الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

أسرانا وأسراهم.. بين هواننا وتهويلهم..

أسرانا وأسراهم.. بين هواننا وتهويلهم..

د. عبد العزيز كامل 

عودنا عدو الله وعدونا، أن يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل جنوده المغتصبين المعتدين إذا وقع بعضهم في الأسر لمدد محدودة، فيشن لذلك الحروب ويقلب الطاولات ويقبل الهدنات، ويساوم بالمقايضة والمعاوضة والمعارضة.. ولا يهدأ بال ليهود -حكومة وشعبا- حتى يخلصوا أسراهم وينقذوا رهائنهم …!

-بينما تكتظ سجون هذا العدو وغيره من المعتدين على مر السنين بعشرات أو مئات الألوف من الأحرار الأبرار، من الرجال والنساء والأطفال، فلا يكاد يرف لمعاناتهم جفن مسؤول، ولا ترتفع لمآسيهم أصوات جماهير، ولا تتحرك لنصرتهم منظمات أو كيانات إلا من ذويهم، أو ممن يخافون الله فيهم.

الأسير المسلم لا يقع عادة في الأسر إلا وهو مرابط على ثغر، جهادي أو دعوي أو إعلامي أو فكري، مؤثرا أمر الأمة العام على أموره الخاصة، لذلك رفعت الشريعة أمر معاناته في الأهمية إلى مصاف الشأن العام، وقدمته على كل شأن خاص. وهذا ما أجملته نصوص الوحي، وبينته أقوال أهل العلم..

   فقد أشار القرآن العظيم لوجوب فكاك الأسير في سياق حديثه عن أفاعيل بني إسرائيل، وذلك عند قول الله تعالى: {وإن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ} [البقرة/٨٥]

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فكوا العانِيَ -يَعْنِي: الأسِيرَ- وأَطْعِمُوا الجائِعَ، وعُودُوا المَرِيضَ). (البخاري/٣٠٤٦).

وقال العز بن عبد السلام، رحمه الله: (إنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الكفار من أفضل القربات، وقد قال بعض العلماء: إذا أسروا مسلما واحدا وجب علينا أن نواظب على قتالهم حتى نخلصه أو نبيدهم، فما الظن إذا أسروا خلقا كثيرا من المسلمين؟)

 (كتاب أحكام الجهاد وفضائله/ص ٩٧).

وقال القرطبي في تفسيره: (قال علماؤنا: فداء الأسرى واجب وإن لم يبق درهم واحد) ونقل عن ابن خويز منداد قوله: (تضمنت الآية وجوب فك الأسرى وبذلك وردت الآثار عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه فك الأسرى وأمر بفكهم، وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الإجماع، ويجب فك الأسرى من بيت المال، فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين، ومن قام به منهم سقط الفرض عن الباقين).

تفسير القرطبي (٢/ ٢٦)

  بل أوجب كثير من أهل العلم القتال لفك أسر المسلمين، فقد قال ابن جُزَيّ المالكي -رحمه الله- (يجب استنقاذهم من يد الكفار بالقتال، فإن عجز المسلمون عنه وجب عليهم الفداء بالمال، فيجب على الغني فداء نفسه، وعلى الإمام فداء الفقراء من بيت المال، فما نقص تعين في جميع أموال المسلمين ولو أتى عليها). (قوانين الأحكام الشرعية/١٧٢).

وجعل شيخ الإسلام ابن تيمية تحرير الأسرى وفكاكهم من الحقوق في الأموال العامة وأموال الوقف خاصة، فقال: (فكاك الأسارى من أعظم الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات).

 [الفتاوى/٢٨/٦٣٥]

وعد الإمام ابن العربي فكاكهم وإنقاذهم من الضرورات، وتحسر على تفريط المسلمين في عصره في هذا الأمر فقال عن عموم الأسارى المستضعفين: (الولاية معهم قائمة بالمال، والنصرة لهم واجبة بالبدن، بألا يبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم، كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو، وبأيديهم خزائن الأموال وفضول الأحوال والعدة والعدد، والقوة والجلد).

[تفسير أحكام القرآن/ ٢/٤٤٠]

 أما في عصرنا؛ فما أعظم هواننا، وتفريطنا في حق إخواننا، فرحم الله ضعفنا وغفر تقصيرنا، وقوى عزائمنا، وفك الله أسر المأسورين، وفرج كرب المكروبين، وأعان من أعانهم، ونصر من نصرهم، وتولانا بلطفه ورحمته أجمعين.

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق