ويضل الله الظالمين
الدكتور محمد عباسكان ذلك وأنا على مشارف الأربعين من عمري..
كنت أقف على جبل هائل من الكتب والمعارف وعذابات الفكر وكان بعضها مؤلما كالسلخ.
بل كان معظمها مؤلما كالسلخ. بل كان كلها مؤلما كالسلخ قبل الذبح. وظننت أيامها أنني فعلت كل ما بوسعي ولم يكن هناك متسع لمزيد. وكنت على يقين أنني أمسكت بأهداب الحقيقة بل وتمكنت منها . وبدا بنائي الفكري صلبا ومتماسكا ومنطقيا، وصحب ذلك قدرة هائلة على السيطرة على مشاعرى مهما كان تحتها من براكين. حتى ظننت أنني فقدت القدرة على البكاء.
يا اللــــه
كنت قد وضعت بيني وبين الله حمقِي ..
وكنت أقول لنفسي أنني سوف أقف أمامه يوم القيامة مطمئنا قائلا : يا رب أخطأت كثيرا وأصبت كثيرا لكنني كنت دائما صادقا معك وحين أخطأت كنت أحاول الوصول للصواب فضللت الطريق رغما عني وهناك يا رب فرق بين قوم طلبوا الحق فأخطئوه وبين قوم طلبوا الباطل فأصابوه وأنا يا رب ما طلبت إلا وجهك ما قصدت إلا وجهك ما أحببت إلا وجهك وما سرت في طريق إلا لظني أنه الطريق إليك بغض النظر عن خطئي وصوابي وكوني وصلت ام ضللت الطريق فما طلبت إلا الحق .
وكنت أتخيل أنني بعد هذا سأنعم برضا الله عني ومغفرته لذنوبي وبالجنة.
...
وكنت أيامها قد تعودت على سماع نشرة الأخبار من هيئة الإذاعة البريطانية قبيل الفجر، كنت مدركا أنها تبث السموم، لكنها كانت تفعل ذلك بذكاء يحترم عقلي، وليست كوسائل إعلامنا ..بدا إعلامها بالنسبة لي كوجبة طعام شهية في مطعم خمسة نجوم وبدا إعلامنا طعاما قذرا في حظائر الخنازير.. وفضلت الأول على الثاني وأقنعت نفسي أنني قادر بجبل معارفي على عزل سمومه.
قبيل نشرة الأخبار في البي بي سي كانوا يذيعون خمس دقائق من تلاوة القرآن..
كنت مستلقيا على فراشي منتظرا أذان الفجر. وفجأة دوى الصوت الذهبي للشيخ عبد الباسط بها:
- ويضل الله الظالمين..
ويضل الله الظالمين ويضل الله الظالمين ويضل الله الظالمين ويضل الله الظالمين ويضل الله الظالمين ويضل الله الظالمين ويضل الله الظالمين الله الظالمين ويضل الله الظالمين ....................
.......
لا أنسى لحظتها أبدا..كأنني أسمع هذه الآية لأول مرة في عمري
...
كانت إحدى المنعطفات الكبرى في حياتي..في عشر ثانية قفزت من سريري..
قفزت؟
لا..
بل انفجر تحتي بركان قذف بي إلى خارج مدارات الجاذبية..
وكنت لحظة أن قذف بي خارج نطاق الجاذبية ضائعا في الكون بلا وزن ولا اتجاه أجهش بالبكاء..
مرعوبا مذهولا مروعا..
ويضل الله الظالمين..ويضل الله الظالمين ..ويضل الله الظالمين ..
ما يدريني أنني لست من الظالمين..
ما يدريني..؟؟
ما يدريني..
كيف أثق؟
كيف أستوثق؟؟
كيف أطمئن؟؟
كيف يا أحمق أمنت مكر ربك حتى لو كانت إحدى قدميك في الجنة..
أليس من الممكن أن أكون من الظالمين ..
ظالم يضله الله..
فإن اضلني فمن غيره يهديني..
إن قلاني فمن يؤيني..
أليس من الجائز أن يكون يقيني بأنني فعلت كل ما أستطيع للوصول إلى الحق هو المكر الذي خيل لي أن إحدى قدمي في الجنة بينما كلتيهما في النار..
من يومها انكسرت..
توارى جبل يقينياتي وانكمش خلف جبل ذلي..
انهدم زهوي بعقلي..
وفقدت الثقة بصوابي..
وانهار يقيني بصواب ما فعلت وأنني بذلت كل ما أستطيع..
وفي كل خطوة وفي كل خفقة وفي كل حركة وفي كل تصرف أتطلع إليه سبحانه وتعالى متسائلا:
- أأنا على صواب يا رب.. هل قبلت عملي .. أهديتني.. ؟
ومن يضلل الله فما له من هاد.
...
من يومها وثقتي بعملي تنهار عاما بعد عام بل يوما بعد يوم فيتضخم جبل أخطائي وذنوبي حتى يسد الأفق وينكمش جبل صوابي حتى يصبح أصغر من صخرة.. وهي صخرة لا أملك اليقين من نقائها..من يومها يزداد رعبي من لقائه..
توارى الشوق خلف الخوف ..
يزداد رعبي..
يزداد رعبي..
ويضل الله الظالمين..
ويضل الله الظالمين..
ويضل الله الظالمين..
...
اللهم أنقذني..اللهم نجني..
اللهم لا تضلني..
...
...
...
آظن - ولا أتألى على الله - أن الفريق السيسي من الظالمين ..
وأحتار كثيرا:
هل أدعو الله أن ينتقم منه.. أم أن يهديه...
بل وأتساءل في رعب:
- هل من حقي أن أدعو الله ألا يهديه؟!
...
{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ }سورة يونس آية 88
*****
حاشية:ياله من عار
جهاز الكومبليت كيور.. ياله من عار..
كأن كل فضائيات العالم صورتني عاريا أمام الخليقة..
ورغم الغضب الهائل الذي يدمدم في صدري إزاء أداء الجيش خاصة قياداته تجاه الأمة والدين فقد شعرت بالغيرة إلى غير ما حد عليه وثمة مشعوذ يشعوذ مستبدلا ببخور السحرة وتهويمات الكهان أصابع الكفتة في حضور رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ومهما كان سوء ظني بهما وأنهما من الظالمين الذين يضلهما الله فوالله قد شعرت بالغيرة ليس عليهما بل على البلاد التي يمثلانها ولو بالرغم عني.
وتحت وطأة الكفتة..
ووطأة حضورهما المهزلة رحت أتمتم في رعب لا يوصف:
ويضل الله الظالمين..
ويضل الله الظالمين..
ويضل الله الظالمين..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق