الاثنين، 18 مارس 2024

متى يصحو الضمير الإسلامي والعربي على مسؤوليته التاريخية؟ (2-3)

متى يصحو الضمير الإسلامي والعربي على مسؤوليته التاريخية؟ (2-3) 
المستشار شفيق إمام

تناولنا في مقال الاثنين الماضي، تحت هذا العنوان، مسؤولية العالم الإسلامي والعربي التاريخية عن نكبة فلسطين، سواء الملك العضوض، في الدولة الإسلامية، في العصور الثلاثة، الأموي والعباسي والعثماني، في أولا، والمسؤولية التاريخية للدول العربية تحت الاحتلال في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في سنة 1948 في ثانياً. 
ونتناول في مقال اليوم ما فاتنا ذكره في المقال السابق، في سياق الحديث عن المسؤولية التاريخية للملك العضوض في عصوره الثلاثة، وهو غياب حق الشرع، وهو استقلال القضاء، في جوهره الحقيقي وهو حفظ النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ثم نتبعه بثالث وهو أن أمن فلسطين جزء من الأمن القومي العربي، ورابعا بالحرب النفسية التي تخوضها المقاومة الفلسطينية الآن، في صفقة الهدنة سواء من الإمبريالية العالمية، أو من أشقائها العرب.
 
غياب حق الشرع (الإسلامي) 
في الملك العضوض، من الدولة الأموية، الى الدولة العباسية، إلى الدولة العثمانية، حيث غابت ولاية القضاء في حفظ الدين والنفس، بأن سلبت الدول في هذه العصور من القضاء ولايته، عندما صادر هذا الملك العضوض، حرية الرأي وحق التعبير عنه تحت عباءة طاعة ولي الأمر، وتكفير من يخرج على طاعته، فكانت تقطع رقبة من تسول له نفسه مخالفة رأي الخليفة أو السلطان أو الأمير أو الوالى، دون محاکمة عادلة ومنصفة أمام القضاء، فاستقلال القضاء الذي اعتبره الفقه الإسلامي حق الشرع كان غائبا عن الدولة الإسلامية، في عصور الملك العضوض، فيما يعنيه هذا الاستقلال، من أن يكون القضاء قواما على حفظ النفس والعرض والمال، وقد كان إزهاق الأرواح، أمرا مباحا للحكام في هذه العصور درءاً للفتنه! 
والفتنه أشد من القتل، وقراراته وآراؤه محل قداسة، لم يعد يقول بها أحد في عصر التنوير وحقوق الإنسان، فكان يمتنع على القضاء، النظر في صحة وسلامة هذه القرارات والآراء، وإن خرج القاضي على هذه القداسة، فقرر عدم شرعية تولي حكم مصر السلطان لأنه مملوك، فالتزم السلطان بهذا الأمر، وعرض نفسه، كما عرض المماليك أنفسهم للبيع في سوق الرقيق، حتى تم تحريرهم، لتتولوا حكم البلاد والعباد. 
إلا أنه في حفظ الأموال والأعراض، فقد حرص الحكام في هذه العصور على كفالة استقلال القضاء في عصور الملك العضوض، كأصل عام، بل شموخ أحكامه، فقد كان قضاة هذه العصور مستقلين، لا سلطان لأولي الأمر عليهم في قضائهم، وكان يتم الاختيار لولاية القضاء الأكثر فقها وعلما، ويسحن ويعذب من يرفض القضاء (منهم الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد بن حنبل، وغيرهما) لارتكابه معصية هي مخالفة الآية الكريمة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...)، وهو تأويل للنص إلى غير المقصود منه، ذلك أن المعنى المراد من هذا النص، هو أن الأمر بطاعة المولى عز وجل وطاعة رسوله ونبيه، صلى الله عليه وسلم، هو خطاب موجه إلى أولي الأمر، بطاعة الله ورسوله، بل هم أولى بطاعة الله ورسوله، فهم القدوة للمسلمين في هذه الطاعة. ومن المعلوم كذلك، أن الكنيسة الكاثوليكية كانت تجري محاكمات لمخالفيها في الرأي وللعلماء، وتقضى المحاكم الكنسية بإعدامهم بتهمة الهرطقة، خلال فترة تسلطها الديني على الحكام في العصور الوسطى. 

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن أمرا ملكيا صدر في فرنسا بقتل جميع البروتستانت في الصراع المذهبي الذي نشأ بين المنتمين للمذهب الذي يدين به الملك، والبروتستانت، هي مجموعة من المسيحيين، من أبرز مؤسسيها مارتن لوثر وكالفن، والتي ظهرت في أوروبا كحركة إصلاح ديني للكنيسة الكاثوليكية وتسلطها الديني والدنيوي آنذاك، وكمحاوله للتخلص من النظام الإقطاعي الأوروبى، ويربط بعض المفكرين هذه الحركة ببداية الثورة الصناعية. 
ثالثا: الأمن العربي مسؤولية قومية تاريخية
 فعدو العرب واحد وهو النظام العالمي الاستعماري والذي يهمين على كل جزء من أجزاء الوطن العربي، يستغل ثرواته، ويملك مقدراته اقتصاديا بواسطة الشركات المتعددة الجنسيات، وصندوق النقد الدولي، والفساد الذي سرى واستشرى في حكوماته. فالحملة الفرنسية الاستعمارية، طليعة الحملات الاستعمارية الأوروبية في العصر الحديث 1798م، استهدفت مصر وفلسطين معا، لاتخاذ مصر وفلسطين قاعدة للتوسع في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي شمال إفريقيا ووسطها، ولطرد بريطانيا من الهند والقضاء على نفوذها، باعتبارها عدوة فرنسا الأولى، وكان الأسطول البريطاني قد سبقها الى مصر بثلاثة أيام، وقد كان يجوب البحار بحثا عن الأسطول الفرنسي، فالقرصنة البحرية بدأت بين القوى الاستعمارية الكبرى، بما يكشف أن مصر وفلسطين كانتا منذ قرون في خندق واحد وأن عدوهما عدو واحد. وطبقا لمبدأ المصالح تتصالح أبرم في أبريل 1904 حلف ثنائي بين إنكلترا وفرنسا، لاقتسام الأراضي العربية، الذي تم بموجبه إطلاق يد بريطانيا في مصر، مقابل إطلاق يد فرنسا في مراكش، وهو الأمر الذي مهد لتحالف بريطاني فرنسي إبان الحرب العالمية الأولى. 
ثم بدأ التدخل الأميركي في الصراع الاستعماري بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في برنامج الرئيس الاميركي ويلسون من 14 نقطة، في مطلع عام 1918، لينتقل الصراع إلى التجارة والاقتصاد من بينها الاعتراف بحرية الملاحة، ونزع القيود عن التجارة، وبعض التعديلات الإقليمية في أوروبا والعالم، ليرتدي الاستعمار الحديث عباءته الجديدة، بالسيطرة على الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية، بآلياته الجديده، ومنها إسرائيل باعتبارها قاعدة الاستعمار الجديد، شوكة في قلب الوطن العربي، تمنع امتداده جغرافيا، وتستنفد قدرات العرب العسكرية وأموالهم في حروبها الاستيطانية، لتحقيق حلمها الكبير من النيل إلى الفرات، بقرار اصدرته الأمم المتحدة تحت الضغوط الأميركية، وقد خرجت أميركا من الحرب العالمية الثانية مزهوة بانتصار عسكري لم يسبقها إليه أحد، هو إلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما وأخرى على ناغازاكي في اليابان، وكانت الحرب العالمية قد أوشكت على الانتهاء. 
رابعا: الحرب النفسية: 
ولقد خاض العرب والمسلمون عبر التاريخ ولا يزالون يخوضون حروبا نفسية، تثير روح الهزيمة فيهم والانكسار، أمام الاستعمار، وأمام العدو الإسرائيلي المحتل، حتى أصبح الجيش الإسرائيلي في نظر الكثيرين الجيش الذي لا يقهر. 
وقد أصبحت الحرب النفسية، هي علم بذاته من العلوم التي تدرس في أكاديميات عسكرية في العالم، وأصبحت الشؤون المعنوية أحد أجهزة الجيوش الحديثة، بالإضافة إلى المخابرات العسكرية ومستقلة عنها. 
فالحرب النفسية التي تستخدمها الجيوش المتحاربة للتأثير على معنويات عدوها والقضاء على إرادته للقتال أو المقاومة أو حتى المواجهة، هي حرب تتملكها الجيوش الحديثة من خلال أجهزة متخصصة في مجالات الاتصالات وتحليل سلوك المجموعات البشرية والرأي العام ومكوناته، فأصبحت تقنية منظمة في تكتيك الجيوش واستراتيجيتها، ولها من الأهمية ما للحرب العسكرية من أهمية ومن أشكال الحروب، وغسل دماغ الشعوب، وترسيخ روح الهزيمة في نفوس الشعوب من خلال وسائل الإعلام فيها، المقروءة والمسموعة والمرئية، وهو ما يحاول الاستعمار العالمي ممثلا في قيادته الأميركية وحلفائها المساندين لإسرائيل، زغم حقها المشروع في استمرار حربها على غزة، لعشر سنوات أو يزيد، حسبما قال الرئيس الفرنسي ماكرون في أحد مؤتمراته الصحافية، ورفض إعطاء أي ضمانات من أميركا أو إسرائيل بوقف حرب الابادة عقب الافراج عن الرهائن الإسرائيليين، ليصبح الخيار الوحيد أمام حماس، هو قول الموت للشعب الفلسطيني في غزة قبل هذا الإفراج أو بعده، لتصبح الهدنة المقترحة من أميركا وإسرائيل طبعا هي هدنة لالتقاط أنفاس العالم وأهالي غزة من رائحة الموت، التي أصبحت نفوس العالم كلها التي تتطلع لإنهاء الحرب أو حل الدولتين من أضغاث الأحلام. 
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق