ثورة تونس ملهمة، لكن ثورة مصـر مظلومة
ياسر الزعاترة
لكن الفريق الأول لم يكن منصفا في تعاطيه مع الحالة المصرية لاعتبارات شتى، لاسيما حين نظر إلى ما جرى للإخوان بوصفه نتاج سياسة الاستئثار أو إقصاء الآخرين، وليس شيئا آخر، وبالطبع مقابل روحية التوافق والشراكة التي مالت إليها “النهضة” في تونس.
ما من شك أن إدارة المشهد في تونس من قبل حركة النهضة كانت مختلفة عنها في مصر، وكانت أكثر حنكة وذكاءً، لكن ما ينبغي أن يتذكره الجميع هو أن التآمر على تجربة تونس لم ينته فصولا بعد، في ظل وجود نخب لا ترى الإسلاميين سوى شهداء أو معتقلين، وفي ظل عبث فلول النظام السابق، وبوجود أنظمة عربية لا تريد لأية ثورة عربية أن تنجح، حتى لو لم يتصدرها إسلاميون كما هي حال ثورة ليبيا على سبيل المثال.
لعلالنقطة الهامة التي يمكن أن نحسبها للنهضة في تونس هي أنها مالت إلى التوافق مع القوى الأخرى ما أمكنها ذلك، وقامت بتشكيل حكومة ائتلافية بعد الثورة، بينما ذهب إخوان مصر نحو مسار قلنا، إنه خاطئ منذ البداية تمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط؛ ما لم يكن موفقا بعد ثورة، وكان الأصل هو تكليف أحد رموز المعارضة بتلك المهمة (المفارقة أن المعارضة في تونس طلبت حكومة تكنوقراط لاحقا، وهو ما كان).
النقطة الغائبة، والتي لا يعترف بها الإخوان، بل مرسي على وجه التحديد، هي أن معظم الخطوات التي اتخذها من الناحية العملية طوال الوقت إنما كانت لاسترضاء الجيش من أجل تحييده، فيما كان جنرالاته يجرجرونه نحو النهاية المدروسة.
حكومة هشام قنديل كانت خيار الجيش، وكان معظم أعضائها كذلك، بمن فيهم وزير الداخلية وأهم رموزها، وكان نصيب الإخوان فيها 7 وزارات هامشية، فيما رفضت القوى الأخرى المشاركة لأن خيار الإفشال كان متفقا عليه، وأوحت به الأجهزة الأمنية لجميع الفرقاء.
لا يمكن لأي حاكم في الدنيا أن ينجح حين يكون الجيش والمؤسسة الأمنية والإعلام والقضاء ضده، اللهم إلا إذا كان ثوريا مثل شافيز الذي ذهب إلى البنك المركزي وكسر الأقفال واحتجز الأموال، ووزعها على الفقراء، فجمعهم من حوله على نحو طاعن في الثورية، ومثل هذا السلوك لم يكن ممكنا في مصر.
ما كان ينبغي أن يحدث، وشخصيا قلت ذلك منذ البداية حتى لا يُقال إنها حكمة بأثر رجعي، هو أن من العسير مواجهة الدولة العميقة بقضائها وأمنها وجيشها دون إجماع شعبي، وكان الأولى هو تشكيل حكومة ثورية من رموز أكثرهم من المعارضة، وبحضور إخواني محدود، ومن ثم خوض المعركة مع الدولة العميقة، وحلفائها من رجال الأعمال الفاسدين، وفلول النظام السابق.
كان مسار الإخوان إصلاحيا، فيما تطلب الموقف سلوكا ثوريا لاستكمال ثورة شعبية، لكن ذلك لا ينفي أن قطاعات من النخب لم تكن تريد لهم النجاح، ولو حوّلوا البلد إلى سويسرا، إن كان ذلك على أسس حزبية أم أيديولوجية أم طائفية، وما قاله إبراهيم عيسى عن لقاءاته مع السيسي والتآمر على الثورة حتى قبل فوز مرسي دليل واضح.
في تونس، كان موقف الجيش محايدا إلى حد كبير، وكذلك حال الأجهزة الأمنية بقدر ما، وهما تحديدا من يمكنهما تحريك القضاء الذي استخدم بقوة في مواجهة الثورة، بينما كان كل أولئك في الحالة المصرية ضد الرئيس، وهم الذي أوحوا للإعلام بحملة الشيطنة، في ذات الوقت الذي أوحوا فيه للنخب والأحزاب، بأن مرسي مرحلة عابرة، ولا ينبغي التعاون معه، بل يجب دفعه نحو الخطأ وراء الخطأ.
الأهم من ذلك كله في الفارق بين التجربتين التونسية والمصرية يتمثل في ثقل البلدين، إذ إن الثقل الذي تمثله مصر، قد جعل حجم التآمر الخارجي عليها أكبر بكثير، إذْ ضُخت أموال وحيكت مؤامرات تنوء بحملها الجبال، بينما كان الأمر أقل من ذلك في تونس. ومن تابع أكبر حملة شيطنة في التاريخ البشري مورست ضد مرسي، رغم النجاح النسبي لحكومته، لا بد أن يدرك ذلك تمام الإدراك.
ثمة فارق آخر يتمثل في أن إخوان مصر كان إلى جانبهم حزب إسلامي آخر يزايد عليهم في قضية الأسلمة، وهم اضطروا إلى مجاملته كما في المادة 19 من الدستور التي ما لبث أن تخلى عنها لاحقا للآخرين، ثم تبين بعد ذلك أنه ضدهم، والسبب في ذلك هو خضوعه لشروط التمويل القادم من نظام يعادي الإخوان والثورات وربيع العرب، فضلا عن العداء الحزبي، بينما لم يتوافر شيء من ذلك في تونس.
وحتى قصة الدستور، لم تكن معضلة في مصر، إذ إن 95 في المئة من مواده كانت موضع إجماع، وكان يمكن تغيير المواد الإشكالية المحدودة الأخرى، وانسحاب المنسحبين من لجنة الدستور كان بسبب إيحاء من الأمن التابع للجيش بدوره، وليس بسبب صعوبة إصلاح الموقف بتعديل المواد المختلف عليها.
لا شك أن إدارة النهضة للمشهد كانت جيدة، لكن القضية لم تنته فصولا بعد، فالحقد والتآمر لا صلة لهما بالنجاح والفشل بالضرورة، وإلا لما تعرض أردوغان لما يتعرض له، وهو يدير واحدة من أنجح الحكومات في العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق