ليز موراي .. من مشردة إلى ملهمة الجماهير
- "ليز": كنت أعرف أن والداي يتعاطيان المخدرات لكني أدركت أنني وشقيقتي مختلفتان عنهما.
- ألقت "ليز" محاضرات مع كل من بلير وغورباتشوف والدالاي لاما في بلدان مختلفة
- كان والداها يتركانها وحيدة وبلا طعام حيث تضطر لأكل مكعبات الثلج ومعجون الأسنان
- عندما بدأت الالتحاق بالمدرسة، كان القمل يتساقط من رأسي على دفتر ملاحظاتي
- كانت تبقى يقظة لتتأكد من عدم تعرضّ والديها لأذى عندما يخرج بحثاً عن المخدرات
- تفوّقها الدراسي منحها منحة مالية ومقعدا في جامعة هارفارد لتنطلق في نجاحاتها
ترجمة - كريم المالكي:
لا يحوي العنوان الرئيسي أي مبالغة لأن ليز موراي تلك المشردة استطاعت أن تقهر ظروفها وأثبتت القاعدة التي تقول أن هناك عدد قليل من الناس يُولدون ولديهم القدرة على إعادة اكتشاف أنفسهم واستعادة الحيوية للانطلاق من جديد في حياتهم، وتعد الذكية ليز موراي- التي كانا والداها من مدمني المخدرات- واحدة من هؤلاء القلة. كانا والداها ينفقان كل ما تمتلكه الأسرة من نقود على ممارسة عاداتهما السيئة. فيما كان الجوع والإهمال القاسم المشترك الأكبر لطفولتها فقد عانت هي وأختها إهمالاً غير عادي. وكثيراً ما افتقرتا إلى أبسط الاحتياجات كالغذاء والملابس.
وما إن بلغ عمر ليز الخامسة عشرة حتى وجدت نفسها كأي مشرّدة في الشوارع وليس من مأوى يقيها. لقد تُوفيت والدتها من جرّاء إصابتها بمرض الإيدز وضاع والدها في الشوارع. لكن ليز أقسمت على نفسها بعد وفاة والدتها أن تخطّ لنفسها حياة مختلفة. لقد رفضت ليز أن تكون نهايتها مثل نهاية أمّها، وقرّرت أن أفضل طريقة لتجنّب هذا المصير العودة إلى المدرسة والانطلاق من جديد في حياتها. في هذا الموضوع تسرد لنا كيف أنها نجت وغيّرت حياتها رأساً على عقب وكيف أنها لم تستسلم إلى ذلك الواقع المرير.
عندما تستعيد ليز موراي شريط طفولتها، تجد نفسها غير محمّلة بتلك الذكريات الجميلة التي تعيشها العائلة كالعطلات الممتعة أو الأمسيات الجميلة التي يلتئم فيها شمل الأسرة في عيد الميلاد. بل إنها بدلاً من ذلك تستعيد الجوع الذي عاشته أو الرائحة المروّعة للشقة القذرة التي تقطنها وتُسمى منزلاً.
ربّما أن ذكرياتها سوف تُعيدها إلى ذلك النزيف الذهني والذهول كطفلة صغيرة لا تنام الليل كله، الطفلة التي ترى أن والديها يبذلان كل ما في وسعهما من أجل الحصول على المخدرات حيث إنهما يخرجان يجوبان الشوارع بحثاً عن ضياعهما في حين ينام بقية العالم. وبالنسبة لليز التي هي من نيويورك، والتي قد تجاوز عمرها الآن 30 عاماً، من المؤكد أن طفولتها كانت غير آمنة ولم تحظ خلالها بأي عناية. وكان كل من والديها من المدمنين الذين يُعانون من مشاكل نفسية خطيرة. وكان منزلهما يقع في قلب حي برونكس المكان الذي يخلو من القوانين، وبينما يخرج الوالدان في رحلاتهما الاعتيادية، كانا يتركان ليز وشقيقتها ليزا، التي هي أكبر منها بسنتين ليعتنيا بنفسيهما.
.وفي بعض الأحيان كان هناك القليل من الطعام في المنزل ما يدفع الفتاتين إلى أكل مكعبات الثلج ومعجون الأسنان. وكثيراً ما بقيتا لأشهر دون غسل جسديهما وكلما ازداد إدمان والديهما، كانت شقتهما المكوّنة من ثلاث غرف نوم تتحوّل إلى مكان جحيمي يعجّ بالجراثيم. وتقول ليز- التي تتذكر طفولتها جيّداً أنها كانت تشعر بأن عمرها في الأربعين مع أنها كانت في ذلك الوقت في سن من يريد الالتحاق برياض الأطفال - "كنت أعرف دائماً أن أمي وأبي يتعاطيان المخدرات لكن الأمر استغرق بعض الوقت لكي أدرك أننا مختلفتان عنهما".. وفي ذلك الوقت كانت مثقلة بالفعل ولديها شعور عالٍ بالمسؤولية نحو والديها.
وتقول ليز: " لقد أقدما على مخاطر سخيفة وكانا لا يكترثان لحياتهما كثيراً، وعندما يخرجان ليتدبرا الحصول على المخدرات كان عليّ البقاء مستيقظة لأتأكد من أنهما لم يصابا بأذى". وبينما كانت تعرف أن عليها أن تبقى ساكتة على ما يجري في المنزل، تقول ليز: كان من الواضح تماماً أنها وليزا يجري إهمالهما بشكل خطير.
وتتذكر ليز قائلة:"عندما بدأت الالتحاق بالمدرسة، كان القمل يتساقط من رأسي بشكل متواصل على دفتر ملاحظاتي، وأدركت وعلى نحو سيئ للغاية أن الأطفال الآخرين يتجنبوني".
وبدأت ليز التي تشعر بالعار والعزلة تهرب من المدرسة، وعندما كانت لا تذهب إلى السرقة أو التسكّع في الشوارع، كانت تقضي معظم يومها على الأريكة تشاهد عروض الألعاب بجانب والدتها التي عادة تكون في حالة غيبوبة. .
لقد كانت والدة ليز شخصية قلقة. وكثيراً ما دخلت إلى وحدة الطب النفسي القريبة، وحاجتها إلى المخدرات ملحّة جدًّا وتسيطر عليها لدرجة أنها في إحدى المناسبات باعت الديك الرومي المخصّص لعشاء عيد الميلاد لتشتري المخدرات. وفي مرّة أخرى حاولت أن تبادل معطف ليزا بكيس من الكوكايين ولكن التاجر رفض ذلك.
.واللافت أنه على الرغم من محنتها وتغيّبها الدائم عن المدرسة وتجاربها المؤلمة عن الإدمان، ذهبت ليز نحو دراسة علم النفس في جامعة هارفارد، وتعمل حالياً محاضرة متخصّصة في تحفيز الجماهير حيث تسافر إلى دول العالم الأخرى لتُعلّم الناس كيفية التخلّص من الظروف القاهرة.
وكان العام الماضي قد شهد صدور كتابها (كُسِرَ الليل) الذي سجّل مبيعات كبيرة في الولايات المتحدة، وتسرد في هذا الكتاب بشكل صريح رحلتها من الطفولة التي اقترنت بإدمان والديها المخدرات إلى دراسات إيفي ليج مروراً بمرحلة المراهقة التي قضتها في الشوارع.
ومع ذلك تُصرّ ليز على أن الكتاب ليس مذكرات عن البؤس وتدّعي بأنها لا تشعر بأي شيء من المرارة تجاه والديها. وتقول ليز: "إن ما حدث قد حدث، ومن نواحٍ كثيرة لقد كنت محظوظة جدًّا. كنت أعرف دائماً كم يحبني والداي، وبغض النظر عن الحالة التي عليها أمي فهي في كل ليلة تقول لي إني بالنسبة لها شيء خاص جدًّا.
أما والدي فكان يقول لي دائماً إنه يحبني أيضاً ".. كانت والدة ليز تعاني من فصام الشخصية الجزئي، ووالدها الذي هو ابن مدمن على الكحول، كان يعاني بشكل خطير من اضطراب الوسواس القهري، وترك الكلية عندما اكتشف عالم المخدرات. ولأنهما كانا معاً فقد أصبح الأمل ضئيلاً لأي منهما ولكن ليز كانت تدرك دائماً أنهما كانا بوضع أفضل لو حاولا فعل شيء.
وتعترف ليز: لقد كانت أختي ليزا تريدهما أن يكونا مثل الآباء الآخرين لكني كنت أشعر بنوع من التسليم من أن ذلك لن يحدث أبداً، ومع ذلك، لا أزال أتعلم بعض الدروس المهمة منهما.
كانت والدتي تمتلك هذه الروح الرائعة التي تعتقد دائماً بأنها في يوم ما ستنبذ حياتها. في حين أن والدي كان يوصيني بعدم الاهتمام حقاً فيما يفكر فيه أي شخص آخر، ويشجعني على قراءة الكثير وأن أعيش من خلال قواعدي، وهو بالضبط ما فعلته.
وعندما كان عمر ليز عشر سنوات وفي ليلة كانت والدتها في حالة سكر وهي تجلس على طرف سريرها أخبرت ليز بأنها تحمل فيروس نقص المناعة البشرية. وبعد خمس سنوات من تعاطي المخدرات، توفيت الأم بسبب الإيدز دون أن تكون ابنتها الشغوفة بها بجانبها. وهو أمر لازم ليز حتى يومنا هذا.
وتعترف ليز: " كلما كبرت أكثر بدأت أبعد نفسي عن مرض والدتي وأبحث عن حياتي الخاصة في الشوارع. وفي الشارع كان هناك اللعب والضحك والصداقة والمغامرة، وكل الأشياء الحلوة التي لم أتمكن من الحصول عليها في المنزل أو في المدرسة".
وفي الوقت الذي توفيت فيه والدتها، كان والدها في ملجأ للمشرّدين فيما تعيش ليزا مع إحدى العوائل الصديقة لهم. وتقول ليز إنها صنعت لها عائلة جديدة من صديقاتها في الشوارع، بما في ذلك حبيبها الأول الذي كان يمارس باستمرار دور الفتوّة عليها وكذلك يتلاعب بمشاعرها.
وتقول ليز: "لقد كان من السهل الإبقاء على تلك العلاقة، ومن ثم فقدان السيطرة على جميع حياتي، إلا أنني أعرف جيّداً أنني لا أريد أن أنتهي إلى ما انتهى إليه والداي".
وبدلاً من ذلك، في سن السابعة عشرة، وبعد سنتين من تشرّدها في الشوارع، عاشت ليز تجربة مفاجئة. لقد التقت فتاة صغيرة أخرى في حفلة أحدثت تحوّلاً جذرياً في حياتها وذلك من خلال دفعها للتسجيل في مدرسة ثانوية بديلة، والتي تشبه المدارس الخاصة للمحرومين.
وتقول ليز التي بدأت بالتقديم إلى المدرسة على الفور: " في تلك اللحظة أدركت أنه لم يتوجّب عليّ أن أكون خلاصة لظروفي، وأنه باستطاعتي أن أغيّر حياتي على نحو صحيح بدلاً من انتظار المستقبل المجهول كما فعلت دائماً والدتي".
.لقد حصلت ليز على مكان في إحدى مدارس مدينة نيويورك البديلة، وبدأت بدراسة لإكمال دبلوم الدراسة الثانوية على الرغم من أنها لا تملك مكاناً لتعيش فيه.
وتقول: "كان عليّ أن أنام في مترو الأنفاق أو أن أذاكر في السلالم، لكن الأصدقاء قدّموا لي يد المساعدة عندما استطاعوا".
برعت ليز في المدرسة ومن خلال العمل الجاد والتصميم تمكنت من الحصول على مبلغ سنوي قدره 7500 جنيه إسترليني في السنة ومقعدٍ في جامعة هارفارد وهما عبارة عن منحة تقدّمها صحيفة نيويورك تايمز إلى الطلاب، وحصلت ليز على المكافأتين عندما كانت بلا مأوى.
.ومع ذلك، تعترف ليز بأن الكلية لم تبهرها كثيراً في بعض الأحيان حيث تقول: " لقد شعرت بأنني أضع قدمي في عالمين مختلفين جدًّا، وفي بعض الأحيان كنت أرغب في أن أدعو أصدقائي القدامى للمجيء للجامعة وأن يدخلوا معي إلى المحاضرات.وأحضرت إحداهن إلى جامعة هارفارد ".
لقد توفي والد ليز من جراء مرض الإيدز بينما كانت لا تزال ليز في الجامعة وكان أسفها الوحيد هو أن والديها قد فارقا الحياة.
تخرّجت ليز في صيف عام 2009 وتعيش حالياً في نيويورك مع شريكها جيمس الذي التقت به في المدرسة الثانوية البديلة. وتذهب ليزا، التي تعمل حالياً مدرسة إلى الكلية حيث تعيش في مكان قريب. ولم تلمس أي من الأختين المخدرات ويبدو أنهما خاليتان تماماً من مشاكل والديهما.
وتقول ليزا: " كانت أختي ليز مصمّمة دائماً على فعل شيء وأعتقد بأنها نجحت لأنها رفضت أن يعوقها تاريخها المؤذي".
وتضيف ليز: "أشياء سيئة كثيرة تحدث للناس في كل وقت ولكن أن يبقى الإنسان حبيساً لها ويعيش الإشفاق على الذات فإنه لن يتحرّك إلى الأمام.
وتضيف ليز، التي تعتبر الآن واحدة من أبرز المتحدثين الملهمين في العالم، حيث شاركت في إلقاء محاضرات مع توني بلير وميخائيل غورباتشوف والدالاي لاما، "هذا هو أول شيء أحاول أن أوصله إلى من يسمعني، وبالإمكان أن تقدم رؤية لمستقبلك الذي لا يعتمد على ماضيك".
عن صحيفة الديلي اكسبريس البريطانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق