السبت، 23 مارس 2024

الوهم

 الوهم

محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية



{ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن}

صدق الله تعالى، وكذب المبطلون..

من أحب أن يتعامى عن الواقع وحقائقه لا بد سيدفع الثمن، فالحق لا يتبع أهواء الناس..

والحق ليس بالأحلام ولا بالتمني {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءا يجز به}

هل تدري أن أكثر ما تسبب في إخفاقنا وفشلنا وقتلنا، وهذه الدماء التي تسيل، هو الجري وراء الوهم والسراب والخيال والأحلام؟!!

نعم والله، هو كذلك..

هؤلاء الذين كانوا يتوهمون أن الغرب فيه إنسانية ومؤسسات دولية وحقوقية يمكن الارتكان إليها والسعي خلفها!

وهؤلاء الذين كانوا يتوهمون أن هؤلاء الحكام وطنيون وليسوا عملاء، وأنهم يعملون حقا لصالح أوطانهم وشعوبهم، وليسوا خونة يعملون لتمكين الأجانب فيها!

وهؤلاء الذين كانوا يتوهمون أن هذه الجيوش وهذه الأجهزة الأمنية وبقية المؤسسات إنما هي مؤسسات وطنية وعريقة ولها خطوط حمراء لا تقبل بها!

هذه الأوهام ثبت مئات المرات أنها أوهام.. لكن الذين يحبون السير وراء أحلامهم كانوا يتأولون لها ويبررون!!

أو لعلهم كانوا يبررون لأنفسهم، لأن التعامل مع الحقائق مكلف وخطير، ولكم يهرب الناس من الحقيقة لا لأنها الحقيقة بل لأنهم لا يريدون التعامل مع تكاليفها ولوازمها ونتائجها!

حتى إذا وقعت المصيبة وسالت الدماء استيقظ الجميع.. هل قلتُ الجميع؟!.. أعتذر، لم يستيقظ إلا من أحب أن يستيقظ، ويبقى كثيرون يحبون أن يتعايشوا مع الوهم، ليستمروا من جديد في إنتاج التبرير أو في صناعة الوهم والتخدير!!

ليس الآن وقت حديث الماضي وشجونه.. ولكن لو أن الناس كانت تعلم حقا أن انقلاب السيسي في مصر هو بمثابة نكبة على الأمة، وليس مجرد قضية سياسية محلية.. لو عرفوا هذا وتعاملوا معه على هذا الأساس.. لكان الحال الآن غير الحال!!

ليس وقت حديث الماضي، نعم، ولكن من لم يبصر حتى الآن، وهو في بحر الدماء الغزية هذا، أن تحرير القاهرة ودمشق وعمان والرياض وأبو ظبي هو المهمة الأولى والعاجلة.. فهذا ممن يحبون أن يعيشوا الوهم من جديد.. وهؤلاء ستكون في رقابهم بحور الدماء الغزيرة التي سندفعها جراء التعلق بهذه الأوهام والأحلام!

لقد ظن بعض الفلسطينيين -غفر الله لهم- أن السيسي مهما كان ظالما ومجرما فهو في النهاية حاكم وطني، يمكن التفاهم معه على قاعدة "المصالح المصرية".. وظن بعضهم -غفر الله لهم- أن بشار يمكن أن يكون شريكا في معركة التحرير، إذ هذا -بالحد الأدنى- هو من صميم مصلحة النظام السوري!

ومثلهم ظن بعض المصريين أن الجيش المصري يحمي مصر من إسرائيل! وكذلك ظن بعض الأردنيين أن هذا هو دور الجيش الأردني!!

يا للغفلة والعار!!

حتى متى يظن السجين الأسير أن سجانه يحفظه من وحوش الغابة في الخارج!!

وحتى متى يظن الجريح أن الذي يقطع له يديه ورجليه إنما هو الطبيب الشفوق الذي يبتر له أطرافه الجافية؟!!

وحتى متى يظن القتيل أن قاتله الذي يفتك به إنما يقتله حبا ورحمة؟ أو يقتله خطأ عن غير تعمد؟!!

ألا صدق الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق