الثلاثاء، 19 مارس 2024

تجربتي مع الحشيش!!


تجربتي مع الحشيش!!

تجربتي مع الحشيش تجربة طويلة!
تعود أول تجربة إلى ما يناهز خمسة وستين عاما!!
فذات يوم في طفولتي المبكرة لاحظت حركة غير طبيعية في بيتنا وأفراد العائلة ووجهاء البلدة يتقاطرون، والبستاني (الجنايني) الذي كان قبل ذلك ضعيفا ومسكينا، تنقلب أحواله فيصرخ وينكر ويتهم الجميع بالجهل،حتى جاء أحد أقاربنا وتصنع أنه سيستدعي الشرطة،وهنا انهار الجنايني تماما. وطُرد شر طردة. 
وقد كنت في طفولتي الباكرة آنذاك أتمنى أن تأتي الشرطة، ولكن أحدهم همس لأبي أن الشرطة لو جاءت ستعتبر أبي المتهم الأول. ولم يكن لأبي أي خبرة بالأشجار ولا بالحشيش ولم يكن حتى يدخن السجائر.
اكتشفت بعد أعوام أن الأمر اكتشف عندما تجول صديق لأبي في الحديقة فاكتشف أن البستاني(الجنايني) زرع في أطرافها نباتات مخدرة منها الداتورة والحشيش،وأن هذا الأمر لو اكتشف واتهم به أبي لكان مصيره الفضيحة والإعدام.
مع هواجس الطفولة وأحلام اليقظة تحولت الفضيحة والإعدام وفقدان أبي إلى رعب يطاردني،يتأجج حينا ويخبو أحيانا
ومن هنا مثل الحشيش لي نوعا من الرعب خاصة في أسرة شديدة المحافظة والتحفظ والحياء،يعتبر التدخين فيها فضيحة،وما زلت أذكر الاستهجان والعقاب الذي حل بي عندما عدت من المدرسة الإعدادية مرة -وكنت دون العاشرة- وكنت فخورا برجولتي المبكرة، تلك التي طبقتها بأن جلست لأول مرة في المقهى وطلبت فنجانا من القهوة (مازلت أذكر مرارته). وعدت فخورا بإنجازي البطولي أحكي إنجازي الكبير فوقع الأمر على أمي كالصاعقة، فالجلوس على المقهى عيب أما شرب القهوة في مثل عمري فكارثة وكبيرة من الكبائر سيتلوها أن أدخن-ويا للهول- السجائر وأن أذيب فيها الحشيش.
وكان مفهوم الحشيش حتى ذلك الوقت لا يتعدى النبات الأخضر الضار الذي يلتهم غذاء الزرع. وكنت مندهشا كيف تتصور أمي أن هذه الأوراق الخضراء يمكن أن تذوب في القهوة، هذه الأوراق لا تذوب يا أمي! ومنعني غضبها وعقابها من شرح الأمر لها، وهو ما عزوته إلى قلة خبرتها.
ولم أفهم أيضا لماذا تقدم القهوة في بيتنا للكبار ولا يعتبرون ذلك عيبا ولا كبيرة. وفسرت الأمر لنفسي بأنها كالزواج لا تجوز إلا للكبار.
في المرة التالية، وأظنها كانت الأولى لا الثانية وأنها حدثت قبل واقعة المقهى، أحسست ببركان يغلي في البيت، كان أبي يدخل ويخرج من غرفة الجلوس غاضبا،وهو يقول لأمي:
- سأطرده هذا الوغد
وتقول أمي :
- بعد هذا العمر.. بعد كل هذه الصداقة..
وكان ضيف أبي وقورا جدا مهابا جدا وكان صديقا حميما لأبي. وأخذت أتلصص عليه فقد وقر بخاطري أن شيئا فظيعا يمكن أن يحدث، وأنه يمكن أن يغافل أبي ويقتله فجأة، فتأهبت لإنقاذ أبي أو على الأقل تحذيره، وكان ما أدهشني أن الرجل الوقور الذي لم أسمع له قبل ذلك صوتا لا يكف عن القهقهة بصورة أخافتني، وبعد القهقهة وبلا فاصل زمني ينخرط في البكاء، ويمسك كوب الماء فيصبه صبا على السجادة، ثم ينفجر في الضحك وهو يرى السجادة تبتل. وقلت لنفسي أن أمي لو شاهدت هذا فلن تمنع أبي من طرده. وفجأة قام الضيف إلى الباب الذي يفتح على شرفة طويلة تطل على الحديقة، وأخذ يفتحه ويغلقه بالمفتاح وكلما فتح الباب أو أغلق انطلق يضحك في جنون كما لو كان فتح الباب وإغلاقة معجزة من المعجزات أو شيئا غريبا جدا. وفجأة فتح الضيف الباب وتلفت يمنة ويسرة وفجأة قفز على إفريز السور وكشف نفسه وأخذ يتبول في الحديقة. كنت وراءه ولم يكن ير حجمي الصغير جدا لكنني تصرفت كما لو انفجر بركان تحت قدميّ فصرخت، ولم يبال الضيف، وجاء أبي على عجل فذهل واشتعلت النار في عينيه في غضب جامح فصرخ فيه: ماذا تفعل يا مجنون يا وقح يا قليل الأدب، ولم يكف الرجل عن قهقهته وهو يجيب على أبي:
- ماذا أفعل؟ ألا ترى؟ إنني أطرطر!!
وصرخ فيه أبي:
- تطرطر كالكلاب يا كلب
وجذبه أبي جذبة أوقعته وانهال ضربا عليه وراح يدفعه دفعا شديدا حتى أخرجه من المنزل في غضب شديد لم أشاهد أبي فيه قبل ذلك أبدا.
ومن بين الهمسات المتبادلة بين أفراد العائلة،والتي يظنون أن الأطفال لا يفهمونها،عرفت أن الرجل تعرض لمقلب من بعض أصحابه الذين علموا أنه سيزور أبي، وكانوا يعلمون كم يحب أبي ويقدره ويهابه ويحبه ويعتبره مثله الأعلى، فدسوا له الحشيش في القهوة، وكان هذا سر ما حدث له، وأرسل الرجل إلى أبي يعتذر ويستعطف طويلا لكنه رفض الصفح عنه أبدا. وحتى عندما عرف بحقيقة ما حدث قال: ذلك يخفف من إدانتي له لكنه لن يدخل بيتي بعد ذلك أبدا ولن أصافحه أبدا، فإن كان هو لم يخطيء فإن أصدقاءه أصدقاء سوء.
الغريب أنني، ومنذ أكثر من ستين عاما، لم أر الرجل ولا سمعت عنه ولا ذكره ممن حولي أحد، كأن الأرض ابتلعته أو اجتثته فلم يعد له وجود. كأنه لم يوجد.
بعد ذلك، وربما كان ذلك من الأسباب التي صدّتني وحمتني من العشق الهستيري لحفلات أم كلثوم، ما شاع أيامها أن عددا من أقاربنا العاملين في القوات المسلحة -هكذا كنا نسميها أيامها،لم نكن نقول الجيش أو العسكر- أقول كانوا يحتفلون بأغانيها وحفلاتها مع جهاز الراديو الضخم وتدخين الحشيش، فاعتبرت سماعها شيئا مخلا لا يليق كشرب القهوة في الصغر.
ثم مر بي الزمن
بل بالأحرى مر عليّ الزمن
هرسني الزمن
وكبرت
وعرفت ما لم أعرف وفهمت ما لم أفهم
بعد ذلك كانت الشائعات التي أحاطت بعبد الحكيم عامر وأنه كان مدمنا للحشيش، كنت قد كبرت بما يكفي لأدرك أن إدمان الحشيش يسبب الغباء والعته والذهول وفقدان القدرة على الحكم على الأشياء. وكنت مرعوبا كيف يكون هذا مسئولا عن جيش بلادي. وفي مايو ١٩٦٧ (وكنت أقرض الشعر حينذاك) كتبت قصيدة طويلة أتنبأ فيها بالهزيمة، كنت آنذاك طالبا بالسنوات الأخيرة في كلية طب قصر العيني.
وحدثت الهزيمة، التي ظللت بعدها أربعين عاما أظن أنها الألم الأكبر في حياتي، حتى حدث بعد ذلك ما أزرى بها وما تذكرته وأنا أقرأ هذا البيت المروع من الشعر:
يقول بيت الشعر:
أَمْــــــــــرٌ مَـــــــــا نَــــابَنَـــــــا مُصْمَئِلٌّ... جَـــــــــلّ حَـــــتّى دَقَّ فِــــيهِ الأَجَــــــــــــلُّ
والبيت منسوب لتأبط شرا لكن العلامة محمود شاكر أثبت أنه منسوب لابن أخ تأبط شرا وليس له هو نفسه.
ولتبسيط شرح العلامة لبيت الشعر نقول أن معناه: قد أصابنا أمر هائل أو مصيبة فادحة أحاطت بنا كما تحيط الأغصان المتشابكة الكثيفة في الغابة بمكان لتمنع أي شيء أو نجدة من الوصول إليه حتى ولو كان ضوء الشمس.. وأن هذا الأمر أو المصيبة الهائلة عظيمة جدا وضخمة جدا وجليلة جدا للدرجة التي تبدو فيها المصائب الهائلة الأخرى شيئا دقيقا جليلا لا يكاد يذكر إزاءها.
ولتبسيط ذلك التبسيط أقول: إن حاملة الطائرات شيء هائل وعظيم وجليل لكنها عندما تغرق في البحر المحيط تكون شيئا ضئيلا لا يكاد يذكر.. وكذلك فإن مصائبنا السابقة هي كحاملات الطائرات أما مصيبتنا الحالية فهي كالبحر الأجل الذي تكون فيه حاملة الطائرات الجليلة شيئا دقيقا لا يكاد يذكر( جل حتى دق فيه الأجلّ) - الفهم من العلامة والشرح من عندي.
كانت هزيمة ٦٧ هي حاملة الطائرات الهائلة الضخمة وكان المحيط الذي غرقت فيه هو محيط السيطرة الغربية وهزائمنا ثم الثورة المضادة ومذابحها.
مزقت الهزيمة قلبي
وظلت مرتبطة في اللاوعي بإدمان عبد الحكيم عامر والعصابة التي حوله للحشيش، وما قيل عن حفلة للطيارين ليلة الهزيمة حتى الصباح مع الراقصات والغانيات الزانيات تلبدت فيها السماء بالدخان الأزرق للحشيش وأهريقت كئوس الخمر.
كانت أجهزة الإعلام تركز على ذلك
رغم أنني على مستوى الوعي والثقافة كنت أدرك الأسباب الموضوعية للهزيمة.
اكتشفت بعد ذلك أن ما ظننته معرفة موضوعية كان محض وهم وغسيل مخ وأنني لم أعرف الحقيقة إلا على أعتاب عقدي الخامس والسادس.
كنت أتابع ما يقال عن حفلات قائد جيشنا الماجنة .. وعن إدمانه للحشيش، وكنا قد بدأنا ندرس في كلية الطب آثار الحشيش على الإنسان وسبب تعلق بعض الناس به وتصورهم أنه يمنحهم سعادة موهومة ويطيل أمد لذتهم، وأن الواقع غير هذا فما يفعله الحشيش أنه يفقد متعاطيه الإحساس بالزمن فيصور أنه طال جدا أو قصر جدا، ويرفع الكوابح الاجتماعية عنه، فيتبول على قارعة الطريق أو يتلفظ بألفاظ فاحشة لا تليق بوضعه الاجتماعي وكيف يدمر الخلايا العصبية شيئا فشيئا ولم يكن تأثيره المعنوي يقل خطورة، لأن المعايير الخلقية تنقلب تماما عند الحشاش، حيث تتضافر كل أسباب علاقته بالدنيا في سلوك السبل التي توفر له الحشيش فيخون ويغدر ويقتل، وشيئا فشيئا تنفصم النتائج عن مسبباتها، وتصبح الخيانة والغدر والقتل وانعدام الإحساس وتبلد المشاعر صفات أصلية في ذلك الشخص المدمن للحشيش، وعرفت أيضا كيف يمكن للطبيب العادي أن يشخص ويكتشف مدمن الحشيش من مجرد ملامح الوجه ولون البشرة، والتغير السريع للمزاج من سعادة بالغة إلى حزن رهيب إلى مخاوف طاغية. يضاف إلى ذلك القرارات التي لا يتوقعها أبدا المحيطون به، والذين لم تنفصم عندهم العلائق بين المسببات ونتائجها.
وكنت أدرس كل هذا وكيف أنه - الحشيش- يدمر القدرة على التفكير، فأتساءل في غضب وعتاب: كيف سمح جمال عبد الناصر،الذي أخبرنا محمد حسنين هيكل أن مشكلة الغرب معه أنه بلا عيوب وبلا نزوات ولذلك لا يمكن استدراجه أو ابتزازه. كنت أتساءل في غضب كيف سمح وهو بهذا الانضباط والأخلاق الحميدة أن يكون قائد جيشه حشاشا.
فيما بعد، سأكتشف ذات انذباحة، أن جمال عبد الناصر كان يشرب الخمر. وأن السادات كان يشرب الحشيش والفودكا، وأن جمال سالم كان لا يمانع أن تتزوج ابنته يهوديا،جمال سالم الذي حول محكمة الثورة إلى مستوى الحوذيين والأوباش، وكان يطلب منهم قراءة الفاتحة بالمقلوب فصرخ أحدهم وهو يشير إلى جمال سالم نفسه بسبابته: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". جمال سالم هذا اتهم اللواء محمد نجيب، أشرف العسكريين وأذكاهم وأكثرهم علما-رغم سذاجته- آنذاك بالشذوذ الجنسي كي يشوه صورته عند الناس.
بعد الهزيمة بعامين كنت في امتحانات البكالريوس، وفي المراجعات لها والاختبارات التجريبية عرضت عليّ مدرسة الطب الشرعي رائحة وسألتني ما هذه الرائحة؟ وعجزت عن الإجابة. كانت مدرسة في القسم،وعلى ما أذكر كانت ابنة الأستاذ الدكتور على عبد النبي رئيس قسم الطب الشرعي آنذاك والذي شارك في تشريح جثة عبد الحكيم عامر وادعاء انتحاره، وقيل أنه هدد تهديدا شديدا حتى يثبت الجريمة كانتحار وليس كقتل، وأنه وقّــع، بينما رفض رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة عين شمس أن يوقع.
عجزت عن معرفة الرائحة فظنت الممتحنة أنني أسخر منها بادعائي عدم معرفة الرائحة، ربما لأثبت أنني بريء وعلى خلق ولا أعرف هذه الأشياء السيئة، لم أفهم ذلك حينها، وكنت خجلا من جهلى ومحرجا من غضبها الشديد وتصورها أنني أضحك وأسخر منها. أخذت أقسم لها أنني لا أعرف، مندهشا في الوقت نفسه من غضبها، وبدا من احمرار وجهي أنني لا أعرف فعلا، فسألتني في دهشة:ألا تعرف هذه الرائحة حقا؟ فأقسمت لها مرة أخرى أنني لا أعرفها، لكنني أردفت أن هذه الرائحة تشبه نوعا من العطور أو البخور كنت أشمه عندما أذهب لشأن ما إلى غرفة المدرسين في مدرستي الثانوية. وهنا حملقت المدرسة الممتحنة فيّ ثم انطلقت في ضحك هستيري وهي تقول: في غرفة المدرسين؟ ..في غرفة المدرسين؟! وواصلت الضحك الهستيري، ذكرتني في ذهولي وارتباكي بذلك الرجل الذي اعتلى الإفريز وتبول من عليه. انكمشت متوقعا أي تصرف جنوني منها بما في ذلك أن تنشب أنيابها ومخالبها فيّ أو ان تتهمني بأي اتهام، ورحت أتساءل في رعب هل يمكن أن تكون شربت حشيشا قبل قدومها للاختبار؟ و قطعت الدكتورة الممتحنة ذلك بأن أعطتني قطعة صغيرة جدا أشبه بروث الحيوانات، أصابني الغثيان وأنا ألمسها وأشمها. وسألتني مرة أخرى: ألا تعرف هذا الشيء. كدت أجيبها أنها بعرة بعير. وهنا فاجأتني المدرسة أن هذا هو الحشيش. وكانت المرة الأولى التي أشاهده وألمسه وأشم رائحته. فيما عدا غرفة المدرسين في مدرستي الثانوية.
فيما بعد، كنت أعرف بعض المحيطين بالسادات، وقد أكدوا لي غرامه بجلسات الحشيش في ميت أبو الكوم.
بل قيل أن سر انتصاره على أعدائه هو الحشيش، وأنه اختبأ خلف اتهامه بأنه حشاش كي يفسروا تصرفاته بالغباء لا بالدهاء، وأن هذه كانت خدعته الاستراتيجية الكبرى. وليس يعني ذلك براءته،لكنه -لدهائه- كان يتعاطاه دون إدمان.
والمصيبة أنني علمت بعد ذلك أن معظم كبار رجال الدولة كانوا يتعاطونه أو يدمنونه.
لا أنسى أبدا جلستي مع ذلك الصديق على مقعد حجري على شاطئ النيل أمام ماسبيرو. كنت دائما أحب النيل أكثر من البحر، النيل حزن هاديء دافيء منساب كالدموع، أما البحر فوحش هائج لا نهائي رهيب، كنت أجلس مع صاحبي، كان مذيعا. وقلت له وأنا أشير إلى مبنى ماسبيرو أنني أنظر لدور الصحف والإذاعة والتلفاز كما لو كانت ملاحق للمساجد. ونظر الصديق إلىّ بذهول وهو يسألني: هل تظن أن الكتاب والمذيعين والممثلين والممثلات كما يبدون؟ وأجبته أنني أعتقد ذلك، فصرخ في وجهي أن قدر الفحش الذي يمارس داخل هذا المبنى أكثر بكثير مما يمارس في الملاهي الجنسية في شارع الهرم، وأن الرائحة السائدة داخل المبني ليست رائحة العطور الغالية بل رائحة الحشيش، وأنه من الطبيعي تماما أن تقرع بابا وتفتح، ثم ترتد معتذرا،فثمة مسئول يمارس الفحشاء مع غانية، لم يهتما حتى بإغلاق الباب بالمفتاح! وأن هذه الغانية الزانية قد تمثل بعد الفحشاء مباشرة دور رابعة العدوية أو دور شهيدة.
يومها انهار جدار آخر بيني وبين ظني وعقلي.
وفهمت لماذا يشتد غضب الله على شيخ زان وعالم منافق وملك-أو رئيس- لص.
في ذلك الوقت علمت أن معظم -وأقول معظم تأدباالكتاب والفنانين والنخبة والقادة مدمنون للمخدرات وأن أضعف مخدر يتعاطونه هو الحشيش.
تعرفت على لويس عوض.
ودعاني للغداء معه في مطعم الأهرام، أظنه إن لم تخنّي الذاكرة كان في الدور السابع. وعلى الغداء راح يحتسي الخمر.
نجيب محفوظ أيضا كان يتعاطى الحشيش والمنزول
أما يوسف إدريس فقد كان حكاية أخرى،حكاية طويلة جدا لا يتسع لها المجال الآن،لكن البعض يؤكد أنه لم يمت بنزيف في المخ كما قيل،بل بجرعة زائدة من الهيروين.
بعد أعوام كنت قد أدمنت شرب القهوة فقد بلغت السن الذي لا تصبح معه خطيئة، وكنت أشتري البن من محل صغير في الحسين،كان صاحبه صوفيا ملتحيا،وتبادلنا الكلام حتى صرنا أصدقاء. وذات يوم قال لي أنه يشعر أنني لا أكف عن التفكير في الله، وأنه يلمح فيّ ملامح عبد رباني له القبول إن شاء الله. وفاجأني بقوله: لكنك حائر ولم تصل بعد. وأجبته أن الطريق وعر والضوء شحيح والعثرات كثيرة والجرف هار. قال لي: أتريد أن تعبد الله وتعرفه كما لم تعرفه قط فأجبته في لهفة: يا ليت. فدعاني إلى جلسة يذكر فيها الله في شقة مطلة على الحسين وأن روادها أساتذة جامعة ومدير أمن واطباء ومهندسون. ذهبت معه ممنيا نفسي بارتواء بعد طول عطش..تشقق الحلق واللسان..قطرة ماء..قطرة ماء.. قطرة ماء..قطرة ماء..أنا عطشان.. لا ..ليس عطش اللسان والحلق.. بل عطش الروح.. أعمق أعماق الروح.. وعطش القلب.. وهاهو ذا الرجل يعدني بأنني لن أجد قطرة ماء فقط بل سأرتشف من نهر جار.. وبأنني سأعرف الله كما لم أعرفه. ذهبت في صبابة عاشق سيرى للمرة الأولى حبيبه. وكانت الصدمة الهائلة،فطريقتهم للوصول لا تتم عبر العلم والذكر والتدارس والتلاوة والعلم والفقه .. لا .. لا تتم إلا عبر الحشيش، ملئت منهم رعبا ووليت فرارا وقاطعت صاحب البن كما قاطع أبي المتبوّل من على الإفريز؟. وانقطع ذكر الأخير كما انقطع ذكر الأول.
بعد ذلك بأعوام طويلة هاتفني محمود السعدني ليسألني أي نوع من الحشيش أستعمله قبل أن أبدأ الكتابة، فقلت له أنني لم أشرب الحشيش قط. فأقسم بالطلاق أنه لا يصدقني وأنه متأكد أنني اشرب نوعا فاخرا من الحشيش يجعلني أكتب هذه الكتابة الرائعة، ثم أردف قائلا : مهما كان نوع الحشيش الذي تشربه فاخرا ونقيا فإن الحشيش الذي عندي أنقى وأفخر،فهو يأتيني من وزارة الداخلية رأسا. ضحكت فأقسم لي أنه لا يمزح. بعد ذلك نشبت معركة هائلة بيني وبينه عندما شبه سيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه بالشيخ الصباحي: قارئ الكف! وكانت معركة صحفية هائلة بيني وبينه دارت رحاها على صفحات أخبار اليوم والشعب، وهي معركة تدرس الآن في كليات الإعلام، وكان ممن وقف معي فيها وقفة الرجال بل الأبطال الصديق العزيز الأستاذ محمود شنب. وحاول محمود السعدني أن ينكر ما قاله لي عن الحشيش الرسمي الذي يأتيه من وزارة الداخلية رأسا. لكن معظم من حوله شهدوا لصالحي وأنه كان يفخر دائما - ويسخر- من ذلك.
كنت أظن أن هذه هي كل تجربتي مع الحشيش، حتى رأيت أميرا عربيا يفضحنا أمام العالم،كان يترنح من السكر وهو يستعرض حرس الشرف في استقباله على السجادة الحمراء وترك حرس الشرف وأعطاهم ظهره عائدا إلى الطائرة
انتبهت بعد ذلك مسلحا بذخيرة تجاربي، فاكتشفت أن معظم برامج التوك شو تتم تحت تأثير الحشيش..
وانداحت ذكريات الجلسة على شاطئ النيل أمام ماسبيرو لتلقي ظلالها على مدينة الإنتاج حيث الفحش والفحشاء والخنا وفعل قوم لوط.. هؤلاء هم الذين يعلمون للأمة الوطنية ويجددون لها الدين.
بل إن خطب كثير من المسئولين،كبار المسئولين،بل بعض أكبر كبارهم تتم تحت تأثير الحشيش، فترى التلعثم وعدم القدرة على إكمال بعض الكلمات وفقدان التركيز ونسيان ما كان يتحدث فيه لينتقل إلى موضوع آخر لا علاقة له بالأول وكذلك انفصال ملامح الوجه عن معنى الكلام فتراه يتحدث عن الكوارث مبتسما أو يمنيك بالآمال وهو يبكي، وهكذا دواليك، استعدت شرح المدرسة الممتحنة ابنة المتستر على قتل عبد الحكيم عامر. بل استعدت ملامح عبد الحكيم عامر نفسه ولون بشرته وانفعالاته الصاخبة. استعدت العلامات الطبية للمدمن مثل الوجه المحتقن المغبر وعدم السيطرة على المشاعر فتجده ينخرط في البكاء وفي اللحظة التالية تصيبه نوبة من هستيريا الضحك، إضافة إلى ما في الخطب من غباء وتلعثم وأخطاء وفقدان القدرة كليا على تحديد الزمن والمسافات.وفي هذا تختلط النكات بالواقع كذلك الذي ذهب تحت تأثير الحشيش يخطب في مدينة طوخ فأرتج عليه فصرخ: يا أهل طوخ:طوخ لكم وأنتم لطوخ، أو ذلك الآخر الذي صعد إلى المنصة تحت تأثير الحشيش فأرتج عليه ولم يجد إلا بيت شعر طاف على ذاكرته كيفما اتفق فأهان به الحضور جميعا حين قال:
وإني لأفتح عيني حين أفتحها = على كثير ولكن لا أرى أحدا..!!
بعد كل تجاربي تلك أصبحت واثقا أن جل هؤلاء المسئولين لا يذهبون للخطب على الهواء إلا وهم مسطولون طينة.
من الخفير للوزير لأمير لا فرق
لافرق
لا فرق
وقد قتل خيارنا وولي علينا شرارنا
شرارنا الذين دمر الحشيش عقولهم
ليس عقولهم فقط
بل وضمائرهم أيضا
وليس عقولهم وضمائرهم فقط
بل ودينهم أيضا
منذ ذلك الوقت أخاف من الاقتراب
أخشى أن أرى رابعة العدوية تزني
والشيخ الأكبر يكفر
والراهب يخون
والمواطن يهون
وابن العلقمي يبيع
أتأوه مرددا نفثات سيدي وحبيبي الإمام الحسين رضي الله عنه إذ يذبح:
صبرا على لأوائك لا إله سواك
عند الله نحتسب فساد أئمتنا.. وولاة أمورنا .
أغلق عليّ بابي وألزم خاصة بيتي.
توقفت عن مشاهدتة أولئك جميعا، لأنني مرعوب من ذلك اليوم،الذي أفاجأ فيه بالمسئول بعد أن يجلس ليخطب تحت تأثير الحشيش، يقفز على المنضدة التي يضعون عليها مكبرات الصوت والكاميرات أمامه، يقفز عليها، على الهواء مباشرة أمام إذاعات العالم وفضائياته ووسائط الميديا يقفز على المنضدة معريا سوأته. كي: يطرطر!
نعم..
كي يطرطر!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق