بريطانيا الصليبية .. من جديد!!
في مقاله في صحيفة الغارديان البريطانية، انتقد الكاتب والإعلامي الشهير سيوماس ميلن، انتقد بشدة خطاب رئيس الوزراء الأسبق توني بلير الأخير والذي طالب فيه الغرب بتنحية خلافاته مع كل من روسيا والصين للتفرغ لمواجهة ما سماه بتزايد التطرف الإسلامي في العالم!!
وقال ميلن: إن هذا الخطاب يدشن عودة المحافظين الجدد إلى الساحة مرة أخرى عن طريق خليط قاتل بين دعوات للتدخل العسكري في الخارج تنطلق من عقيدة صهيونية مسيحية وبين ممارسة المكارثية والاضطهاد في الداخل!!
ووصف الكاتب المعروف دعوة بلير هذه بأنها حملة صليبية جديدة، تماثل طريق الخداع الذي استخدمه هو والرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش إلى مذبحة "الحرب ضد الإرهاب".
ويقول ميلن إن هذه الدعوات تتسق مع السياسة البريطانية الحالية التي تضطهد بعض البريطانيين المسلمين الذين توجهوا لمقاتلة النظام الحاكم في سوريا أو يجمعون التبرعات للمتضررين السوريين وتوجه إليهم اتهامات بدعم الإرهاب بينما لم يواجه البريطانيون الذين قاتلوا ضد نظام القذافي في ليبيا أي معوقات أو اتهامات مشابهة.
ويؤكد ميلن أن دعوات بلير تتعدى حدود النفاق لتصبح جزءاً من حملة للتلاعب بالعقول لدعم الطغيان والتدخل العسكري في الشرق الأوسط والذي كان السبب الأكبر في تزايد أعداد المنتمين للجماعات الإسلامية منذ عام 2001.
ولا ينسى التاريخ لبلير مشاركته "الشرسة" في غزو العراق وأفغانستان، ثم انحيازه بعد سنوات إلى سفاح ليبيا الهالك معمر القذافي،ففي الوقت الذي كان فيه الشعب الليبي يناضل ويموت، من أجل حريته، كان بلير يصارع لإقناع الرئيس الأميركي باراك أوباما بعدم جدوى إطاحة الدكتاتور الليبي.
ولا يمكن عزل المقالة الجريئة المذكورة في هذه الصحيفة المرموقة، عن سياق ذي صلة مباشرة بالسياسة البريطانية التي كشرت عن أنيابها مؤخراً،إذ لم تعد الروح الصليبية العلنية حكراً على الصليبي المتطرف بلير، فقد تواترت المواقف الرسمية لرئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون، في خط لا يقل تطرفاً وعداء للإسلام، في موازاة سياسات قائمة على الأرض فعلاً،كتلك التي ندد بها الكاتب ميلن..
وقد استفز كاميرون بهذه التحولات الجلية نخبة المجتمع البريطاني من خارج الطبقة السياسية، حتى اضطر 55 شخصية بارزة من بينهم عدد من حائزي جائزة نوبل، إلى نشر كتاب مفتوح،احتجوا فيه بشدة على تصريحات أدلى بها كاميرون مؤخراً،أصر فيها على الهوية النصرانية الصرف لبريطانيا..
وشدد هؤلاء المفكرون على رفضهم المبدئي والمطلق لحصر هوية بلادهم في نطاق النصرانية،مؤكدين أن بريطانيا بلد متعدد الأعراق والمِلَل ..
فإذا تجاوزنا الجدل الداخلي هناك حول بعث الروح الصليبية مجدداً،بين مؤيد ومعارض،فإننا يجب أن نتوقف أمام محطات ضرورية لاستيعاب السياق الغربي العام والبريطاني الخاص.
الدرس الأول: أن العداء للإسلام ما زال سلعة انتخابية رائجة في ذلك العالَم الذي يزعم أنه تعلمن منذ زمن بعيد!!
الدرس الثاني: أن الروح الصليبية العدوانية باقية في الجذور، ولا تحتاج إلى لبعض التحريك من قبل تجار السياسة.
الدرس الثالث: أن بريطانيا تحديداً كانت أكثر دول الغرب حقداً على المسلمين منذ ريتشارد قلب الأسد في عصر صلاح الدين الأيوبي.
الدرس الرابع: في العصر الحديث كان الإنجليز هم رأس الحربة الغربية في تدمير الدولة العثمانية ثم احتلال ديار إسلامية عديدة.. وهي الراعي الأول لاغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني على أرضها السليبة.
ولذلك قال جنرالهم الحقود ( اللينبي) يوم دخل فلسطين غازياً سنة 1917م: الآن انتهت الحروب الصليبية!!
لكن المحزن حقاً،أن كل هذه الدروس/الصفعات الصليبية التي لا تنضب،لا توقظ أمة الإسلام،مع أنها الضحية المحقود عليها حتى بعد كل استسلام "نخبتها" المتغربة واستكانة أكثر حكوماتها!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق