الاثنين، 25 مارس 2024

إبراهيم العرجاني.. تاجر حرب غزة وسمسار المعابر

 إبراهيم العرجاني.. تاجر حرب غزة وسمسار المعابر وذراع السيسي في سيناء


بالكاد يغيب العرجاني عن مناسبة يُذكر فيها أو يرعاها السيسي، فتجده واقفًا في الصفوف الأمامية المؤيدة للانقلاب والعسكر، وفي مقدمة الحشود المروجة للحملات الانتخابية الرئاسية، وعلى شاشات التلفاز التي يحكمها جهاز المخابرات، ويُحتفى به في قلب الوثائقيات كأحد “أبطال اتحاد قبائل سيناء في محاربة الإرهاب”.



قلم التحرير
من التمرّد إلى التعاون والشراكة، ومن السجن إلى ذراع السلطات المصرية ويدها العسكرية والاقتصادية في شبه جزيرة سيناء. أصبح صاحب إمبراطورية تجارية ضخمة تشمل البناء وتعدين المحاجر والسفر والضيافة والأمن الخاص، وبات صاحب النفوذ الأكبر على معبر رفح، والمتحكم في دخول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، يستولي على أموال أهالي غزة الراغبين بالخروج من القطاع للنجاة بأنفسهم من ويلات الحرب والحصار.. من هو إبراهيم العرجاني؟

قفزات العرجاني

وُلد إبراهيم جمعة العرجاني في منطقة الشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء في 4 ديسمبر/كانون الأول عام 1974، وبحسب بطاقة هويته فإن عنوانه الرسمي هو قرية أبو طويلة، وينحدر من قبيلة الترابين، إحدى أكبر 3 قبائل في شمال سيناء، إلى جانب قبيلتي السواركة والرميلات.

بدأ العرجاني حياته المهنية كسائق سيارة أجرة في شمال سيناء، مستخدمًا شاحنته الصغيرة، وعمل في مجالي المقاولات والمحاجر، وكان متورطًا في أنشطة تهريب مربحة إلى غزة و”إسرائيل”، ويُعتقد أيضًا أنه حصل على أموال من خلال فرض رسوم على رجال الأعمال الذين استخدموا أراضي سيناء في مشاريع البناء، لكن بروز اسمه لم يكن بسبب ذلك، بل لتعاونه مع الأمن، فبحسب قوله: “كانت الشرطة تستعين بهم لحل المشكلات وكانوا يفعلون ذلك بما يرضي الله”.
برز اسم إبراهيم العرجاني لتعاونه مع الأمن
بين عامي 2004 و2006، اختارت السلطات المصرية الحل الأمني في سيناء، وكثَّفت إجراءاتها مع شن حملة اعتقالات ومداهمات في مناطق الترابين والسواركة والرميلات، استهدفت عدة آلاف من رجال القبائل، بحثًا عن عناصر مجهولة متهمة بتنفيذ “اعتداءات إرهابية” على منشآت سياحية في طابا وشرم الشيخ ودهب.

وكثيرًا ما تسببت الإجراءات الأمنية المبالغ فيها، واتهام البدو بالضلوع في قضايا تهريب للسلاح والمخدرات مع “إسرائيل”، واعتقال أبناء القبائل واحتجاز الشيوخ والنساء لإجبار أقاربهم الذكور على تسليم أنفسهم، في اعتراضات من البدو، ودفعت حملة القمع الشرسة القبائل إلى تنظيم سلسلة من الاحتجاجات والاعتصامات في أبريل/نيسان ويوليو/تموز 2007، وكان يُشار إلى الحركة الاحتجاجية في ذلك الوقت في وسائل الإعلام باسم حركة “ودنا نعيش”.

تحوَّل العرجاني – الذي يبلغ من العمر الآن 50 عامًا – من طريد سابق للعدالة خلال فترة الصراع بين البدو والشرطة إلى قائد كتيبة من القبائل وأكبر حليف للجيش

وفي أوائل الثلاثينيات من عمره، شارك العرجاني في الاحتجاجات التي وصلت حد الاعتصام على الحدود مع “إسرائيل” أكثر من مرة، ومحاولة اجتياز الأسلاك الشائكة عند معبر كرم أبو سالم، والتهديد باللجوء إلى تل أبيب.

في نفس الوقت، عمل العرجاني أيضًا – كونه أحد رموز أكثر القبائل انتشارًا في سيناء – كوسيط بين الأجهزة الأمنية والقبائل، إلى جانب شخصين آخرين أكثر نفوذًا من قبيلة الترابين في ذلك الوقت، وهما موسى الدلح وسالم لافي، وامتلك أيضًا علاقات وثيقة مع قيادت سيناء الأمنية بسبب أنشطته في مجال التهريب، وعاونهم في ملفات أمنية منها ضبط المتفجرات وتهريب المتسللين.
إبراهيم العرجاني وسالم لافي وموسى الدلح من قبيلة الترابين



استمر العرجاني في لعب دور الوساطة وتبادل المصالح مع الأجهزة الأمنية حتى شهد نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008 نقطة تحول في علاقة العرجاني بالدولة، عندما قتلت الشرطة 3 أفراد من قبيلة الترابين، قال إنهم أُرسلوا – كجزء من جهود الوساطة التي قام بها – لمحاولة تهدئة الوضع أمام مقر الشرطة في سيناء، بالقرب من الحدود الإسرائيلية، حيث اعتصم الناس احتجاجًا على ما اعتبروه قتلًا خارج نطاق القضاء لرجال القبائل على أيدي ضباط الشرطة في ذلك الشهر.

وردًا على مقتل الأشخاص الـ3 (شقيقه واثنين من أقاربه)، حاصر أفراد من القبائل عدة أقسام للشرطة في سيناء، واستولوا على الأسلحة، واحتجزوا العشرات من ضباط الشرطة، واستقل عدد آخر من البدو 3 شاحنات صغيرة، واعترضوا طريق شاحنة أمنية في طريقها إلى معبر العوجة بوسط سيناء على الحدود بين مصر و”إسرائيل”، وأجبروها على التوقف، واصطحبوا عشرات الضباط والجنود، وعلى رأسهم ضابط كبير برتبة عميد، إلى مكان جبلي مجهول.

كان المتهم الأول باحتجاز قوات الأمن هو إبراهيم العرجاني، الذي سعى للانتقام لمقتل أخيه على يد ضابط عند نقطة تفتيش في سيناء، وظهر في مقطع فيديو شهير يسأل فيه المخطوفين عن سبب قتل شقيقه، ما أدَّى إلى اعتقاله لمدة عامين، في حين تمكَّن سالم لافي من الهروب من السجن في فبراير/شباط 2010 بمساعدة رجال القبائل.

في يوليو/تموز من ذلك العام، أفرجت السلطات عن العرجاني – ومعه 32 آخرين بينهم الناشط والروائى السيناوى مسعد أبو فجر الذي يصفه إعلام النظام في مفارقة واضحة بـ”الخائن” – لظروف صحية يعاني منها، وبقرار من الرئاسة بعد مفاوضات وضغوط مارسها سالم لافي، المطلوب الأول من أجهزة الأمن، وأحد أضلاع مثلث يضم ضلعيه الآخرين العرجاني وموسى الدلح، أحد أبرز المطلوبين أمنيًا في ذلك الوقت.

لاحقًا، اتهم العرجاني كبار ضباط الشرطة بالتعذيب الشديد، وتسببهم في إصابته بجلطة، وانتهى به الأمر في المستشفى وهو مصاب بالشلل الجزئي، وقال إنه تم نقله عمدًا بين سجون بعيدة عن سيناء، منها برج العرب والوادي الجديد، وإنه كان يتمتع بشعبية لدى السجناء الآخرين، وفي أثناء احتجازه تم انتخابه ممثلًا عنهم لدى سلطات السجن.

رحلة العرجاني المسلحة



مرت بضعة أشهر قبل أن يشارك ملايين المصريين في ثورة يناير 2011 التي عمَّت البلاد، التي انتهت بالإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، وقد اندلعت الاحتجاجات بسبب عدة حوادث تعذيب موثقة على أيدي ضباط الشرطة والأمن.

وفي مقابلته مع مجلة “روز اليوسف” المصرية في سبتمبر/أيلول 2011، والتي لم تعد موجودة على الموقع، صوَّر العرجاني نفسه على أنه ضحية لوحشية الشرطة ومدافع عن حقوق قبيلته ضد قمع قوات الأمن، وقال إن الاحتجاجات في سيناء كانت مقدمة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 ضد نظام مبارك.

بعد سنوات قليلة قليلة، تحوَّل العرجاني – الذي يبلغ من العمر الآن 50 عامًا – من طريد سابق للعدالة خلال فترة الصراع بين البدو والشرطة إلى قائد كتيبة من القبائل وأكبر حليف للجيش، وأثبت نفسه كزعيم “مجموعة مسلحة” مؤثر في سيناء في مواجهة الجماعات المسلحة في سيناء التي ظهرت خلال السنوات التي أعقبت ثورة 2011، كانت في البداية تابعة لتنظيم القاعدة، لكنها أعلنت فيما بعد الولاء لتنظيم الدولة “داعش”، وأعادت تسمية نفسها باسم ولاية سيناء.

بعد الانقلاب العسكري ضد أول رئيس منتخب ديمقراطيًا بمصر في يونيو/حزيران 2013، كثَّف “ولاية سيناء” عملياته الإرهابية في سيناء، فتحركت القوات المسلحة نحو القبائل البدوية المحلية، بما في ذلك قبيلة العرجاني، لمساعدتها في حربها ضد التنظيم، والتزامًا بمعاهدة السلام بين مصر و”إسرائيل”، التي تعني أن هناك حدودًا لعدد القوات المصرية المسموح لها بالتمركز في سيناء.

هنا عاد العرجاني للواجهة من خلال قبيلة الترابين، التي أعلنت الحرب مع الجيش ضد التنظيم كأول قبيلة تفعل ذلك، إلى جانب قبيلتي السواركة والرميلات، اللاتي اشترطت كل منهما أن تقاتل كل قبيلة داخل أراضيها، لكن الجيش رفض، واعتمد بدلًا من ذلك على تعاون أفراد القبائل، بما في ذلك العرجاني ولافي والدلح وأعضاء آخرين من السواركة والرميلات، وقدمت القبائل خبرة قتالية إضافية بسبب معرفتها بالبيئة الصحراوية وتكتيكات القتال، بحسب العرجاني.
سالم لافي والضابط أحمد المنسي

في عام 2015، أسس الثلاثي “اتحاد قبائل سيناء” من عشرات القبائل المسلحة من الدولة، وأصبح الاتحاد الحليف الرئيسي للجيش في مواجهة “ولاية سيناء”، وبدأت القبائل المنضوية تحت لوائه العمل في مواجهة “التنظيمات المتطرفة” وتقديم الدعم اللوجستي لأفراد القوات المسلحة.

وجمع العرجاني القبائل تحت مظلة ظاهرها قبلي وباطنها استخباراتي، لكن الهيمنة كانت لقبيلته “الترابين”، واقتصرت أنشطة الاتحاد على حماية أراضي القبيلة، بينما توسع تنظيم “ولاية سيناء” في أراضي القبائل الأخرى والمدن الساحلية، حتى إنه وصل إلى عاصمة محافظة شمال سيناء.

كان العرجاني، في البداية مسؤولًا عن تمويل اتحاد قبائل سيناء، ثم تولى القيادة بعد مقتل لافي والتقاعد المفاجئ للدلح في عام 2017، وأصبحت عضوية الاتحاد مثل وظيفة تحت قيادة العرجاني، وأصبح أعضاؤه يحصلون على راتب شهري ويحملون بطاقات هوية خاصة، وبدأ أيضًا في جذب أفراد من القبائل الأخرى، بحسب تحقيق لموقع “مدى مصر“. 

عناصر مسلحون تابعون لاتحاد قبائل سيناء أمام صورة العرجاني

وأصبحت علاقة  الحاج إبراهيم – كما يسميه أهالي سيناء – بالأجهزة الأمنية أقوى من أي وقت مضى بعد تشكيل الاتحاد وإقحام القبائل في “الحرب على الإرهاب”، لهذا، استهدف تنظيم “ولاية سيناء” أفرادًا من عائلة العرجاني مرارًا، وقتلوا ابن شقيقه، وهاجم مسلحو التنظيم منزله ودمروه في عام 2015، انتقامًا لمقاومة عناصره المسلحة.

سيارة تابعة لاتحاد قبائل سيناء تحمل علم الاتحاد إلى جانب علم مصر
وعلى الرغم من الإعلان رسميًا عن انتهاء العملية العسكرية، وهزيمة “ولاية سيناء” نهائيًا في عام 2022، لم يتم تفكيك اتحاد القبائل، ولا يزال هدفه غير واضح، غير أن أعضاءه تورطوا في عدة حوادث قتل خارج نطاق القضاء بمساعدة الجيش المصري، وثقتها “هيومن رايتس ووتش” ومؤسسة “سيناء لحقوق الإنسان”، وصنفت جماعات حقوق الإنسان أفعالهم “جرائم حرب”.

ومع ذلك، ما زالت أعلام الاتحاد ترفرف إلى جانب العلم الرسمي للدولة، ففي زيارة حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى محافظة شمال سيناء في أكتوبر/تشرين الأول، خلال الحملة الانتخابية للسيسي، ظهر العرجاني جنبًا إلى جنب مع مدبولي وكبار ضباط الجيش، ورافقت شاحنات تحمل اسم اتحاد قبائل سيناء موكب رئيس الوزراء.

إمبراطورية العرجاني التجارية

في مايو/ أيار عام 2014، عندما كان السيسي وزيرًا للدفاع، اجتمع

مع مشايخ وعواقل قبائل سيناء، كان من بينهم العرجاني بصفته شيخ

 قبيلة الترابين، وأهدى السيسي سيف القبائل، وألبسه العباءة

 السيناوية كنوع من التكريم والدعم في الانتخابات الرئاسية.

وبصفته رجل أعمال أيضًا، جلس العرجاني على مقربة من

 السيسي، وتحدث بحسب قوله في مداخلة هاتفية في قناة “المحور

 عن كيفية استغلال الثروات المنتشرة فى ربوع سيناء، وإنشاء

 مشروعات استثمارية تشمل مصانع في مناطق جبل الحلال ويلق

 والمغارة التي تحتوي على رخام ورمل زجاج.


العرجاني يقدم مشاريعه للسيسي خلال إحدى فعاليات الحملة الانتخابية الرئاسية في مايو/أيار 2014
بعد شهرين فقط من انتخاب السيسي رئيسًا، تأسست شركة “مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار”، والمساهم الأكبر فيها هيئة تابعة للجيش المصري، وفتحت علاقته مع نجل السيسي أبواب الأعمال التجارية مع الجيش بشكل مباشر ودون رقابة أو مضايقة من أحد، وبلغت الأعمال ذروتها في مسقط رأس الحاج إبراهيم بشمال سيناء.

بعد سنوات، أصبح العرجاني رئيس مجلس إدارة شركة “سيناء للاستثمار”، التي أُنشئت برأس مال يصل إلى نحو 3 مليارات جنيه لإنشاء مصانع للرخام والرمل الرجاني والأسمنت، وتعتبر أول استثمار مشترك بين الجيش ورجال الأعمال، تساهم فيها القوات المسلحة بنسبة 51% بالشراكة مع شركتين أخرتين مملوكتين لجهاز المخابرات العامة الذي يسيطر بشكل نهائي على معبر رفح الحدودي، ويساهم رجال أعمال من سيناء بنسبة 49%.

لاحقًا، تحوَّل الاسم إلى “مجموعة العرجاني القابضة” (ORGANI GROUP)، التي باتت واحدة من أباطرة الأعمال في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، وارتبطت بشراكات ممتدة مع المجموعة الصناعية التابعة لوزارة الدفاع المصرية، الممثلة في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وتعاونت مع الدولة بعشرات المشاريع خارج سيناء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق