محرقة المسلمين في إفريقيا الوسطى:
المشهد مألوف.. والرد مألوف!
أحمد بن راشد بن سعيّد
النص لدوناتيلا روفيرا، مستشارة الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية، التي أضافت أن جماعة أنتاي بالاكا (مكافحة بالاكا) المسيحية تقتل المسلمين في الجمهورية بوحشية، وأن قوات حفظ السلام المنتشرة في البلاد فشلت في وقف سيطرتها على المدن واحدة تلو الأخرى: «ما نشاهده الآن هو تطهير عرقي للمسلمين، ونزوح جماعي للمسلمين بنسب تاريخية».
تتحدث روفيرا عن قتل المسلمين واجتثاث وجودهم، ومن ذلك قولها إن «البيوت والمحال التجارية التي يملكها المسلمون نُهبت وأُحرقت، وإن المساجد سُويّت بالأرض. الوضع الآن وصل من البشاعة بحيث إن عشرات الآلاف من المسلمين فروا من بلداتهم».
أحد أعيان بلدة بوار في غرب البلاد أبلغ روفيرا: «الجميع يريد الرحيل... نحن فقط ننتظر الفرصة».
بعض المسلمين فروا بالسيارات أو بالدراجات النارية، منضمين بذلك إلى قوافل طويلة ترافقها القوات التشادية أو الدولية. آخرون حملوا ما خف حمله وغلا ثمنه ثم قفزوا في الشاحنات المكتظة بالنازحين على نحو يهدد حياتهم. بعض المسلمين حاولوا الفرار على الأقدام لأنهم أيقنوا أن ميليشيات أنتاي بالاكا ستهاجمهم في أي لحظة.
في 16 كانون الثاني حاول 20 مسلماً الفرار من مدينة بوهونج، فأطلقت الميليشيات النار عليهم، ثم قطّعتهم إرباً إرباً حتى الموت (من مقال لروفيرا بعنوان: «القتل، بتر الأطراف، وحكم الغوغاء: الحياة في جمهورية إفريقيا الوسطى جحيم على الأرض»، الإندبندنت، 12 شباط 2014).
منظمة العفو الدولية أبدت ذعرها مما شاهد فريقها في العاصمة بانغي مشيرة إلى أن المذابح التي تجري هناك «لا يمكن أن تكون أكثر فظاعة» مما جرى ويجري، وأن مشهداً في منطقة شمال غرب بانغي «تركنا مشدوهين».
وصل فريق المنظمة إلى المكان وشاهد الشوارع «ملأى» بجثث المسلمين. تقول المنظمة: «أحصينا 21 جثة، منها 3 نساء ورضيع. كانت الكلاب تنهش بعضها. بعض الذكور كانت جثثهم محروقة جزئياً. قدما أحد الرجال كانتا مربوطتين، ما يدل على أنه كان سجيناً قبل إعدامه. قال السكان لنا إن ثمة جثثاً أكثر في ضواحي البلدة... منطقة بوغيري الإسلامية كانت خالية بشكل يدعو إلى الرهبة. معظم المنازل والمحال التجارية تسكنها الأشباح وبعضها محروق، والذين لم يُقتلوا هربوا».
يضيف تقرير المنظمة: «ثم وجدناها. صبية عمرها 11 عاماً جاثية في زاوية من منزل مهجور، نجت من كل شيء، لكنها ظلت في ذلك المكان وحدها من دون طعام ولا ماء 4 أيام. كانت مذعورة، ومنهكة إلى الحد الذي لا تقوى فيه على الوقوف، ولم تكن تتكلم إلا بصعوبة. قالت إن أباها قُتل في الهجوم، وقال السكان إن أمها قُتلت في اعتداء سابق. كانت البنت هي المسلمة الناجية الوحيدة، وتوسل إلينا السكان المسيحيون أن نأخذها، فأخذناها إلى مكان آمن. ما رأيناه في بوغيري كان صادماً، مقلقاً إلى أقصى حد، ومثير للسخط». وفيما بدا أنه اتهام للقوات الدولية بالتواطؤ، قالت «العفو الدولية» إن بوغيري هي من «الأماكن التي كان يُتوقع أن يحدث فيها شيء مأساوي، لكن القوات الدولية، المُرسَلة لحماية المدنيين، لم يرها أحد». لكن ما حدث في بوغيري لم يكن استثناء، تضيف المنظمة: «في اليوم التالي، وبينا كنا نسوق سيارتنا جنوباً إلى قرية بوبوا، عثرنا على 3 جثث ملقاة أمام مسجد، اثنتان لمحافظ القرية المسلم، آدامو ديوا، وابنه أبو بكر، والثالثة لمسلم آخر اسمه عبده. وعندما غادرنا القرية، ظهرت مجموعة من السكان المسلمين من مخابئهم في الأدغال وأشاروا إلى سيارتنا لنقف. أخبرونا أن مقاتلي أنتاي بالاكا قد هاجموا قريتهم قبل 3 ساعات، وقتلوا 3 رجال، وأن هناك 200 مسلم فقط باقين في القرية يتعرضون لتهديد خطير».
تؤكد «العفو الدولية» أن «المسلمين يُقتلون بوحشية، أو يُطردون من معظم البلدات والقرى. في مبيكي مثلاً لم يبق إلا عائلة مسلمة واحدة من بضعة آلاف من كانوا يسكنونها سابقاً. في يالوك، التي كانت تحتضن نحو 10.000 مسلم، لم يبق إلا 742 حتى تاريخ 13 شباط.
الأهالي المسلمون في بودا تحميهم الآن من الهجمات قوات حفظ السلام الفرنسية، لكن وهم يستعدون للفرار من البلاد فقط». وتضيف المنظمة أن «القتل الجماعي للمدنيين، وتدمير المنازل والمحال والمساجد هو أسلوب تستخدمه أنتاي بالاكا لتطهر عرقياً جمهورية إفريقيا الوسطى من سكانها المسلمين. هذه جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب». وتصل المنظمة إلى القول إن الرجال والنساء والأطفال يتعرضون للقتل بالبنادق والسواطير، وتُترك جثث بعضهم لتتفسخ، ولم يبق في مناطقهم أحد منهم، بينما غابت قوات حفظ السلام الدولية في أوقات الحاجة الأقصى إليها، «وكانت أحياناً مترددة في تحدي ميليشيات أنتاي بالاكا، وبطيئة في حماية الأقلية المسلمة المهددة» (18 شباط 2014). بيتر بوكيرت مدير الطوارئ في منظمة هيومن رايتس ووتش أبلغ بي بي سي أن أحياء كاملة اختفى سكانها من المسلمين تماماً، وهُدمت منازلهم بصورة ممنهجة، ونُزعت أبوابها ونوافذها وأسقفها، مضيفاً: «توجد أدلة على محو وجودهم بالكامل» (9 شباط 2014).
هيومن رايتس ووتش نقلت في موقعها عن بوكيرت مشاهداته في إفريقيا الوسطى، ومن ذلك قوله إن جنوداً في الجيش يرتدون الزي الرسمي طعنوا رجلاً مسلماً «بالمناجل، وسحقوا رأسه بالحجارة الكبيرة، وقطعوا له إحدى قدميه، وساقه الأخرى، ثم وضعوا الجثة وسط الشارع، وكدسوا حولها الإطارات، وأشعلوا النار فيها».
وأضاف أن حشوداً كبيرة، بمن فيهم أطفال، شاهدوا حرق الجثة، وصوروا ذلك بهواتفهم، وعندما وصلت القوات الفرنسية «سار تجاههم شاب ماسكاً في يده الساق المقطوعة للضحية... ثم رمى بها إلى النار».
تروي المنظمة مشاهداتها المروّعة في بانغي، ومن ذلك قولها إن ميليشيات أنتاي بالاكا قتلت في 29 كانون الثاني رجلين مسلمين من أصحاب المحال التجارية، وقطعوا أيديهما، وقطعوا قضيبَيهما، ووضعوهما في فم كل واحد منهما، و «كانت قوات حفظ السلام الفرنسية حاضرة لأكثر من 40 دقيقة في هذا المشهد، لكنها لم تتدخل لحماية الجثث من التشويه... أصبحت مثل هذه الإعدامات الوحشية حدثاً عادياً في العاصمة بانغي» (6 شباط 2014).
صحيفة الواشنطن بوسن نقلت عن رجل مسلم اسمه محمد صالح يحيى (38 عاماً) في مطار بانغي قوله: «إنهم يقتلون المسلمين بالسكاكين» مشيراً إلى حلقه إشارة الذبح. وصل محمد إلى المطار من بلدة يالوك الغربية مع زوجته وأطفاله الخمسة. قال: «بنيت منزلي على مدى سنتين، لكن المسيحيين دمروه في دقيقة. أريد الرحيل» (8 شباط 2014).
ما يجري للمسلمين تجاوز القتل إلى أكل لحوم الضحايا.
صحيفة الديلي ميل البريطانية تحدثت عن شخص يُسمى «الكلب المسعور» (mad dog) يستمتع بأكل لحوم المسلمين بعد قتلهم والتمثيل بهم، ناشرة صوراً مروّعة تظهر الكلب وهو يأكل جزءاً من جسدَيْ رجلين مسلمين. وقالت الصحيفة إنه أيضاً لعق الدم من السكين التي قطّع بها اللحم (20 كانون الثاني 2014).
لا تتسع هذه المساحة لرصد الفظائع التي تتدفق أخبارها من إفريقيا الوسطى، لكن المحزن أنها تمر مروراً عابراً على الصحافة في البلدان العربية والإسلامية، وعلى صانعي القرار فيها، وعلى المنظمات ذات الصلة كمنظمة «التعاون الإسلامي».
المشهد مألوف، شعب مسلم يُباد، ولامبالاة قاتلة من أصحاب الشأن، وغياب آلية للردع ومنع التكرار. لا غرو أن يتغول الغرب الصليبي ويعربد.
لافت أن بعض المنظمات الإخبارية العربية كقناة العربية لم تعر الإبادة اهتماماً يُذكر، بل انحازت إلى القتلة وبررت توحشهم من خلال تكرار الرواية التي تزعم أن المسلمين ارتكبوا في فترة حكم الرئيس المسلم ميشال دجوتوديا «فظائع بحق سكان مسيحيين، مما دفع بالقرويين المسيحيين إلى تشكيل ميليشيات للدفاع» (العربية نت، 12 شباط 2014).
وبالطبع لا يمكن للقناة الغارقة في العمالة لإسرائيل والغرب أن توجه تهم «التطرف» و «الإرهاب» إلا للمسلمين، والسنّة منهم تحديداً. يدل على هذا ما كتبه في تويتر أحد مذيعيها الذين تحتفي به القناة، وتستكتبه في موقعها، وهو محمد أبوعبيد: «مسلمون يقطعون رؤوس البشر، مسلمون يعذبون البشر، مسلمون يباركون الأجساد المفخخة، ويفجرون الأطفال، يعذبون حيوانات».. وماذا عن إبادة المسلمين في إفريقيا الوسطى؟ تسأله مغردة، فيجيب على الفور: «بخصوص إفريقيا الوسطى، لا تصدقي، هناك إشاعات لإثارة فتنة» (17 شباط 2014). ذلك الموقف المعادي للإسلام والمسلمين، هو موقف القناة نفسها بقيادة وليد الابراهيم وعبدالرحمن الراشد. السؤال هو: ماذا لو كان القتلة مسلمين والضحايا من غيرهم؟ أي حفلة للزعيق ستقيمها «العربية»، وأي استنكار ستضخه المرة تلو المرة لذلك المسلم «الكريه» و «المتوحش» و «القبيح»؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق