الأربعاء، 27 مارس 2024

شـلل المجـتمـــع المــدنــي العــربــــي

 شـلل المجـتمـــع المــدنــي العــربــــي

محمد هنيد


المجتمع المدني هو النظير المقابل للمجتمع السياسي وهو يضم كل المؤسسات والهيئات النقابية والعمالية والحقوقية والتربوية التي تشتغل وتتحرك داخل المجتمع وتنشط فيه. وهي القوة النابضة داخل النسيج الاجتماعي التي تعبر عن تطلعات مختلف الفئات المكونة للمجتمع وتكوّن بذلك عنصر توازن داخل الدولة وخارجها.


أمام جمود المجتمع السياسي العربي تجاه المجزرة الأخيرة في غزة وأمام حجم المذابح والإبادة التي ارتكبت هناك كان من المنتظر أن يتحرك المجتمع المدني بوسائطه المختلفة من جامعات ونقابات وهيئات مدنية من أجل حشد الدعم للقضية الفلسطينية.


لكن شيئا من ذلك لم يحدث وظهر هذا الكيان مشلولا من كل قدرة على الحركة ولو في حدودها الدنيا مما يؤكد أن وجوده ليس إلا وجودا صوريا يجعل منه تابعا سلبيا للمجتمع السياسي الذي يحكم سيطرته عليه.


لم تنجح أية مؤسسة مدنية في توفير أي نوع من أنواع الدعم والنصرة أمام هول المذابح والمجازر في غزة، بسبب سطوة المكون الأمني والسياسي عليها وهو الأمر الذي يطرح من جديد سؤال مجالات الحرية والحركة في العديد من المجتمعات العربية. 

فهل يمكن لحالة الانسداد الاجتماعي هذه أن تخدم مشروعات التنمية البشرية ؟ كيف يمكن الحديث عن مجتمعات فاعلة حية في ظل غياب أدنى شروط الحرية والقدرة على المشاركة المدنية ؟

ليس الشلل الذي ضرب المجتمعات العربية مقارنة بالحراك النشط الذي عرفته المجتمعات الغربية مثلا في مواجهة حرب الإبادة في فلسطين إلا وجها من وجوه عطب كبير في محركات هذا الجسم الكبير.

فقد نجحت الأنظمة الاستبدادية في خنق كل الأصوات المعارضة المدنية التي لا تطالب بالتغيير السياسي بقدر مطالبتها بتوسيع مجالات الحرية والتعبير بما أنها هي القلب النابض للدولة والمجتمع على حد سواء. 

هذه الحلول الأمنية قد تكون ناجعة على المستوى القريب والمتوسط لكنها خطيرة الأثر على المستوى البعيد لأنها تحرم المجتمع والدولة من كل القدرات الرقابية والتعديلية القادرة على خلق بدائل تمنح النظام السياسي نفسه مخارج آمنة وتمنع تراكمات الكبت الاجتماعي المؤدي حتما إلى الانفجار.

ليس شلل المجتمع المدني العربي تجاه المذبحة في غزة إلا دليلا آخر على شلل النظام الرسمي نفسه وهو مؤشر هام على ضرورة إصلاح هذا النظام الذي يتقدم في طريق مسدود سينتهي به يوما إلى الشلل التام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق