الاثنين، 18 مارس 2024

لماذا يتخاذلون وماذا ينتظرون؟

 لماذا يتخاذلون وماذا ينتظرون؟


دمرت مقاتلات إسرائيلية مسجد الفاروق في مخيم الشابورة وهو أحد اقدم وأكبر مساجد مدينة رفح على الحدود المصرية مع غزة 

روى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهما، أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته". فما بال غزة تُنتهك حرمتها، ويُنتقص من عرضها، وتعاني ويلات الإبادة الجماعية بأبشع صورها، ولا تجد من الزعماء المسلمين والعرب من ينصرها، ويذود عن حرمتها ويستر عرضها؟ أليست غزة مسلمة؟ أليست غزة عربية؟ لماذا هب العرب والمسلمون لنصرة مصر حربهم ضد الكيان الصهيوني عام ١٩٧٣م؟ ولماذا هبّوا لنصرة الكويت عندما اجتاحها صدام حسين عام ١٩٩٠م؟ إلى متى سيستمر التخاذل العربي والإسلامي الإجرامي تجاه ما يجري في قطاع غزة؟ وماذا تنتظرون أكثر من ذلك؟

سبب التخاذل هو الوهن؛ الذي كرّس حبنا للدنيا، وحوّل الجيوش العربية والإسلامية إلى حصون شاهقة للأنظمة الحاكمة، فلا تتحرك إلا لتنقض على شعوبها أو على شقيقاتها من الدول المجاورة، أو لتشترك في عمليات أو مناورات مشتركة مع أعدائهم ومن يتحكم في أوطانهم ويسلبها إرادتها.

لماذا يتخاذلون؟

منذ بداية الاجتياح الصهيو-أميركي لقطاع غزة، وهذا السؤال يقرع العقول والقلوب دون توقف، وقد حاولنا الإجابة عليه في مقالات سابقة، وقمنا بتحليل المشهد العربي والإسلامي، داخلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، ووقفنا على جملة من الاستنتاجات التي تفسّر جانباً من أسباب هذا التخاذل على المستويين الرسمي والشعبي، إلا أن الأمر تجاوز حد التخاذل ليتحول إلى حالة من الهوان والصّغار وانعدام الوزن ما يفوق التصور، وما ينذر بنتائج وخيمة على الأمة العربية والإسلامية في العقود المقبلة.

ألهذا الحدّ فقدت الدول العربية والإسلامية وزنها وقيمتها وتأثيرها على الصعيد الدولي؛ بحيث لا تستطيع أن تجبر الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي على إدخال الغذاء والدواء إلى قطاع غزة بطريقة منظمة تحفظ للمنكوبين والمكلومين في قطاع غزة كرامتهم التي عجز الكيان الصهيوني عن كسرها رغم الدمار والقتل والتجويع؟

ألهذا الحد تعجز الشعوب العر بية والإسلامية بقطاعاتها المختلفة الطلابية والنقابية والتكنوقراطية والنخبوية عن التفكير بأساليب أخرى غير الاحتشاد في الطرقات، للضغط على حكوماتهم عن طريق الإطراب وشلّ الحياة المدنية في مختلف المجالات؟

الوهن الذي داس عليه أهل غزة بأقدامهم، في سبيل تحرير أرضهم واستعادة حقوقهم، والحفاظ على كرامتهم، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه مقابل ذلك. هذا التحرر من الوهن هو السبيل لاستكمال مسيرة التحرير، ولا سبيل غيره.

ألهذا الحد هان أهل غزة على الأمة؟

لم يطلب أهل غزة من الدول العربية والإسلامية تسيير الجيوش لمحاربة الكيان الصهيوني، ولكنهم يطلبون منهم استغلال حضورهم الدولي الذي يضم ٥٧ دولة. ولم يطلبوا من الشعوب القيام بثورات ضد أنظمتها الحاكمة لإجبارهم على التحرك لنصرتهم، وإنما يطلبون منهم استغلال كتلتهم السكانية الهائلة التي تبلغ حوالي ملياري نسمة يشكّلون ربع سكان العالم، قادرون على إرباك حركة العالم التجارية والصناعية والتكنولوجية والسياحية والتعليمية والصحية.

إنه الوهن، سيد الإجابات، وكاشف أسباب الخذلان، ومانع الحيرة والذهول. الوهن الذي كرّس حبنا للدنيا وتعلقنا بالحياة وسعينا وراء الخلود، خوفاً من الموت والحساب والعقاب. الوهن الذي حوّل الجيوش العربية والإسلامية إلى حصون شاهقة تتمترس خلفها الأنظمة الحاكمة، فلا تتحرك إلا لتنقض على شعوبها أو على شقيقاتها من الدول المجاورة، أو لتشترك في مناورات مشتركة مع من يسلب إرادة أوطانهم ويهيمن على سيادتها.

الوهن الذي داس عليه أهل غزة بأقدامهم، في سبيل تحرير أرضهم واستعادة حقوقهم، والحفاظ على كرامتهم، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه مقابل ذلك. هذا التحرر من الوهن هو السبيل لاستكمال مسيرة التحرير، ولا سبيل غيره.

إن الموقف العاجز من الدول العربية والإسلامية، وتخاذلها الفاضح عن نصرة أهل غزة، جريمة كبرى، ستعرضها لخذلان الله لها ولشعوبها في موطن تحب فيه نصرته، حين لا تجد لها نصيراً، ولن يكون هذا الموطن بعيداً.

ماذا ينتظرون؟

ماذا ينتظر العرب والمسلمون أكثر من ذلك؟ دخلت حرب الإبادة الصهيو-أميركية شهرها السادس، وتجاوز عدد القتلى والمصابين المستمر في الارتفاع ١٢٠ ألفاً، أي حوالي ٥٪ من سكان قطاع غزة قبل الاجتياح الصهيوني، وهذه النسبة تعادل ١٧ مليون إنسان في الولايات المتحدة، وحوالي ٥،٥ مليون إنسان في مصر، وحوالي ٢ مليون إنسان في السعودية.

ماذا ينتظرون أن يحدث في غزة أكثر من ذلك، وقد جاءت الولايات المتحدة الأميركية دون إذن من أحد لتنشئ رصيفاً عائماً على شواطئ غزة استكمالاً لبقية فصول المخطط الإجرامي الصهيو-أميركي، على حساب دماء وحقوق الشعب الفلسطيني؟

هل ينتظرون استكمال التحالف الصهيو-أميركي لما تبقى من مراحل عملية الإبادة الجماعية الشاملة التي تجري هناك؟

أم ينتظرون بدء عملية (التهجير الطوعي) للمواطنين المنهكين من القتل والدمار والنزوح والجوع والفقد والمرض والمناشدة؟

أم ينتظرون قيام الكيان الصهيوني باستكمال عملية العسكرية الرامية إلى القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومعها بقية فصائل المقاومة المسلحة، التي ما زالت تقاتل ببسالة منقطعة النظير، وتصر على القتال حتى الرمق الأخير لتفوز بإحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة؟

أم ينتظرون حدوث المشهد الأخير، الذي ينتظره طابور المتخاذلين والمتواطئين بفارغ الصبر؛ مشهد استسلام قيادات المقاومة وخروجها من قطاع غزة على غرار ما حدث لقوات منظمة التحرير الفلسطينية عندما أعلنت استسلامها واضطرت للخروج من بيروت سنة ١٩٨٢م لتستضيفها تونس والسودان واليمن؟

إن هذا الموقف العاجز من الدول العربية والإسلامية، وهذا التخاذل الفاضح عن نصرة أهل غزة، جريمة كبرى، سيسطرها التاريخ بحروف دامية يظللها الخجل والقهر. وإن استمرار هذا العجز والتخاذل سيعرضها لخذلان الله لها ولشعوبها في موطن تحب فيه نصرته، حين لا تجد لها نصيراً، ولن يكون هذا الموطن بعيداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق