل في حقهم قوله تعالى: ﴿إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا﴾ [النساء: 97] [البخاري (4596)].

قال ابن عباس: كان قوم من المسلمين أقاموا بمكة ـوكانوا يستخفون بالإسلامـ كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا على الخروج، فنزلت: إنهم لم يعذروا إذ كانت إمكانات الانتقال إلى صف المؤمنين: ﴿إن الذين توفاهم الملائكة﴾، ولم يكن الفاصل كبيرا بين الصفين، ولن يعدموا ـلو أرادواـ الفرصة في الانتقال إلى رسول الله (ﷺ) كما فعل عبد الله بن سهيل.

سبب ضعف وهوان أمتنا الإسلامية اليوم، يكمن في الابتعاد عن المنهج النبوي العظيم، وعدم الالتزام بالولاء والبراء ركنا عقائديا، وتجاهله شعوريا وعمليا بقصد أو بدون قصد، وذلك على مستوى الدول أو المجتمعات، بسبب الاستهانة الواضحة بمكانته وأهميته كمحدد أساسي وأصل رئيسي من أصول صحة العقيدة وسلامتها

إن للإيمان مستلزمات تعبر عن صدقه، وقوته، ومن مستلزماته استعلاؤه على كل القيم مما سواه، فإذا كان كذلك، كان لصاحبه الأثر الفعال، والقوة الفاعلة في بناء الحق والخير؛ الذي أراده الله، إن الإيمان يصبغ السلوك، فإذا هو يشع من خلال الحركة والجهد، ومن خلال الكلمة، والابتسامة، ومن خلال السمت، والانفعال، ولذا لم يعذر الذين كانوا في صف المشركين؛ لأن الإيمان الذي ادعوه لم توجد له مستلزمات، فلم يؤت ثماره.

وبهذا الفهم العميق لفقه الإيمان ضرب الصحابة الكرام رضي الله عنهم في بدر مثلا عليا لصدق الإيمان، التي تدل على أنهم أثروا رضاء الله ورسوله (ﷺ) على حب الوالد، والولد، والأهل، والعشيرة، فلا يعجب المسلم من ثناء الله تعالى على هذه المواقف الصادقة في قوله تعالى: ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون﴾ [المجادلة: 22].

والحقيقة أن سبب ضعف وهوان أمتنا الإسلامية اليوم، يكمن في الابتعاد عن المنهج النبوي العظيم، وعدم الالتزام بالولاء والبراء ركنا عقائديا، وتجاهله شعوريا وعمليا بقصد أو بدون قصد، وذلك على مستوى الدول أو المجتمعات، بسبب الاستهانة الواضحة بمكانته وأهميته محددا أساسيا وأصلا رئيسيا من أصول صحة العقيدة وسلامتها، فإسقاط هذه العقيدة سبب للهلاك والخسران في الآخرة، أما في الدنيا، فقد أدت إلى تفكك الأمة، وضرب وحدتها، ونشر الفتن والانقسامات بين دولها وشعوبها، مما فتح الباب لتدخل الأعداء في شؤونها ويسر للغزاة تحصيل مطامعهم فيها وغزو بلادها واحدة واحدة، وأتاح المجال لممارسة الخيانة والتآمر مع أعداء الأمة ضد أبنائها تحت مسميات السياسة أو المصلحة السياسية أو سياسة الأمر الواقع، وما يحدث في غزة اليوم خير شاهد على ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق